نيويورك – مُحاطةً بهم، وقفت الناشطة السياسية الأميركية ليزا فيثيان لتخاطب هموم الطلبة عقب البريد الإلكتروني الذي أرسلته رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق صباح أمس الاثنين، والذي أعلنت فيه وقف المفاوضات مع الطلبة، وأن الجامعة لن تسحب استثماراتها من إسرائيل، وطالبت المعتصمين في الجامعة بفض الاعتصام عند الساعة الثانية ظهرا بتوقيت نيويورك، وأنه في حال عدم الفض سيتم إيقاف جميع الطلبة الموجودين في مكان الاعتصام واتخاذ إجراءات تأديبية بحقهم.

وعلى إثر هذا الجو المشحون، جاءت ليزا، مستعينة بخبرتها في العمل والتظاهر ضد “السياسات الأميركية الاستعمارية منذ سبعينيات القرن الماضي” على حد وصفها، لتخبر الطلبة كيف يواجهون فض الاعتصامات والاعتقال.

وكما حدث إثر اقتحام شرطة نيويورك مكان الاعتصام واعتقال ما يقرب من 100 طالب، ثم ما جرى بعده من ازدياد أعداد المتظاهرين، فقد أسهم البريد الإلكتروني في تدفق أعداد غير مسبوقة من الطلبة لدعم زملائهم المقيمين في مخيم الاعتصام، كما أدى إلى تزايد التهديدات التي قد تطال الطلبة الذين قرروا الاعتصام في الجامعة.

أعداد المعتصمين داخل الجامعة وخارجها ارتفعت بعد مطالبة رئيسة الجامعة الطلاب بفض اعتصامهم (الجزيرة)

مخاوف الطلبة

في الساعة الرابعة عصرا، وبعد انتهاء المهلة التي حددتها إدارة الجامعة لفض الاعتصام، بدأ القلق يعم المكان، وبينما يجلس الطلبة في حلقة دائرية، تعلوهم طائرة استطلاع “كواد كابتر” تراقب ما يحصل، ومحاطين خارج حواجز الاعتصام بعدسات الصحفيين، كانت الجزيرة نت حاضرة في مكان التخييم بين الطلبة، ورصدت ما يدور في المكان.

تحوم في الأجواء تهديدات الفصل لكل من يوجد داخل مكان الاعتصام، وترددت أقاويل عن تزايد احتمال فض الاعتصام في المساء، وما يمكن أن يصدر صباحا من قرارات قد تمس حاضر الطلبة ومستقبلهم، إذا ما نفذت الإدارة وعودها.

ووسط كل هذا، سألتهم ليزا “هل أنتم خائفون؟ قلقون؟”، أجاب الطلبة بنعم، فبدأت ليزا بشرح طبيعة الخوف وكيفية التعامل معه، وأنه في هذه اللحظات التي يصمد فيها المرء في مواجهة ما يخافه فإن “الخوف يتحوّل إلى شجاعة خاصة حينما تعلمون أن الأفعال المباشرة المؤثرة هي فقط التي يمكنها أن تغير العالم، وأن فكرة الأمان هي فكرة مبالغ بها، خاصة إذا ما أردنا عدم الخضوع للنظام الذي يحاول فرض أدوات سيطرته على كل ما يخالف مصالحه”.

ليزا (أميركية ستينية) قالت إنها تسعى لتوعية الطلبة بكافة أشكال المخاطر التي يمكن أن يواجهوها (رويترز)

وبدأت بتوعيتهم بالهدف الرئيسي الذين يريدون الوصول إليه، وأنه ما دام واضحًا فلن يستطيعوا الإضرار به حتى لو فُض الاعتصام، وذكّرتهم بأن المرة الأولى لمحاولة فض الاعتصام جاءت بنتيجة عكسية، ذلك بأن الجميع رأى التصميم والإيمان الذي تحلى به الطلبة في سبيل تحقيق مطالبهم، وأن التاريخ يعلمهم منذ اعتصامات حرب فيتنام في ستينيات القرن الماضي أن الثبات على المطالب يحققها.

وسأل أحد الطلبة الحاضرين لهذه الورشة عن مجريات الاعتقال والمحاكمة وعن مدة السجن، فأجابت ليزا بأنه “ليس هناك شيء مضمون”، ولكن وفق فهمها لطبيعة الاعتقالات والمحاكمات في مدينة نيويورك، وأن ثمة فريقا من المحامين المتطوعين الذين سيتكفلون بالدفاع عنهم، فإن المدة لن تطول، وأكدت أن “التضامن بين أفراد هذا المجتمع والفهم المشترك لما تريدون، سيسهمان كثيرا في الحد من الأضرار التي يمكن أن تحدث جراء فض الاعتصام”.

الاستعداد لما هو آت

قبل الدخول في التفاصيل، نصحت ليزا الأميركيين ذوي البشرة البيضاء بأن يكونوا في مقدمة الصفوف لحماية زملائهم، مشيرة بوضوح لانحياز النظام الأميركي ضد من أسمتهم بـ”الملونين”، وقالت “إذا أرادوا أن يعتقلوا المنظمين الفلسطينيين، فلا تجعلوهم يفعلون ذلك بسهولة”، وقالت لهم بصراحة “الملونون دائما ما يُعتقلون، لذا أنصح كل من هو أبيض بأن يُعتقل حتى يروا ظلم هذا النظام ويكونوا أكثر تعاطفا مع غيرهم”.

ولأن التهديدات بفض الاعتصام بدأت بالتزايد، بدأت ليزا بتعليم الطلبة تكتيكات مواجهة فض الاعتصام مثل الدروع البشرية، وجعلها على شكل سلاسل، ثم توزيع الأجساد بحسب ممكناتها، ثم بدأت تشرح لهم بالأمثلة العملية كيف وأين يقفون.

ثم انتقلت إلى لحظة الاعتقال نفسها، وشرحت التكتيكات المختلفة التي لا تجعل الاعتقال سهلا بالنسبة للشرطي، مع وضع الخيار لمن أراد الفرار بنفسه أن يفعل، وأكدت لهم أن العالم كله سيشاهد، وأن صمودهم في هذا المكان سيلهم الآخرين، كما ألهمهم من قبل.

وتحدثت ليزا للجزيرة نت عن هدف هذه الورشة، وقالت إنها تسعى لتوعية الطلبة بكافة أشكال المخاطر التي يمكن أن يواجهوها، وأنها قامت بتقديمها في جامعات أخرى أيضا، وأضافت أنها حرصت على تأكيد معنى مهم للمعتصمين، وهو أن لا يلوموا أنفسهم حين الاعتقال، أو إذا ما لحق بهم الضرر جراء قراراتهم.

وأوضحت أن “النظام سيحاول أن يلقي باللوم على الضحايا بدل أن يحاسب الجلاد”، حسب وصفها، وأن القوة ليست فقط في امتلاك الشرطة السلاح، بل القوة في أن يكون لدى الفرد القدرة على القيام بشيء رغم المخاطر المحدقة به.

صمود رغم المخاطر

قبل أن تنتهي الورشة، سألت ليزا الحضور “لماذا تقومون بما تقومون به؟” فأجاب بعضهم بأنه “واجب والتزام أخلاقي”، وقال آخرون “لأننا لا يمكن أن نصمت، وأن كمية المآسي التي تحدث في غزة، وتمولها الإدارة والمؤسسات الأميركية، تفرض علينا أن نأخذ موقفا واضحا وحازما”.

وسألت الجزيرة نت مجموعة من الطلبة والمنظمين الموجودين في الاعتصام، الذين فضّلوا عدم الكشف عن أسمائهم نظرا لحساسية الوضع القائم، فقالت إحدى المنظمات للاعتصام إن الطلبة يعملون على التنسيق مع جهات خارج الجامعة لتوفير مساكن مؤقتة للطلاب في حال تضرر خدمة السكن التي توفرها الجامعة، وهي إحدى الخدمات التي هددت رئيسة الجامعة -عبر البريد الإلكتروني الذي أرسلته- بسحبها من الطلبة في حال عدم فض الاعتصام.

كما قالت (ي.س) للجزيرة نت إنهم عازمون على البقاء لأن هدفهم ليس الإضرار بالجامعة ولا مواجهة الشرطة، بل تحقيق مطالبهم بإيقاف الحرب على قطاع غزة، وسحب الجامعة استثماراتها من إسرائيل.

وتحدث آخر للجزيرة نت عن وجود تهديدات جدية بفض الاعتصام، قائلا “نحن نعلم أن هناك ثمنا سندفعه، لكننا نعلم أننا إذا لم ندفع جميعا الثمن، فلن يتغير شيء”.

شاركها.
Exit mobile version