في تصعيد غير مسبوق في العلاقات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، دعت حكومة هولندا إلى مراجعة شاملة لاتفاق الشراكة (الاتفاق الأورو-إسرائيلي)، الذي يُعدّ الإطار القانوني والتجاري الأساسي للعلاقات بين الجانبين.

وجاءت هذه الدعوة، وفقًا لما أوردته صحيفة كالكاليست الإسرائيلية، ردًا على ما وصفته هولندا بـ”الانتهاك الجسيم للقانون الدولي الإنساني” بسبب منع دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

وذكرت الصحيفة في تقرير بعنوان “العلاقات بين إسرائيل وأوروبا على وشك زلزال محتمل”، أن الخطوة الهولندية تشكّل تحولًا فارقا في النبرة الأوروبية، وتكشف عن تصدّع متزايد في الثقة السياسية مع تل أبيب، في وقت تتزايد فيه الدعوات لإعادة النظر باتفاق الشراكة الذي يحكم العلاقات المؤسسية بين الجانبين منذ أكثر من عقدين.

بند حقوق الإنسان يعيد الاتفاق لطاولة النقاش

ويرتكز الاعتراض الهولندي على البند الثاني من الاتفاق، الموقع بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي في 1995 (والنافذ منذ 2000)، والذي يُلزم الطرفين باحترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية كأساس للتعاون. ووفق وزير الخارجية الهولندي، فإن إسرائيل خرقت هذا البند بشكل صارخ.

اتفاق الشراكة الأوروإسرائيلي يشكّل الإطار القانوني الأوسع للعلاقات بين الجانبين (الأوروبية)

ورغم اعتبار هولندا حليفًا تقليديا لإسرائيل داخل الاتحاد، فإنها أعلنت رفضها تمديد برنامج العمل المشترك ما لم تُجرَ مراجعة رسمية للاتفاق.

وتقرر أن يُعرض المقترح الهولندي للنقاش في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المقرر عقده يوم 20 مايو/أيار الجاري في بروكسل.

دعم أوروبي متزايد ومعارضة محدودة

ولاقت المبادرة الهولندية دعمًا فوريا من عدة دول أوروبية مؤثرة، بينها فرنسا وإسبانيا وأيرلندا والبرتغال، بل انضمت إليها مؤخرًا السويد، مما يُشير إلى تحوّل في المزاج الأوروبي تجاه إسرائيل.

في المقابل، عبّرت كل من ألمانيا والنمسا والمجر عن معارضة شديدة، ووصفت الخطوة بأنها قد تضر بعلاقة الاتحاد مع “شريك مركزي”.

ورغم هذا الانقسام، تشير التقديرات -بحسب كالكاليست- إلى أن فتح مسار مراجعة الاتفاق لا يحتاج إلى إجماع، بل إلى غالبية بسيطة، مما يجعل من الصعب على إسرائيل الاعتماد على دول المعارضة لعرقلة القرار.

ما وراء الاقتصاد.. اتفاق الشراكة حجر الزاوية في العلاقة

وتؤكد الصحيفة أن الاتفاق لا يقتصر على التبادل التجاري، بل يشمل مجالات إستراتيجية مثل البحث العلمي والتعليم والزراعة والنقل والأمن والثقافة، ويمنح إسرائيل وصولًا تفضيليا إلى السوق الأوروبية.

وقد استُخدم الاتفاق عبر السنوات كمنصة لتوسيع التعاون، لكنه كان كذلك أداة ضغط سياسي خلال الأزمات مع الفلسطينيين، لا سيما في سياق الحروب على قطاع غزة.

وبعكس حالات سابقة اكتفت فيها دول أوروبية بتصريحات سياسية، فإن المبادرة الهولندية تمثل أول تحرك رسمي داخل مؤسسات الاتحاد لمراجعة العلاقة.

ويصف التقرير هذه الخطوة بأنها “تحول مؤسساتي واضح في موقف أوروبا من إسرائيل حتى من قبل حلفاء تقليديين”.

ويحذّر التقرير من أن تجميد الاتفاق أو تعديله سيؤثر على قدرة إسرائيل على الحفاظ على اندماجها ضمن الفضاء الأوروبي، ليس فقط اقتصاديًا، بل كمصدر للشرعية السياسية والدبلوماسية.

تجميد الاتفاق يُنذر بتراجع الدور الإسرائيلي في الفضاء الأوروبي على المستويات كافة (رويترز)

ردود إسرائيلية متأخرة وتحذيرات من فقدان النفوذ

وبحسب ما نقلته كالكاليست، يرى خبراء العلاقات الخارجية في إسرائيل أن هذه الخطوة تمثل ذروة التباعد السياسي بين تل أبيب وبروكسل منذ التصعيد العسكري بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ويؤكد هؤلاء أن على إسرائيل التحرك فورًا لاحتواء هذا التهديد عبر المسارات الدبلوماسية، والتحذير من أن مثل هذه الخطوات ستقوّض قدرة الاتحاد الأوروبي على التأثير في الشرق الأوسط.

كما حذّروا من أن فقدان الثقة الإسرائيلية في أوروبا سيؤدي إلى تقليص التعاون في قضايا إستراتيجية، وربما دفع إسرائيل إلى تصعيد سياساتها على الساحة الفلسطينية بما يناقض أهداف الاتحاد.

مقترحات لتخفيف التصعيد

واقترح التقرير أن تبادر إسرائيل إلى تنظيم خطة إنسانية محكمة في قطاع غزة تُرضي الأوروبيين، وتُظهر استعدادًا لاحترام القانون الدولي الإنساني. وشدّد على أهمية عرض أدلة ملموسة على إدخال المساعدات، ونشر ذلك عبر الإعلام والاتصالات الدبلوماسية المباشرة.

وفي ختام التقرير، وصف رون فريدمان، الباحث في مؤسسة مايند إسرائيل، اتفاق الشراكة بأنه “الركيزة الأساسية التي تدمج إسرائيل في المعسكر الأوروبي على المستوى الاقتصادي والثقافي والدولي، وأي تصدع فيه سيضعف موقعها العالمي، سواء أحبّت ذلك أم لا”.

شاركها.
Exit mobile version