قال الأكاديمي الأميركي والباحث في الصراع العربي الإسرائيلي نورمان فينكلشتاين إن معركته ضد سردية إسرائيل نابعة من التزامه بقيم العدالة والحقيقة، وليست مرتبطة بهويته اليهودية.

وفي حوار مع برنامج “المقابلة” على شبكة الجزيرة 360، كشف فينكلشتاين عن رحلته الفكرية والنضالية التي امتدت لـ4 عقود، متحديا السردية الصهيونية وكاشفا زيف الدعاية الإسرائيلية.

ونشأ فينكلشتاين في كنف عائلة يهودية نجت من المحرقة النازية، لكنه اختار طريقا وعرا دفع ثمنه على الصعيدين المهني والشخصي، ويقول: “هناك ما يثير شهيتي مثل الشوكولاتة التي من الصعب عليّ مقاومتها.. لكن السلطة والمال والامتياز والشهرة والثروة لم تثر اهتمامي مطلقا”.

وتحدث فينكلشتاين عن تأثير والديه في تشكيل وعيه السياسي، خاصة والدته التي شهدت أهوال الحرب العالمية الثانية والمحرقة النازية، مؤكدا أنها كانت دائما إلى جانب المضطهدين، بغض النظر عن خلفيتهم العرقية أو الدينية.

وتركزت أولى اهتمامات الأكاديمي الأميركي على القضايا الدولية، مثل حرب فيتنام وحركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، وهي التجارب التي أثرت على شخصيته وشكلت نظرته إلى العدالة.

بداية الرحلة

بدأت رحلة فينكلشتاين مع القضية الفلسطينية في الخامس من يونيو/حزيران 1982، عندما غزت إسرائيل لبنان، ويستذكر خلال حديثه تلك اللحظة الفارقة التي تركت أثرا عميقا في مسيرته الفكرية والنضالية.

ويضيف: “معظم الناس لا يتذكرون أنه حتى تاريخ السابع من أكتوبر/تشرين الأول (في إشارة لعملية طوفان الأقصى) وكل ما جاء بعد ذلك، فإن أكبر عملية قتل قامت بها إسرائيل للفلسطينيين واللبنانيين كانت غزو لبنان”، لافتا إلى أن التقديرات تتراوح ما بين 15 و20 ألف لبناني وفلسطيني، معظمهم من المدنيين، قتلوا في تلك الحرب.

وأشار فينكلشتاين إلى أن كثيرين مثله أصيبوا بخيبة أمل من إسرائيل عقب هذه الحرب، وبالنسبة إليه، كانت تلك الحرب بداية انفصاله العاطفي عن الدولة اليهودية، إذ رأى أن إسرائيل لم تعد تمثل قيمه أو قضايا العدالة التي كان يؤمن بها.

خاض فينكلشتاين معارك ثقافية عديدة ضد السردية الصهيونية، كان أبرزها تفنيده كتاب “من زمن سحيق” لجوان بيترز، الذي حاول الترويج لفكرة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.

ويروي فينكلشتاين كيف قضى ليالي طويلة في المكتبة، يدقق في الأرقام والدراسات الديمغرافية، حتى اكتشف زيف الادعاءات الواردة في الكتاب، ويقول: “في إحدى الليالي، اكتشفت فجأة أن الدراسة الديمغرافية في الكتاب كانت ملفقة؛ لا يمكن أن أصف لك شعوري، جسدي كله كان يرتجف”.

معارك ثقافية

هذا الاكتشاف فتح أمام فينكلشتاين بابا جديدا، إذ تلقى اتصالا من المفكر الأميركي نعوم تشومسكي، الذي اعتبر ما فعله بمنزلة “دك أركان المشهد الثقافي الأميركي”، ونصحه بمواصلة البحث في المزيد من الأكاذيب التي تضمنها الكتاب ودحضها.

لم تقتصر معارك فينكلشتاين على تفنيد الروايات الصهيونية، بل امتدت لتشمل نقدا لاذعا لاستغلال ذكرى المحرقة النازية، لكنه أوضح أن كتابه “صناعة الهولوكوست” المتعلق بهذه القضية لم يشكك في المحرقة النازية، لكنه اهتم بكيفية استخدام المحرقة واستغلالها كأداة سياسية.

ويقول فينكلشتاين إنه رغم أن الهولوكوست كان حدثا مروعا، فإنه تحول فيما بعد إلى “أداة ابتزاز رخيصة” استخدمتها إسرائيل واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة للضغط على أوروبا والحصول على تعويضات مالية وسياسية.

ويشير فينكلشتاين إلى أن الهولوكوست فقد قيمته الأخلاقية بوصفه حدثا تاريخيا، وأصبح يُستخدم فقط لتحقيق مصالح سياسية ضيقة، وهذا الاستخدام المبتذل للهولوكوست هو ما جعله يعارض بشدة السياسات الإسرائيلية التي تستخدم ذكرى المحرقة لتبرير قمع الفلسطينيين.

ويضيف موضحا أن “الادعاء كان بسيطا جدا، وهو أنه لا أحد في تاريخ البشرية عانى مثل ما عانى اليهود، وإذا لم يعانوا مثل ما عانى اليهود فلا يمكنك محاسبة اليهود بمعايير الآخرين نفسها لأن معاناتهم كانت فريدة”.

ثمن باهظ

تأثرت مسيرة فينكلشتاين الأكاديمية بشكل كبير بسبب مواقفه الصريحة ضد إسرائيل والصهيونية، ففي حين كانت له مسيرة ناجحة بصفته أستاذا جامعيا في جامعة ديبول، انتهى به الأمر بفقدان وظيفته الأكاديمية، إذ تم فصله من الجامعة بسبب مواقفه الحادة.

ورغم الثمن الباهظ الذي دفعه فينكلشتاين من فقدان فرص العمل والتعرض لحملات تشويه، فإنه يصر على مواصلة نضاله، ويقول: “أعتقد أنني قمت بما كنت ملزما أخلاقيا بفعله، وفعلت ما أردت أن أفعله في حياتي. حياتي هي شهادة على ما فعل في عائلتي، ولن أفعل شيئا يخون ذكر ما حدث معهم أبدا”.

ويصر فينكلشتاين على أنه لم يندم على ما فعله، فبالنسبة إليه، كانت هذه المعركة ضرورية، لأنها ليست مجرد معركة فكرية، بل هي صراع حقيقي من أجل العدالة.

ويكشف فينكلشتاين -في المقابلة- عن كتاب جديد يعمل عليه حول الفساد في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، إذ يعتقد أن عديدا من المسؤولين في هذه المؤسسات يتعرضون للابتزاز أو يتلقون الرشاوى من إسرائيل.

ويشير الأكاديمي اليهودي إلى أن نضاله سيستمر مدفوعا بإيمانه بقضية العدالة والحقيقة، ويقول في هذا السياق: “هناك كثير من الناس في أنحاء العالم الآن، خصوصا المسلمين والعرب، الذين وضعوا أملهم بي، لذلك فإنها مسؤولية أكبر بكثير بالنسبة لي من أي وقت مضى”.

شاركها.
Exit mobile version