في كتابه “العائل والطفيلي: كيف استهلك الطابور الخامس الإسرائيلي أميركا” (The Host and the Parasite: How Israel’s Fifth Column Consumed America)، يصف الكاتب غريغ فيلتون إسرائيل بـ”الكائن الطفيلي” الذي يتغذّى باستمرار على دماء الولايات المتحدة، ولا يبالي بإمكانية أن يتسبب ذلك في إصابتها بالأمراض، أو أن يؤدي ذلك إلى تآكل جسد الإمبراطورية الأميركية وانهياره.

نظرا لأن العلاقة بين الطفيلي وعائله (كما تذكرها علوم الطب) لا بد أن تنتهي بموت أحدهما، وقطعا لن ترغب إسرائيل في أن تكون الطرف المُحتضِر في هذه العلاقة، ومن ثم سوف تستمر في استهلاك الدماء الأميركية إلى النهاية، وربما تبدأ بعدئذٍ في البحث عن عائل آخر.

اقرأ أيضا

list of 2 items

list 1 of 2

الشر السائل.. كيف تهندس الحداثة الغربية ممارسات الاحتلال والإبادة؟

list 2 of 2

تكنولوجيا غوغل ومايكروسوفت في خدمة الإبادة

end of list

من وجهة نظر فيلتون، فإن الأمر تكرر من قبل، وليس محض تنبؤ مطلق. ففي بادئ الأمر، اعتمد “الطفيلي الإسرائيلي” على بريطانيا وقتما كانت قوة عظمى وإمبراطورية “لا تغيب عنها الشمس”، لكنه سرعان ما حوّل انتباهه مع صعود الهيمنة الأميركية؛ مستغلًّا إياها في تثبيت دعائمه، وإن أتى ذلك على حساب الشعب الأميركي نفسه.

ففي حين يشتكي أميركيون من عدم توفر الخدمات اللائقة في بعض مدنهم، فإن جسد واشنطن لم يستطع أبدا الامتناع عن تغذية هذا الطفيلي العالق في أمعائه ومدّه بما يلزم لبقائه، حتى لو كبَّده ذلك مليارات الدولارات من المساعدات المباشرة وغير المباشرة في كل عام.

إعلان

واليوم، تتورط كبريات المؤسسات الأميركية في تغذية الممارسات الدموية لإسرائيل، مقوّضةً بذلك سُمعتها المرموقة وإرثها العريق.

شاهد | كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأمريكي

عقول أميركية في قبضة إسرائيل

لا يقتصر الأمر إذن على الأموال والمساعدات، أو حتى الدعم السياسي والعسكري الحكومي، بل إن إسرائيل تقتات على العقول والتقنيات الأميركية التي تقدمها المؤسسات العلمية الشهيرة حقيقة لا مجازا.

يؤكد ذلك ما كشفه مؤخرا التقرير الصادر عن “تحالف معهد ماساشوستس للتكنولوجيا من أجل فلسطين”، وهو تحالف يضمّ 19 مجموعة طلابية من دارسي المعهد وأعضاء هيئة تدريسه، حول وجود تعاون وثيق بين معهد ماساشوستس للتكنولوجيا “إم آي تي” (MIT) وجيش الاحتلال الإسرائيلي، موضحا أن عددا من مختبرات المعهد توظّف جهودها منذ عام 2015 في إجراء أبحاث حول الأسلحة وتقنيات المراقبة، برعاية مباشرة من وزارة الدفاع الإسرائيلية.

وأكد التقرير أن إدارة المعهد المعروف عالميا تلقَّت نحو 3.7 ملايين دولار من الجيش الإسرائيلي، مقابل العمل على مشاريع وأبحاث تتعلق بتطوير تقنيات لها استخدام مباشر في الحروب، ومن ضمنها: تطوير خوارزميات تساعد أسراب المركبات غير المأهولة على ملاحقة أهدافها بشكل أفضل، وتحسين تكنولوجيا المراقبة تحت الماء، ودعم قدرة المقاتلات على التهرب من الصواريخ.

وبجانب ذلك، يلتزم المعهد بالتعاون المؤسسي مع كبرى شركات الصناعات الدفاعية الإسرائيلية، المسؤولة عن توريد الأسلحة إلى الجيش الإسرائيلي، وعلى رأس هذه الشركات تأتي “أنظمة إلبيت” (Elbit systems)، التي تُنتج نحو 85% من معدات الجيش الإسرائيلي البرية وطائراته غير المأهولة.

مما يعني أن هذه الشراكات تسمح للإسرائيليين بالوصول إلى مواهب معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وخبراته، ومن ثم استغلالها من جانب جيش الاحتلال في بناء ترسانة أسلحته، ما يجعل المعهد شريكا مباشرا في الإبادة الجماعية وفي جرائم الحرب التي جرت في قطاع غزة، فضلا عن مساهمته في تعزيز الاستيطان الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية.

طائرة هيرمز 900 من صناعة شركة “إلبيت سيستمز” الإسرائيلية والتي يتعاون معهد ماساشوستس معها على مستوى مؤسسي (رويترز)

ما يجعل الأمور أكثر غرابة أن إسرائيل تحصل على كل هذه المزايا والتقنيات بأقل تكاليف ممكنة، حيث تُشكِّل رعاية وزارة الدفاع الإسرائيلية للأنشطة البحثية في “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” نحو 0.05% فقط من إجمالي الرعايات البحثية في المعهد، وتشمل مختبر أنظمة المعلومات واتخاذ القرار (LIDS)، ومختبر علوم الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي (CSAIL)، إضافة إلى مختبر أبحاث الإلكترونيات (RLE). ومقابل هذه الرعاية الضئيلة، يحصل الجيش الإسرائيلي على مكاسب ضخمة وغير متماثلة.

إعلان

بادئ ذي بدء، يُعد جيش الاحتلال المؤسسة العسكرية الأجنبية الوحيدة المسموح لها بتقديم الرعاية البحثية داخل المعهد، بما يسهم في رفع سمعتها وتلميع صورتها، بغرض غرس صورة أخرى لها في أذهان الأميركيين، بعيدة عن حقيقتها بوصفها مؤسسة متورطة في ارتكاب جرائم حرب.

في مقابل ذلك فإن المعهد المرموق يخسر الكثير من أسهمه الرمزية نتيجة هذه الشراكة، وذلك رغم سياسته الراسخة في النأي بنفسه مطلقا عن مصادر الأموال المشبوهة. ففي عام 2020، اعتذرت إدارة المعهد عن تلقيها تبرعات بقيمة 850 ألف دولار بين عامي 2002-2017 من جيفري إبستين، المُدان بارتكاب جرائم جنسية بحق القُصَّر.

وأبعد من ذلك، ففي الوقت الحالي يُدرِج “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” المشاريع الممولة من أشخاص أو كيانات من دول أجنبية أخرى تحت ما يُعرف بـ”مراجعة المخاطر المرتفعة”، وذلك بسبب المخاوف من استغلال هذه المشاريع في إضفاء الشرعية على انتهاكات الحقوق السياسية أو الإنسانية في تلك البلدان، أو في استخدامها بطُرق من شأنها أن تنتهك هذه الحقوق.

يحدث ذلك بينما تنخرط إدارته في شراكة مع جيش الاحتلال، بغض النظر عن حجم الانتهاكات الإنسانية التي يرتكبها ضد المدنيين في غزة.

على أن الأهم هو مدى الاستفادة العملية التي تحققها وزارة الدفاع الإسرائيلية من هذه الشراكة، بغض النظر عن مقدار الأموال المُقدَّمة، نظرا لأن المشاريع البحثية داخل المعهد غالبا ما تشترك في شبكات تمويل معقدة ومتداخلة، وربما يتضمن المشروع الواحد مساهمات من مؤسسات عسكرية “أميركية” متعددة.

فعلى سبيل المثال، تُرعى الأبحاث المتعلقة بقياس المغناطيسية الكمومي (Quantum Magnetometers) داخل مختبر الإلكترونيات في المعهد من كلٍّ من: القوات الجوية الأميركية، والجيش الأميركي، والمؤسسة الوطنية للعلوم، بالإضافة إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية، ويحق لأيٍّ من هذه الجهات (بغض النظر عن حجم الرعاية التي تسهم بها هذه الجهة) الاطلاع على مخرجات الأبحاث واستخدامها، بل ويحق لأيٍّ منها أن تحدد اتجاه الأبحاث وأهدافها منذ البداية، مما يعني أن وزارة الدفاع الإسرائيلية تجني فوائد كبيرة من هذا الاستثمار بأقل تكلفة ممكنة.

إعلان

جدير بالذكر أن مقاييس المغناطيسية الكمومية يمكن استغلالها في الصناعات الدفاعية من خلال تطبيقات عملية متعددة، فهي توفر إمكانيات متطورة على صعيد “الكشف عن الأجسام عن بُعد”، ومن ثم تسهم في تحديد مواقع الأجسام المدفونة، مثل الألغام الأرضية والأجهزة المتفجرة، إضافة إلى قدرتها على اختراق مجموعة واسعة من المواد (بما في ذلك الجدران الخرسانية) على أعماق متغيرة، مما يجعلها مناسبة لمهام استكشاف الأنفاق على سبيل المثال، كما أنها توفر قدرة الكشف عن الأجسام المغمورة، بما يسهم في تحسين مستويات المراقبة البحرية.

وبعيدا عن الاستخدامات العسكرية الصريحة، يمكن توظيف هذه التقنية في العديد من الأغراض المدنية أو ذات الاستخدام المزدوج مثل التحقق من وجود تشققات وكسور في خطوط الأنابيب، أو للتأكد من سلامة الهياكل الفولاذية، في إجراء يُعرف باسم “التقييم غير المدمر” (أي الفحص بتقنية لا تؤثر على أداء الآلة)، ويُستغل ذلك على نطاق واسع في صناعات عدة، منها هندسة الطيران على سبيل المثال.

تطبيقات عسكرية

المفاجأة الأكبر أن الأموال التي تضخها إسرائيل في المؤسسات البحثية الأميركية ليست أموالا إسرائيلية، ولكنها قادمة من منح أميركية إلى إسرائيل، بمعنى أن إسرائيل تتوغل في المؤسسات العلمية الأميركية بأموال الولايات المتحدة نفسها.

ويشير “تحالف معهد ماساتشوستس من أجل فلسطين” إلى أن وزارة الدفاع الأميركية تزوّد الحكومة الإسرائيلية بمنح تمويل عسكري أجنبية بغرض توظيفها في رعاية الأبحاث في الجامعات الأميركية، ومن بينها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

هذا وتُمنح وزارة الدفاع الإسرائيلية حرية في اختيار المشاريع التي سوف تتعهدها بالرعاية والباحثين الذين تتعاون معهم، وكثيرا ما تُستخدم هذه الأموال في دعم زملاء ما بعد الدكتوراه الإسرائيليين للانضمام إلى مختبرات البحث الأميركية، والعمل على تطوير مشاريع محددة تهم أهداف البحث العسكري الإسرائيلي.

إعلان

في هذه المشاريع، تُدرَج وزارة الدفاع الإسرائيلية تحت اسم “حكومة فيدرالية أجنبية”، وتُذكر في كثير من الأحيان باعتبارها راعيا مباشرا يحق له الاطلاع على مخرجات البحث ومتابعة سيره، بينما في أحيان أخرى، يمكن للمعهد أو لوزارة الدفاع الإسرائيلية إعادة جدولة قناة التمويل تحت وزارة حكومية إسرائيلية مختلفة، مثل وزارة الطاقة، مما يمكّنهم من تجنب المساءلة والشكوك الناجمة عن الارتباطات بالجيش الإسرائيلي، خاصة في أوقات الحروب وممارسات الإبادة التي يشنها.

ويشير تقرير “تحالف معهد ماساتشوستس من أجل فلسطين” إلى تورط 10 باحثين على الأقل في التعاون مع وزارة الدفاع الإسرائيلية، ويتوزع هؤلاء الباحثون على 6 أقسام داخل مختبرات المعهد الثلاثة، المُشار إليها سابقا، وهي أقسام: الهندسة الكهربائية وعلوم الحاسب، والفيزياء، وعلوم الطيران والفضاء، والهندسة البيولوجية، وعلوم وهندسة المواد، والهندسة المدنية والبيئية.

وفي معظم الأحيان تكون المشاريع التي يعمل عليها هؤلاء الباحثون ذات أغراض عسكرية، حتى قُدمت في صورة تطبيقات مدنية أو متعددة الأغراض بالأساس، مثل مشروع “WISwarm” الذي يعمل عليه كلٌّ من إيتان موديانو وسرتاك كارامان (وهما أستاذان في علوم الطيران والفضاء)، حيث يشرفان على تطوير برنامج وسيط يتيح تخصيص حزم بيانات الشبكات اللاسلكية بناء على احتياجات التطبيقات الحساسة للوقت (الأجهزة أو الآلات التي يعد الوقت أمرا حاسما في كفاءة عملها مثل السيارات ذاتية القيادة)، نظرا لأن أداء هذه الشبكات يتدهور مع توسع حجم الشبكة وزيادة حمل حركة المرور، مما يؤثر على سرعة استجابة الآلة وقدرتها على اتخاذ القرار في الوقت المناسب.

يحدث ذلك عبر التحكم في تخزين وتدفق المعلومات في الشبكة اللاسلكية، حيث يقوم البرنامج الوسيط بإعطاء الأولوية لنقل البيانات ذات الصلة والتخلص من حزم البيانات التي لم تعد مفيدة، وبمعنى آخر، فإن البرنامج الوسيط يعمل مثل مصفاة بيانات بين الشبكة اللاسلكية والتطبيقات والآلات الحساسة للوقت المرتبطة بها.

إعلان

ولفهم الفائدة من “WISwarm” بصورة مبسطة، دعنا نتخيل بروز أجسام اعتراضية بشكل مفاجئ أمام سيارة ذاتية القيادة تسير بسرعة كبيرة، ففي مثل هذه الحالة، سوف تقوم السيارة بمناورة بغرض تفادي الاصطدام، ونجاح هذه المناورة يعتمد على سرعة ما يصل للسيارة من بيانات عبر وحدة التحكم المركزية، لذلك فإن تخفيف أحمال البيانات وإعطاء الأولوية لنقل البيانات ذات الصلة خلال هذه اللحظات سوف يسهم في تحسين الاستجابة وأداء المناورة بشكل صحيح وتفادي الارتطام.

ورغم أن التطبيقات الحساسة للوقت قد تشمل الآلات في المصانع الذكية أو السيارات ذاتية القيادة، وفقا لما يذكره المشاركون في البحث، فإن المجال التطبيقي الذي يوليه المشروع اهتمامه بالأساس هو أسراب الطائرات غير المأهولة، بحسب الورقة البحثية المنشورة عن المعهد، حيث يُختَبر البرنامج الوسيط عليها، بغرض تعزيز قدراتها وتنسيق حركتها الجماعية وضمان عدم خلط الإشارات.

وفي السياق ذاته، تركز أبحاث دانييلا روس، مديرة مختبر علوم الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي في معهد ماساتشوستس، على تعزيز التنسيق بين أسراب المركبات غير المأهولة في حضور أهداف متحركة، وخاصة الأهداف البشرية، لكنها تحقق ذلك بطريقة مختلفة عن مشروع كارامان وموديانو، حيث تعمل على أبحاث متعلقة بتطوير “خوارزمية ضغط فعالة لمجموعات البيانات الكبيرة” (Coreset Compression Algorithm)، أي العمل على ضغط البيانات كبيرة الحجم، مما يُسهِّل ويُسرِّع من عملية نقلها عبر الشبكة، وبالتالي فإن ذلك يعمل على تحسين استجابة الآلات ذاتية القيادة.

تُعد هذه الخوارزميات الخفيفة مثالية في تعزيز قدرات المركبات الصغيرة غير المأهولة، بما في ذلك الطائرات بدون طيار، حيث تمنحها القدرة على تتبع الأهداف وملاحقتها باستقلالية متزايدة، وذلك عبر استغلال أجهزة الاستشعار المتصلة بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، أو بغيره من الأنظمة التي تولِّد كمية هائلة من البيانات التي لا يمكن استخدامها بصورة فعالة لولا وجود خوارزمية ضغط مثل هذه، مما يتيح استخدامها في تطبيقات عسكرية متعددة، مثل: القصف الجوي بطائرات بدون طيار، وأعمال المراقبة، وكذلك ملاحقة الأهداف المختلفة.

إعلان

أما “تشنيغ هو”، أستاذ الهندسة الكهربائية في المعهد، فتتعلق أبحاثه بأشعة الليزر الكمومية المتتالية، وتشمل التطبيقات العسكرية المحتملة لهذه الأبحاث: تحسين تقنيات التصوير الراداري والمسح العميق، بالإضافة إلى تطوير أنظمة “مكافحة الأشعة تحت الحمراء الاتجاهية المضادة للصواريخ” (DIRCM)، وهي تدابير قادرة على تحييد أنظمة الدفاع الجوي التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء، التي تُشكِّل تهديدا كبيرا على الطائرات، نظرا لانتشارها بشكل واسع، فهي أنظمة محمولة وسهلة النقل، كما أنها تستطيع تتبع البصمة الحرارية الصادرة عن المقاتلة، مما يُمكِّنها من إصابتها بدقة.

وتعتمد “تدابير مكافحة الأشعة تحت الحمراء الاتجاهية” على مبدأ إنتاج إشارة أكثر سطوعا وذات حرارة أعلى من تلك الصادرة عن المقاتلة، مما يشتت الصاروخ الباحث عن الحرارة ويدفعه إلى تتبع الإشارة الزائفة عوضا عن المقاتلة، وذلك من خلال أشعة ليزر متطورة، تمنح تغطية لبصمة الطائرة الحرارية.

اختراق من كل جانب

فضلا عن ذلك على المستوى الحكومي، يعطي “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” أولوية للتعاون المؤسسي مع أبرز شركات الصناعات الدفاعية الإسرائيلية، ومنها “أنظمة إلبيت”، الحائزة على عضوية برنامج الاتصال الصناعي التابع للمعهد منذ عام 2017، حسبما يذكر ألون ستوبل كبير العلماء في “إلبيت”، وهو ما يؤهلها لمراقبة تطورات الأبحاث وتحديد موارد المعهد ذات الأهمية، وتقديم المشورة بشأن الرعاية البحثية والتراخيص التقنية، إلى جانب ترتيب اجتماعات وجها لوجه مع أعضاء هيئة التدريس.

وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2021، أعلنت “إلبيت” عن افتتاح مركز ابتكار في ساحة كامبريدج المركزية بالتعاون مع شركة “KMC” (وهي إحدى الشركات التي استحوذت “إلبيت” عليها وتعمل في تكنولوجيا الطب)، وتمتع المركز بقدرته على الوصول إلى خريجي معهد ماساتشوستس وجامعة هارفارد، في حين أفصحت “إلبيت” آنذاك عن رغبتها في ضم 100 مهندس إلى مركزها الجديد، لكن ذلك لم يتحقق نظرا لحملة الضغط التي قادها النشطاء ضد المكتب على مدار أكثر من عام، وهو ما تسبب بالأخير في إغلاقه في أغسطس/آب 2024.

إعلان

وتُعد “أنظمة إلبيت” كبرى شركات التصنيع العسكري الإسرائيلي والمسؤولة عن توريد 85% من طائرات جيش الاحتلال غير المأهولة، وأبرزها المسيرة من فئة “إلبيت هيرميس 450″، التي استخدمها الاحتلال في قتل مدنيين في أكثر من مناسبة، كان آخرها اغتيال عمّال إغاثة ينتمون إلى منظمة المطبخ المركزي العالمي في أبريل/نيسان الماضي (2024).

كما تُعد “إلبيت” أحد المزودين الرئيسيين للأسلحة التي تُعد محظورة بموجب قوانين الحرب أو تلك المثيرة للجدل، ويشمل ذلك: الفسفور الأبيض والقذائف المسمارية والذخائر العنقودية.

يُذكر أن استخدام الذخائر العنقودية محظور بموجب معاهدة دولية في عام 2008، بسبب تأثيرها الفتاك وصعوبة حماية المدنيين من آثارها، حيث تحتوي الذخائر العنقودية على قنابل صغيرة تنتشر عشوائيا خلال مساحة واسعة خارج نطاق الهدف، مما يُشكِّل خطرا على المدنيين، كما أنها غالبا ما تفشل في الانفجار الكامل عند الاصطدام الأولي، ولذلك تترك وراءها مكونات غير منفجرة قد تعمل فيما بعد ألغاما أرضية.

ورغم أن “أنظمة إلبيت” أعلنت توقفها عن تصنيع هذه الذخائر ونفت إنتاجها منذ عام 2018، فإن ثمة تقارير ترصد استخدامها في قصف غزة وجنوب لبنان خلال العام الماضي وفي مناسبات أخرى سابقة.

وعلى إثر ذلك قررت العديد من المؤسسات المالية سحب استثماراتها من الشركة على خلفية إنتاجها وتسويقها هذه الأسلحة، ومن بين هذه المؤسسات: صندوق الثروة السيادية الأسترالي، الذي حظر الاستثمار في “إلبيت” في عام 2022، وكذلك قررت شركة “KLP” النرويجية (أكبر شركة معاشات تقاعدية في النرويج) استبعاد “إلبيت” من قائمتها في عام 2021، وقبل ذلك، في عام 2019، سحب بنك “HSBC” استثماراته مشيرا إلى أن سياساته تفرض عليه عدم الاستثمار في شركة مرتبطة بإنتاج وتسويق أسلحة محظورة دوليا.

إعلان

ورغم أن هذه مؤسسات مالية بالأساس، أي ليست معنية بالعلم وأخلاقياته في المقام الأول، فإنها اتخذت موقفا رافضا وقررت النأي عن المساهمة في عمليات القتل (حتى إن كان ذلك لحسابات مادية وربحية بحتة)، في حين لا تزال مؤسسة علمية (مثل معهد ماساتشوستس) تتعاون وتفتح ذراعيها أمام مطوّري الأسلحة المحظورة، وهي شراكات من شأنها أن تجمّل من صورة هؤلاء المقاولين العسكريين، بغرض دفع آخرين وتشجيعهم على الاستثمار في “إلبيت” وأخواتها.

كما أنها تُعد بابا خلفيا لتجنيد علماء وخبراء أميركيين في خدمة جيش الاحتلال، ومن ثم خدمة القتل والإبادة الجماعية والفصل العنصري، بل وخدمة كل ما تعهد العلم يوما ما بالوقوف ضده.

شاركها.
Exit mobile version