في ظل الهوة الواسعة بين رؤية الإسرائيليين للحرب على غزة ورؤية العالم لها، لجأ قادة إسرائيل إلى اعتماد خطابين مختلفين عندما يتحدثون إلى الجمهورَين المحلي والدولي حول سيناريوهات الحرب المستمرة منذ 3 أشهر دون تحقيق أي من الأهداف التي حددتها الحكومة الإسرائيلية.
تقول صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية إن “مسؤولين إسرائيليين بدؤوا في إخطار وسائل الإعلام الدولية أن الجيش الإسرائيلي ينتقل إلى مرحلة عمليات عسكرية أقل كثافة خاصة في شمال غزة، وسط قلق دولي من حجم الدمار والخسائر في صفوف المدنيين”.
بالمقابل، سعت القيادة الإسرائيلية إلى تهدئة الرأي العام الإسرائيلي، مؤكدة أنها ملتزمة بحرب طويلة الأمد في غزة من أجل للقضاء على المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، حتى وإن تغيرت تكتيكاتها العسكرية.
وبحسب محللين، فإن هذه الرسائل ليست متناقضة، ولكنها تعكس جهود الحكومة الإسرائيلية لتهدئة الرأي العام الدولي في المدى القريب، بهدف تحقيق أهدافها في المدى البعيد.
أما في الداخل، فيتعين على الحكومة أن تستجيب للإسرائيليين الذين أصيبوا بصدمة نفسية بسبب الهجوم الذي تعرضت له تل أبيب في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والذين ما زالوا يريدون من الحكومة أن تفي بوعدها بإنهاء سيطرة حماس على غزة، وفقا للصحفية الأميركية.
ويرى المحللون أنه يجب على إسرائيل أن تحتفظ بمستوى معين من الشرعية الدولية، خاصة إذا كانت تريد الحفاظ على تأييد داعمها الأساسي، الولايات المتحدة، حيث زار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تل أبيب أمس الثلاثاء، وسط ضغوط متزايدة على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للضغط من أجل وقف إطلاق النار في غزة.
واعتبرت الصحيفة الأميركية أن الأمور سوف تكون أكثر صعوبة غدا الخميس، عندما تستمع محكمة العدل الدولية إلى الاتهامات التي وجهتها جنوب أفريقيا لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين. وقد تؤدي جلسة الاستماع إلى أن تأمر المحكمة تل أبيب بوقف عمليتها العسكرية، وهي لفتة رمزية إلى حد كبير قد تتجاهلها إسرائيل، ولكن لن يؤدي ذلك إلا إلى مزيد من الضرر لسمعتها.
وقال القنصل العام الإسرائيلي السابق في نيويورك، ألون بنكاس، مع كل هذه الأمور مجتمعة، تريد إسرائيل أن تظهر صورة تقول عبرها “حسنا، لقد استمعنا للانتقادات، ونحن نأخذ الملاحظات وندمجها”.
أما عن التيار السائد في إسرائيل، فيقول بنكاس، إنه لا يرغب في سماع أن الحرب قد تقترب من نهايتها، في حين تظل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) نشطة في معظم مناطق غزة. وأضاف أن الإسرائيليين “يفهمون أنه لم يتم تحقيق سوى تقدم ضئيل في القطاع، إذا كانت الفكرة هي القضاء على حماس أو استئصالها أو الإطاحة بها”.
ربما كان الخطاب الإسرائيلي المزدوج أكثر وضوحا يوم الاثنين الماضي، عندما قال الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي دانيال هاغاري في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز إن الحرب دخلت مرحلة جديدة، مع قيام إسرائيل بسحب قواتها، والتركيز على جنوب قطاع غزة، وانخفاض عدد الغارات الجوية.
أما وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، فقال لصحيفة وول ستريت جورنال إن إسرائيل ستنتقل قريبا من “المناورة المكثفة” إلى “أنواع مختلفة من العمليات الخاصة”.
وفي إيجازه الصحفي اليومي مساء الاثنين الماضي، رد هاغاري على سؤال بشأن المقابلة التي أجراها مع التايمز بقوله إن هدف تفكيك حماس لا يزال قائما، وإن “دلالات” ما إذا كانت الحرب قد دخلت مرحلة جديدة “لا تخدم الجمهور الإسرائيلي”.
وبشكل منفصل، ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن وزير الدفاع أخبر زملاءه المشرعين اليمينيين، في اجتماع مغلق، أن الحرب ستستمر “لعدة أشهر أخرى”، ولكي يحدث ذلك، تحتاج إسرائيل إلى “هامش” للمناورة الدولية”. وقد أكد مكتب غالانت هذه التصريحات.
وترى صحيفة نيويورك تايمز، أن التعليقات الإسرائيلية التي أُرسلت إلى وسائل الإعلام الدولية كانت بمثابة محاولة استجابة لدعوات الولايات المتحدة لتخفيف وتيرة القتال، وجاءت قبل ساعات من وصول بلينكن إلى تل أبيب لإجراء مناقشات حول الحرب، حيث تتعرض إدارة بايدن لضغوط لتقليص دعمها لإسرائيل.
أحد المعلقين العسكريين في صحيفة “إسرائيل هيوم” الإسرائيلية، أشار إلى هذا التناقض، وكتب يوآف ليمور “لقد حبست الحكومة الإسرائيلية نفسها في التزامات متضاربة، تلك التي قطعتها على نفسها أمام الجمهور الإسرائيلي، قائلة إنه لن يكون هناك حد زمني، وأن الحرب ستستمر طالما كان ذلك ضروريا حتى النصر، والالتزامات التي تعهدت بها للعالم، وفي المقام الأول لواشنطن، قائلة إن الحرب تنتقل الآن إلى مرحلة جديدة أقل حدة من الحرب”.
وقبيل زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، قال المسؤولون الأميركيون إنهم تلقوا طمأنة خاصة من نظرائهم الإسرائيليين بأن هذا الانتقال سيكتمل بحلول نهاية يناير/كانون الثاني الجاري.
وفي الولايات المتحدة، هناك انتقادات متزايدة لموقف بايدن من الحرب، فقد قاطع المتظاهرون خطاب الرئيس يوم الاثنين في ساوث كارولينا، وحثوه على التوقف عن دعم الحرب الإسرائيلية على غزة.
وحتى مع تعهدهم بتقليص عملياتهم في شمال غزة، قال مسؤولون إسرائيليون إن القتال سيستمر بأقصى كثافة في الجنوب، حيث فر معظم سكان غزة.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن الجيش الإسرائيلي عدوانا غزة خلّف عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقا لسلطات القطاع والأمم المتحدة.