تراجعت أسواق الأسهم الأميركية بشكل حاد يوم الاثنين وسط مخاوف متزايدة من أن سياسات التعريفات الجمركية التي يتبعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد تدفع أكبر اقتصاد في العالم نحو الركود.

وبعد سنوات من النمو القوي، بدأت حالة التفوق الاقتصادي الأميركي تتعرض للتساؤلات.

خسائر فادحة في الأسواق

وأدى القلق من حدوث تباطؤ اقتصادي إلى عمليات بيع واسعة في سوق الأسهم، ما أدى إلى محو 1.7 تريليون دولار من مؤشر “إس آند بي 500″، الذي يُعد المؤشر الأهم للأسواق العالمية. وتراجع المؤشر بنسبة 2.7%، ليصل إلى انخفاض بنسبة 9% عن أعلى مستوى له في 19 فبراير/شباط الماضي.

كما شهد مؤشر ناسداك 100، الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا، أسوأ يوم له منذ عام 2022، حيث فقد أكثر من تريليون دولار من قيمته، مع تراجع أسهم “السبعة العظماء”، وهي: ألفابيت (غوغل)، وأمازون، وآبل، ومايكروسوفت، وميتا، وإنفيديا، وتسلا.

“إس آند بي 500” خسر 1.7 تريليون دولار وناسداك 100 يسجل أسوأ يوم منذ 2022 مع تراجع أسهم التكنولوجيا الكبرى (رويترز)

ما الذي أدى إلى هذا التراجع الحاد؟

يأتي هذا الانهيار في الأسواق وسط حالة من القلق بسبب التصريحات المتضاربة لترامب بشأن التعريفات الجمركية، ما أدى إلى فقدان المستثمرين الثقة في استقرار السياسات التجارية الأميركية.

ففي الأسبوع الماضي، أعلن ترامب فرض تعريفة جمركية بنسبة 25% على الواردات من المكسيك وكندا، كما ضاعف الرسوم على السلع الصينية إلى 20%. لكنه سرعان ما تراجع جزئيًا، معلنًا بعد يومين تأجيل بعض زيادات الرسوم المكسيكية والكندية حتى 2 أبريل/نيسان.

كما هدد ترامب بفرض نظام عالمي من التعريفات المتبادلة، بحيث تخضع كل دولة لنفس الرسوم التي تفرضها على المنتجات الأميركية، وذلك بدءًا من 2 أبريل/نيسان. ومن المقرر أن تدخل رسوم 25% على واردات الصلب والألمنيوم حيز التنفيذ يوم الأربعاء.

التضخم والضغوط على المستهلكين

يرى محللون أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى زيادة التضخم، حيث ستنتقل التكاليف الإضافية إلى المستهلكين الأميركيين، ما قد يحدّ من النمو الاقتصادي ويرفع معدلات البطالة.

وفي الوقت نفسه، تسببت التخفيضات المستمرة في الإنفاق العام والتوترات الجيوسياسية في تفاقم حالة عدم الاستقرار الاقتصادي. وفي مقابلة مع “سي إن بي سي”، وصف هولغر شميدنغ، كبير الاقتصاديين في بنك بيرنبرغ، ترامب بأنه “عامل فوضى وارتباك”.

أما بيتر توكمان، أحد متداولي البورصة، فقال في مقطع فيديو نشره على منصة إكس: “ما يصدر عن المكتب البيضاوي هو مجرد قرارات غير حاسمة ورسائل متضاربة، الأمر الذي أفقد المستثمرين الثقة”.

إجراءات ترامب قد تؤدي إلى زيادة التضخم حيث ستنتقل التكاليف الإضافية إلى المستهلكين الأميركيين (الفرنسية)

ترامب يدافع عن سياساته

وفي مقابلة مع فوكس نيوز يوم الأحد، قال ترامب إن المخاطر الاقتصادية المحتملة تستحق العناء في سبيل “إحداث تحول اقتصادي كبير”.

وأضاف: “نحن نعيد الثروة إلى أميركا، وهذا أمر مهم… قد يستغرق الأمر بعض الوقت، لكنني أعتقد أنه سيكون رائعًا لنا”.

وعند سؤاله عن تأثير التعريفات على التضخم، قال: “قد يحدث ذلك، لكن في المقابل، انخفضت أسعار الفائدة”.

ردود فعل البيت الأبيض

ورغم حالة الذعر التي اجتاحت وول ستريت، حاول البيت الأبيض الحفاظ على موقف متفائل، مشيرًا إلى تعهدات استثمارية ضخمة من قبل قادة الشركات الكبرى.

وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، كوش ديزاي، يوم الاثنين إن الرؤساء التنفيذيين استجابوا لأجندة “أميركا أولاً” عبر تقديم تعهدات استثمارية بمليارات الدولارات، مؤكدًا أن هذه الاستثمارات “ستخلق آلاف الوظائف الجديدة”.

من جانبه، قلل كيفن هاسيت، رئيس المجلس الاقتصادي الوطني، من أهمية تذبذب الأسواق، ووصفه بأنه مجرد “تقلبات بسيطة في البيانات”.

أما هوارد لوتنيك، وزير التجارة، فقال في مقابلة مع “إن بي سي”: “لن يكون هناك ركود في أميركا… خلال العامين المقبلين، سنشهد أقوى فترة نمو اقتصادي”.

البيت الأبيض حاول الحفاظ على موقف متفائل، مشيرًا إلى تعهدات استثمارية ضخمة من قبل قادة الشركات الكبرى (الفرنسية)

التأثير العالمي

وامتدت موجة التراجع في الأسواق الأميركية إلى الأسواق العالمية، حيث تراجعت الأسهم الآسيوية بشكل حاد يوم الثلاثاء، متأثرة بالانخفاضات في وول ستريت.

ففي اليابان، هبط مؤشر نيكاي بنسبة 3%، ليصل إلى أدنى مستوى له منذ سبتمبر/أيلول. كما انخفض مؤشر هانغ سنغ في هونغ كونغ بنسبة 0.8%، بينما سجلت الأسهم الصينية انخفاضًا بنسبة 0.5%. أما في أستراليا، فقد تراجع المؤشر الرئيسي بنسبة 0.8%.

اللجوء إلى الملاذات الآمنة

ومع تصاعد المخاوف الاقتصادية، اتجه المستثمرون إلى أصول الملاذ الآمن، حيث ارتفع الين الياباني إلى 147.07 مقابل الدولار، وهو أعلى مستوى له في 5 أشهر، كما تعزز الفرنك السويسري.

وواصل الذهب صعوده، ليصل إلى 2895.75 دولارا للأوقية، مقتربًا من أعلى مستوى له على الإطلاق. وارتفع الذهب بنسبة 10% في 2025، بعد ارتفاعه 27% في العام الماضي.

وفي المقابل، انخفضت أسعار النفط لليوم الثاني على التوالي، حيث تراجعت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 0.65% إلى 68.83 دولارًا للبرميل.

الذهب يواصل صعوده ليصل إلى 2895.75 دولارا للأوقية مقتربًا من أعلى مستوى له على الإطلاق (شترستوك)

هل نحن على أعتاب ركود؟

وعلى عكس ولايته الأولى، حيث كان ترامب يتراجع عن بعض سياساته عندما تتعرض الأسواق للاضطرابات، يبدو أنه هذه المرة مصمم على المضي قدمًا في سياسات الحماية التجارية.

وخفض محللو سيتي غروب توصيتهم للأسهم الأميركية إلى “محايدة” بعد أن كانت “متفوقة”، مشيرين إلى أن الاقتصاد الأميركي قد لا يواصل تفوقه على بقية العالم في الأشهر المقبلة.

كما رفع غولدمان ساكس احتمال حدوث ركود في غضون الـ12 شهرًا المقبلة من 15% إلى 20%، بينما رفع “جي بي مورغان تشيس” النسبة من 30% إلى 40%، مستشهدة بـ”السياسات الأميركية المتطرفة”.

في الوقت ذاته، انخفض العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين بنسبة 0.05% يوم الاثنين، ليصل إلى أدنى مستوى في 5 أشهر، مما يعزز التوقعات بأن الاحتياطي الفدرالي قد يضطر إلى خفض أسعار الفائدة.

حاليًا، يبلغ سعر الفائدة القياسي للاحتياطي الفدرالي حوالي 4.3%، وهو مستوى مرتفع مقارنة بالمعايير التاريخية الحديثة.

ويرى المحللون أن الأسواق “استوعبت الرسالة” بأن إدارة ترامب مصممة على تنفيذ خططها دون تردد، ما قد يجعل الركود احتمالًا لا مفر منه.

شاركها.
Exit mobile version