في خطوة سياسية استثنائية، قرر الرئيس الأميركي ترامب عقب توليه الرئاسة في 20 يناير/ كانون الثاني 2025 دخول تجميد المساعدات الخارجية الأميركية حيز التنفيذ لمدة 90 يومًا، ما أوقف فجأة تدفق المساعدات التي تمثل 38% من إجمالي المنح العالمية وفقًا للأمم المتحدة.

في الوقت الذي تعد فيه المساعدات الأميركية حيوية في تمويل العديد من المبادرات في أفريقيا، بدءًا من التدريبات العسكرية والتعليم والإمداد بالكهرباء والمياه النظيفة، وصولًا إلى دعم المشاريع الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز التعليم والرعاية الصحية، ومساعدة الحكومات في تحسين البنية التحتية.

يأتي قرار تجميد المساعدات في وقت حساس للغاية؛ حيث تحاول معظم الدول الأفريقية تقوية سيادتها الاقتصادية من خلال تنويع الشراكات، وكسب الثقة الأميركية من خلال مساعداتها المتنوعة.

تتناول المقالة تداعيات القرار على التأثير التنموي طويل الأجل في أفريقيا، وكيف يمكن أن تؤثّر سلبًا في مكافحة الإرهاب وتبعاتها الاقتصادية.

وقد يعكس القرار ربما تقليص النفوذ السياسي الأميركي في القارة، ويصبح خطوة مشجعة للقيادة الأفريقية على الاعتماد الذاتيّ، وتحسين سياسات “السيادة الوطنية”، وإصلاح الأنظمة الاقتصادية، كما يحمل قرار التجميد في طياته دلالات متعددة، ويترتب عليه تداعيات واسعة، سواء على المستوى المحلي في الدول الأفريقية، أو على الصعيدين: الإقليمي والدولي.

فيما يلي تحليل لأبرز الأسباب المحتملة لهذا الإجراء وآثاره وتداعياته:

تجميد المساعدات الأميركية في أفريقيا ودلالاته السياسية

تعرف المساعدات الأميركية في أفريقيا بجانب من الدعم المالي والفني الذي تقدمه الحكومة الأميركية للبلدان الأفريقية؛ بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحسين الظروف المعيشية، وتعزيز الاستقرار السياسي، وتشمل أنواع المساعدات الأميركية المساعدات الاقتصادية كالمنح والقروض، والمساعدات الإنسانية كالدعم في حالات الطوارئ، مثل الكوارث الطبيعية أو الأوبئة والرعاية الصحية، والمساعدات العسكرية كدعم الأمن والاستقرار من خلال تدريب القوات المسلحة وتوفير المعدات، والمساعدات التنموية في مجال التعليم والبنية التحتية وغيرها.

وقد قررت الولايات المتحدة تجميد مساعداتها للدول الأفريقية لمدة ثلاثة أشهر، وتقييد القرار بوقت معلوم يشير إلى عزمها على تنفيذ خطوات إستراتيجية غير مباشرة لحماية مصالحها الكبرى في أفريقيا بعد أن أدركت النفوذ الاقتصادي لمنافسيها في المنطقة كالصين وروسيا، وتشير الدلالات السياسية بوجود أسباب لهذا التجميد أهمها:

اعتبارات سياسية وأمنية

قد يكون القرار ردًّا على سياسات حكومات أفريقية تتعارض مع المصالح الأميركية، كتوسّع (كونفدرالية دول الساحل) في شراكاتها مع روسيا، والتي بدورها تسعى إلى تحقيق المصالح الروسية في غرب أفريقيا، بالإضافة إلى تدهور الديمقراطية والشؤون الأمنية في المنطقة.

تغيير أولويات السياسة الخارجية الأميركية

بالنظر إلى التنافس الحيوي بين أميركا والصين في أفريقيا، قد يؤدّي ذلك إلى رغبة الولايات المتحدة في التحوّل من “المساعدات الإنسانية” إلى “الاستثمارات الاقتصادية”، ويأتي قرار التجميد من أجل إعادة صياغة اتفاقيات التعاون الاقتصادي مع الدول الأفريقية بما يخدم مصلحتها في الانقضاض على المصالح الصينية والروسية في أفريقيا.

تقديم أولويات الإنفاق المحلي

تحاول القيادة الأميركية الجديدة استجابة للضغوط الداخلية، وضع سياسة أولويات الإنفاق المحلي، مقابل المساعدات الخارجية في مجال الصحة والتعليم.

تداعيات قرار تجميد المساعدات الأميركية على الدول الأفريقية

تجدر الإشارة إلى أن المساعدات الأميركية لأفريقيا ليست عملًا خيريًا محضًا، بل مزيجًا من الحسابات الإنسانية والمصالح الإستراتيجية، في حين تُساهم في تخفيف معاناة ملايين الأفارقة، إلا أنها تخدم أيضًا أهدافًا جيوسياسية واقتصادية للولايات المتحدة الأميركية، خاصة في ظل تحوّل أفريقيا إلى ساحة تنافس عالمية، وهناك دعوات لرفض المساعدات واعتماد إستراتيجيات تنموية محلية، كما تؤكد على ذلك الكاتبة دامبيسا موبو، حيث تُشدد على أن المساعدات تعزز التبعية والفساد وتقوض النمو الاقتصادي المستدام في أفريقيا.

ويترتب على قرار التجميد تداعيات واسعة، سواء على المستوى المحلي في الدول الأفريقية، أو على الصعيدين: الإقليمي والدولي، كما تواجه بعض الدول الأفريقية معاناة شديدة إزاء القرار كالسودان والكونغو الديمقراطية، وقد يؤثّر ذلك سلبًا في العلاقات الثنائية بين الدول الأفريقية والقيادة الأميركية، كما في حالةِ جنوب أفريقيا التي بدأت تنادي بتعليق تصدير المعادن إلى الولايات المتحدة ردًا على قرار واشنطن، وقفَ تمويله، وفيما يلي أهم تداعيات القرار على الدول الأفريقية:

تداعيات على القطاع الصحي

ستتأثر العديد من الدول الأفريقية بقرار تجميد المساعدات الأميركية من خلال تراجع قدرتها على مواجهة الأوبئة، كما ستجد عجزًا في تغطية برامج مكافحة الأمراض التي كانت تمولها المبادرات الأميركية من خلال خطة الرئيس الأميركي الطارئة للإغاثة من الإيدز، حيث استثمرت الولايات المتحدة أكثر من 110 مليارات دولار في الاستجابة العالمية لفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، مما أدى إلى إنقاذ حياة أكثر من 25 مليونًا، ومنع ملايين الإصابات بالفيروس.

تداعيات على الأزمات الإنسانية

وقف المساعدات الإنسانية الأميركية التي تتعلق بدعم اللاجئين والنازحين سوف يسبب تفاقمًا في النزوح، وخاصة في الدول التي تعاني من النزاعات كالكونغو الديمقراطية، أو كوارث مناخية، مثل الصومال وجنوب السودان.

تداعيات على التنمية الاقتصادية

سيكون من تداعيات القرار التأثير على التنمية الاقتصادية من خلال تباطؤ مشاريع البنية التحتية، الأمر الذي يؤدي إلى تبعات اقتصادية سيئة، وقد كشف رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قام بتعليق التمويل الأميركي الذي يتعلق بالمساعدات الإنمائية الرسمية بشأن برنامج الكهرباء لدولة السنغال لمدة ثلاث سنوات التي كان من المحتمل الاستفادة منها بقيمة 316 مليار فرنك سيفا.

تداعيات على الأمن الإقليمي

سيؤدي هذا القرار إلى إضعاف برامج مكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي التي تدعمها الولايات المتحدة عبر تدريب القوات أو توفير معدات.

على الصعيدين: الإقليمي والدولي، فإن إيقاف الولايات المتحدة الأميركية مساعداتها في أفريقيا يستدعي القوى الكبرى كالصين وروسيا لاحتواء الفراغ من خلال تعزيز النفوذ الصيني عبر المشاريع التنموية المختلفة، وتوسيع الدور الروسي العسكري والأمني في دول مثل مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى.

وهذا الأمر سيكون له تداعيات سلبية على القارة، حيث سيؤدّي إلى زيادة الهشاشة السياسية من خلال تصاعد الاحتجاجات في دول تعتمد على المساعدات الأميركية؛ لتمويل الخدمات الأساسية، في ظلّ طغيان التحديات على الفرص البديلة دون وجود بدائل فورية.

من جانب آخر، قرار تجميد المساعدات ربما يقلص النفوذ السياسي الأميركي في القارة، ويؤثر في سمعة الولايات المتحدة من خلال انتقادات المنظمات الدولية والمجتمع المدني الأفريقي، مما يغذي تآكل الثقة في الشراكة الأميركية- الأفريقية، وتصبح خطوة مشجعة للقيادة الأفريقية على الاعتماد الذاتيّ، وتحسين سياسات “السيادة الوطنية”، وإصلاح الأنظمة، ومع ذلك فإن الولايات المتحدة قد تعيد توجيه المساعدات بعد 90 يومًا عبر قنوات غير حكومية (كالجمعيات الخيرية) لتجنب الانتقادات ومواصلة دورها في التأثير العالمي.

الخلاصة

تجميد المساعدات الأميركية ليس مقتصرًا على الدول الأفريقية فقط، مما يشير إلى كونه أداة سياسية تعكس تحولات في الإستراتيجية العالمية للولايات المتحدة.

في المقابل، قد يدفع هذا الإجراء الدول الأفريقية إلى مراجعة نموذج اعتمادها على المساعدات الخارجية، والسعي نحو تعبئة الموارد المحلية أو بناء شراكات أكثر تنوعًا، نظرًا للتداعيات السلبية التي يمكن أن يسببها هذا القرار في قطاعات الصحة والتعليم والقضايا الإنسانية، وفي شؤون الهجرة وتغير المناخ وغيرها.

وعلى الدول الأفريقية السعي الحثيث للبحث عن بدائل عبر تعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي، أو دول الخليج في الشرق الأوسط بما يسهم في تجسيد “السيادة الوطنية”، الأمر الذي يستدعي الإصلاح العاجل للأنظمة السياسية والاقتصادية لجذب الاستثمارات بدل الاعتماد على المساعدات الخارجية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

شاركها.
Exit mobile version