يُعرض في دور السينما بالوقت الحالي فيلم “فخ” (Trap) للمخرج إم نايت شيامالان، الذي ينتمي للنوع نفسه الذي دأب المخرج على تقديمه منذ بدايته أي الرعب والإثارة.

الفيلم من تأليف وإخراج وإنتاج شيامالان وبطولة ابنته ساليكا بالإضافة إلى جوش هارتنت، وحقق حتى الآن إيرادات بلغت 70 مليون دولار، مقابل ميزانية بلغت 30 مليونا.

مسيرة سينمائية في غاية التقلب

للمخرج الأميركي إم نايت شيامالان مسيرة مهنية في غاية التقلب، فمن النجاح الشديد وترشحه لجوائز أوسكار وبافتا وغولدن غلوب، حتى أفلام شديدة التواضع ترشحت لجائزة “التوتة الذهبية” المخصصة، لأسوأ الأعمال.

فقد شهدت بداياته نجاحا كبيرا بفيلم “الحاسة السادسة” (The Sixth Sense) من بطولة بروس ويليس وأسس فيه المخرج لأسلوبه الفني الذي يعتمد على التواءات الحبكة ومفاجأة الجمهور، والرعب غير الدموي الأقرب للتشويق والإثارة، لكنه انخرط بعد ذلك في مشاريع وقعت في العديد من الأخطاء الفنية حد السذاجة لدرجة أنها أصبحت في الوقت ذاته الوجه الآخر لأسلوبه الفني، ومن هذه الأخطاء البعد عن المنطق والمباشرة الشديدة وتوجيه الممثلين بشكل يبرز عيوبهم لا مميزاتهم.

ويقع فيلم “فخ” ضمن نوع القائمة الثانية، وتدور أحداثه في يوم واحد، ونتعرف في البداية على كوبر/دون هارتنت، الأب الذي يصطحب ابنته المراهقة إلى حفل لنجمتها الموسيقية المفضلة، ليبدو من أول وهلة كأنه شخص مثالي، يقدم لصغيرته تذاكر غالية لمقاعد قريبة من المسرح، ويحاول الترفيه عنها بكل قدرته، ويناقشها في أفعال زميلاتها المتنمرات بالمدرسة، غير أنه بعد قليل يلاحظ الوجود الأمني الشديد في المسرح، الأمر الذي يدفعه لسؤال أحد العاملين ليعرف أن الشرطة قادمة بكل قوتها للقبض على السفاح المدعو “الجزار” الذي وصلتهم إخبارية مفادها أنه موجود في هذا الحفل.

صنع إم نايت شيامالان فخا لبطله، لكنه فخ واهي مثل خيوط العنكبوت (مواقع التواصل الإجتماعي)

لا يتوانى المخرج عن كشف حقيقة شخصيته الرئيسية، أو يترك المشاهد يحتار في هويتها، فهو يخبره في الإعلان التشويقي، ثم في الدقائق العشر الأولى من الفيلم، الأمر الذي يقتل إثارة التعرف على القاتل، ويتيح في الوقت ذاته للمشاهد متابعة طريقة تعامل الشخصية الرئيسية مع الخطر الذي تتعرض له، ومحاولتها الحثيثة للهرب من الفخ.

لا يقع البطل في العديد من الأخطاء خلال تملصه من موقفه الصعب، وذلك بالتحديد هو الخطأ الأكبر الذي يقع فيه المخرج نفسه، فهو يتيح لشخصيته الرئيسية كل السبل الآمنة للخروج من المسرح تحت أعين وآذان قوات الشرطة، بشكل مفرط في السذاجة، ربما أكثر سذاجة حتى من فرضية الفيلم التي تعتمد على نية قوات الشرطة في التحقق من هوية كل الرجال الحاضرين الحفل كل شخص على حدى.

فيلمان لا يشبهان بعضهما

صنع إم نايت شيامالان فخا لبطله، لكنه فخ واهي مثل خيوط العنكبوت، ولم يستغرق هرب البطل منه سوى ثلث وقت الفيلم، فوقع المخرج في الفخ الذي صنعه لنفسه، ولم يعد يعلم ماذا سيفعل بباقي وقت العمل؟

يمكن تقسيم الفيلم إلى نصفين متساويين، النصف الأول دارت أحداثه في المسرح خلال الحفل، وقد اتسم هذا الجزء ببعض التشويق مع تمثيل جيد من البطل خلال محاولاته الحثيثة للهرب بجلده من الفخ على الرغم من فجاجة الحلول السهلة، فإن الفيلم انقلب لمأساة على مستوى التمثيل والسيناريو في النصف الثاني من العمل بعد خروجه من المسرح مع ابنته والمغنية بحيلة افترض المخرج والمؤلف أنها في غاية الذكاء.

فقد الفيلم في الجزء الثاني إحكامه، ودخل في دائرة مفرغة من تضييق الخناق على القاتل، ثم هربه بسهولة، وإعادة الكرة مرات متعددة، بالإضافة إلى ذلك قدم الفيلم في هذا الجزء مونولوجات مطولة من الطبيبة النفسية المسؤولة عن عملية القبض على السفاح حول طبيعة هذه الشخصية السايكوباثية وتشخيصها لها وعلاقتها بأمها لا تليق سوى ببودكاست أو برنامج إذاعي.

لجأ الفيلم كذلك للمباشرة في الكشف عمن أوقع بالسفاح في النهاية وأبلغ عنه الشرطة، ليبدو الأمر كما لو أن المخرج نسي أحد أهم قواعد الفنون عامة والتي تتمثل في “أعرض، ولا تفصح” (Show, don’t tell) وحرم المشاهد من إعمال عقله خلال تلقي الفيلم.

بينما تمثلت الكارثة الثانية في الأداء التمثيلي، وقد تراجع أداء جون هارتنت نتيجة للسيناريو بالدرجة الأولى بالإضافة إلى تحول دور المغنية ليدي ريفين/ساليكا من صوت في خلفية القسم الأول من الفيلم إلى شخصية محورية تتحكم في أحداث القسم الثاني، بشكل لا يتناسب مع موهبة ابنة المخرج التمثيلية المتواضعة للغاية، ودفع الحبكة في تجاه مغاير تماما لما تم تأسيسه من قبل كرحلة للقبض على السفاح، وتحول إلى بطولة المغنية الشابة التي تنقذ عائلة السفاح والضحية الحبيسة بفضل ذكائها الشديد وسرعة بديهتها وشجاعتها.

يمكن ضم فيلم “فخ” إلى أعمال إم نايت شالامان المتواضعة السابقة، وقد حمل نفس عيوبها، وربما لتغيرت مسيرة المخرج للأفضل إن توقف عن كتابة أفلامه ولجأ إلى محترفين لا يغرقون أفلامه بالالتواءات الساذجة والمباشرة الشديدة والقصص المتوقع نهايتها منذ البداية.

شاركها.
Exit mobile version