ضجت الصحافة البريطانية اليوم الأربعاء بواحدة من أخطر الفضائح الأمنية في تاريخ الحكومة البريطانية الحديث بعد الكشف عن تسريب بريطاني للبيانات عرّض حياة نحو 100 ألف أفغاني للخطر، واستدعى عملية إجلاء سرية واسعة النطاق من قبل الحكومة البريطانية.
وقالت صحيفة تايمز في تقريرها إن مسؤولا دفاعيا سرب في 2022 عن طريق الخطأ قائمة ملفات المتقدمين لبرنامج توطين الأفغان الذين عملوا سابقا مع القوات البريطانية بعد صعود الحكومة التي تقودها حركة طالبان الحالية.
وتضمنت القائمة بيانات شخصية لـ33 ألف شخص، أغلبهم خدموا مع القوات البريطانية في أفغانستان، بينما كان آخرون مجرد متقدمين لبرامج اللجوء، وقدّرت وزارة الدفاع عدد المعرضين للخطر نتيجة التسريب بما يصل إلى 100 ألف شخص، يشملون مقدمي الطلبات وأسرهم، حسب التقرير.
وفي خطوة لم تتخذها أي حكومة بريطانية سابقة، طلب وزير الدفاع البريطاني الأسبق بن والاس من المحكمة العليا أمر حظر نشر عالمي (ضد العالم بأسره) قبل أيام من استقالته.
ولم يمنع الحظر الإعلام من الحديث عن الواقعة وحسب، بل جعل ذكر وجود الأمر القضائي نفسه جريمة، وأكدت تايمز أن الحظر كان الأطول من نوعه تاريخيا.
ورفعت المحكمة العليا البريطانية الأمر أمس الثلاثاء بعد حرب قانونية قادتها تايمز لسنتين، أدت إلى مراجعة مستقلة خلصت إلى أن الخطر الحالي على حياة المتعاونين الأفغان أقل مما كان يُخشى في السابق.
إجراءات غير مسبوقة
وحسب تايمز، لم تكتشف الحكومة التسريب حتى أغسطس/آب 2023، وأطلقت عقب ذلك بسرعة عملية سرية باسم “روبيفيك” لاحتوائه وتعقّب من حصل على البيانات ومنع انتشارها إعلاميا.
وأضافت صحيفة غارديان أن من اكتشف التسريب “ناشطة أفغانية” كانت تساعد الأفغان الذين عملوا مع القوات البريطانية، ونبهها أحد معارفها بأن عضوا مجهولا في مجموعة على فيسبوك قال إن بحوزته قاعدة بيانات سرية وهدد بنشرها كاملة، فاتصلت الناشطة على الفور بوزارة الدفاع.
وأثار التسريب مخاوف بإعطاء طالبان “قائمة قتل” بكل من ساعد البريطانيين، واحتوت البيانات على أسماء وهواتف وعناوين بريد المتعاونين بجانب عناوين بريد مسؤولين من وزارة الدفاع البريطانية.
ووفق تايمز، خصصت الحكومة ما يصل إلى 7 مليارات جنيه إسترليني (9.1 مليارات دولار) في السنة ذاتها لعملية سرية أخرى باسم “مسار الاستجابة الأفغاني” لإجلاء أكثر من 25 ألف أفغاني، وجدت أنهم الأكثر عرضة للخطر.
تكتم سياسي وقانوني
وبدورها، أكدت فايننشال تايمز أن ما حدث تجاوز كونه حادثة تسريب معلومات، وأسفر عن بناء نظام سري متكامل أتاح للحكومة اتخاذ قرارات مصيرية بعيدا عن أي رقابة برلمانية أو إعلامية، مع إخفاء التكاليف والأبعاد الأخلاقية والسياسية.
ولمنع النواب من كشف التسريب، تم إخطار رؤساء مجلس العموم واللوردات بالأمر القضائي حتى يتمكنوا من منع طرح أسئلة برلمانية حساسة حول برنامج إعادة توطين الأفغان، حسب التقرير.
ورفض خليفة والاس، غرانت شابس، إبلاغ المعارضة العمالية أو لجنتي الدفاع والاستخبارات في البرلمان بالمسألة، رغم توصيات رسمية بضرورة إبلاغهم.
كما لم تظهر بيانات وزارة الداخلية أعداد الوافدين تحت الخطة السرية ضمن الإحصاءات الرسمية للهجرة لعامي 2023 و2024، حسب التقرير.
وكانت نقطة التحول الشهر الماضي عندما خلصت مراجعة مستقلة أجراها بول ريمر (مسؤول استخبارات سابق) -بتكليف من وزير الدفاع هيلي- إلى أن الخطر على الأفغان أقل بكثير مما ادُعي، وأن حركة طالبان قد لا تحتاج أصلا لهذه البيانات نظرا لما تمتلكه من مصادر أخرى.
المتضررون
وذكر تقرير تايمز أن الحكومة أسكنت من تم إجلاؤهم حتى الآن (18 ألفا و500 أفغاني) في فنادق أو قواعد عسكرية.
ومع إلغاء الخطة، تعهدت الحكومة باستقبال 5400 فرد حصلوا على دعوات مسبقة، ليصل العدد الإجمالي لمن تم إجلاؤهم 23 ألفا و900 شخص فقط.
ووفق تايمز، فإن وزارة الدفاع لم تُبلغ الغالبية العظمى من المتضررين بخطورة التسريب، مما أثار انتقادات واسعة من نواب ومؤسسات حقوقية.
وذكر التقرير أنه يجري الإعداد لدعوى قضائية تشمل حوالي ألف شخص من المتضررين في جميع أنحاء العالم ضد الحكومة، ومن المتوقع أن تبلغ تكلفتها 250 مليون جنيه إسترليني (325 مليون دولار) على الأقل.
كما ذكر التقرير أن بعض الأسماء الواردة في القوائم قد تم تداولها مقابل مبالغ مالية، وأن هناك مزاعم غير مؤكدة تفيد بأن طالبان بدأت فعلا باستهداف بعض الأفراد.

ووفق تقرير غارديان، أظهرت أرقام وزارة الدفاع التي نُشرت يوم الثلاثاء أن إجمالي عدد الأفغان المشمولين في خطط التوطين المختلفة، سواء ممن وصلوا بالفعل إلى المملكة المتحدة أو ما زالوا في انتظار السفر، 56 ألفا و100 شخص.
وتبلغ التكلفة الإجمالية المقدرة لـ3 برامج مختلفة لإعادة توطين الأفغان (منها الخطة السرية) من 5.5 مليارات جنيه إسترليني (7.15 مليارات دولار) إلى 6 مليارات جنيه إسترليني (7.8 مليارات دولار)، وهو أقل من التقديرات السابقة.
ومن المتوقع أن يكلف مخطط إعادة التوطين السري الذي تم إنشاؤه خصيصا استجابة للتسريب 850 مليون جنيه إسترليني (1.1 مليار دولار).
“خيانة”
وقالت الكاتبة البريطانية المتخصصة بحقوق الإنسان ديان تايلور إن ما حدث يُعد خيانة جديدة للأفغان الذين تعاونوا مع القوات البريطانية، خاصة أن كثيرين منهم لا يعرفون حتى الآن ما إذا كانوا من المتضررين.
وأضافت، في مقال نشرته غارديان، أن مراجعة ريمر لخطر التسريبات لن تطمئن الآلاف من الأفغان الذين باتوا في مواجهة الخطر، خصوصا أن أكثر من 24 ألفا تم إحضارهم إلى المملكة المتحدة أو سيأتون لاحقا دون علمهم التام بحقيقة ما تعرضوا له.
وفي انتقاد مشابه، نقلت تايمز قول تان ديسي، رئيس لجنة الدفاع في حزب العمال البريطاني، لراديو تايمز إنه “من المخزي أن هؤلاء الأفغان الذين دعموا جيشنا بشجاعة أصبحوا الآن في خطر وقد يتعرضون لأعمال انتقامية أو اتهامات”.
وعبرت تايلور عن قلقها من أن الكثيرين ممن وردت أسماؤهم في قاعدة البيانات لا يزالون عالقين داخل أفغانستان أو في أوضاع غير مستقرة بدول الجوار مثل باكستان وإيران، حيث جرى ترحيل بعضهم قسريا إلى وطنهم، ليواجهوا خطر الاغتيال أو الانتقام من طالبان، وفق مقال الكاتبة.
ولفتت إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تُسرّب فيها بيانات حساسة لأفغان عملوا مع القوات الأجنبية، مؤكدة أن المشكلة أكبر من مجرد تسريب، بل هي نتاج انسحاب فوضوي من أفغانستان ترك من تعاونوا مع الغرب عرضة للخطر.
وذكرت أن آلاف الأفغان لا يزالون يسلكون طرقا غير نظامية إلى المملكة المتحدة لأن كل سبل الوصول القانونية أُغلقت، واصفة ما حدث بأنه “خيانة أخرى” بحق من خدموا الغرب لسنوات.