مع طي الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزة، شهرَها الثالث، فإن السبب الرئيسي الذي حال حتى الآن دون انتشارها بشكل أكبر في الشرق الأوسط، هو أنَّ الأطراف الفاعلة فيها غير حركة حماس- وأعني بهم إسرائيل وإيران، والولايات المتحدة- تلتقي في هدف واحد، وهو تجنب تحويلها إلى حرب إقليمية. لا تزال الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية منضبطة إلى حد معقول، رغم أن الهجمات المتبادلة بين حزب الله، وإسرائيل تصاعدت في الأيام الأخيرة.
كما أن الهجمات التي تشنّها الجماعات الموالية لإيران في سوريا، والعراق على أهداف أميركية، والرد الأميركي عليها، لم يخرجا بعدُ عن نطاق السيطرة. وفي جبهة البحر الأحمر- على الرغم من مواصلة الحوثيين هجماتهم لمنع عبور السفن إلى الموانئ الإسرائيلية والتحذيرات الغربية المتزايدة للجماعة بتوجيه ضربة لها- لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن اضطراب منطقة البحر الأحمر يُمكن أن يؤدي إلى حرب إقليمية.
مع ذلك، فإن إجماع الأطراف الفاعلة في الحرب على تجنب تصعيد إقليمي أكبر بدأ يتلاشى تدريجيًا بعد اغتيال إسرائيل نائبَ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، وقادة فلسطينيين آخرين في الضاحية الجنوبية لبيروت.
يظهر أن القلق المتزايد من معضلة حزب الله، يدفع إسرائيل إلى تصعيد وتيرة عملياتها العسكرية ضد الحزب، بينما تسعى لإقناع الولايات المتحدة بدعم خططها لشن ضربة كبيرة على الحزب؛ لإبعاد خطره عن الحدود ولإقناع الإسرائيليين بالعودة إلى المناطق الشمالية
لا يزال من غير الواضح كيف سيردّ حزب الله على هذا الاغتيال، وما إذا كان هذا الرد سيُضاعف من مخاطر انفجار حرب واسعة بين الحزب وإسرائيل، لكنّ التعليقات الأخيرة للأمين العام للحزب حسن نصر الله، والحرس الثوري الإيراني على اغتيال العاروري، تُشير إلى أن طهران وحلفاءها في المنطقة لا يزالون مصممين على تجنب الدخول في حرب إقليمية.
وفي حين أن هذا التصميم يُساعد- جزئيًا- في تقليص مخاطر المواجهة الإقليمية الواسعة، فإن اللعبة التي يمارسها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والحسابات الخاطئة في حرب الظل والوكالة بين إسرائيل وإيران تزيدان مخاطر انتشار الحرب بشكل أكبر في المنطقة.
على مدى الأشهر الثلاثة الماضية من الحرب على غزة، يظهر العجز الإسرائيلي بشكل واضح في تحقيق الأهداف الثلاثة المُعلنة للحرب؛ والمتمثلة بالقضاء على حركة حماس، واستعادة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية، وتحقيق وضع جديد في غزة لا يُشكل تهديدًا أمنيًا لإسرائيل في المستقبل.
وعلى الرغم من أن هذا العجز دفع إسرائيل إلى التحول إلى مستويات جديدة من الحرب، فإن هذا التراجع من غير المرجح أن يؤدي إلى عكس مسار الحرب لصالح إسرائيل. لذلك، يعتقد نتنياهو أن اغتيال قادة حركة حماس في الخارج يُساعده في إخفاء الحرج الكبير الذي يواجهه في حرب غزة، والادعاء بأن إسرائيل تنتصر في الحرب.
في غضون ذلك، بدأت معضلة حزب الله بالنسبة لإسرائيل تتزايد على نحو كبير؛ بفعل التحولات الكبيرة التي أحدثها الحزب على قواعد الاشتباك على الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية منذ اندلاع حرب السابع من أكتوبر. فقد عزز من انتشاره العسكري في المناطق المحاذية للجبهة الشمالية الإسرائيلية، وخلق معضلة كبيرة لإسرائيل تتمثل في نزوح آلاف السكان من المناطق الشمالية، ورفض العودة إليها؛ خشية اندلاع حرب واسعة مع حزب الله.
ويظهر أن القلق المتزايد من معضلة حزب الله، يدفع إسرائيل إلى تصعيد وتيرة عملياتها العسكرية ضد الحزب، بينما تسعى لإقناع الولايات المتحدة بدعم خططها لشن ضربة كبيرة على الحزب؛ لإبعاد خطره عن الحدود ولإقناع الإسرائيليين بالعودة إلى المناطق الشمالية.
لم تؤيد إدارة الرئيس جو بايدن هذه الخطط، وأوردت صحيفة “وول ستريت جورنال” في وقت سابق أن واشنطن ضغطت على تل أبيب لتجنب تأجيج التوترات مع حزب الله. ويعتقد نتنياهو أن تصعيد صراع الوكالة مع إيران- عبر زيادة وتيرة العمليات العسكرية ضد حزب الله، واغتيال رضي موسوي القائد البارز في الحرس الثوري الإيراني في سوريا قبل أسابيع، ومؤخرًا اغتيال العاروري في قلب معقل حزب الله- بأنه وسيلة لدفع الولايات المتحدة إلى دعم الخطط الإسرائيلية؛ لتوجيه ضربة واسعة لحزب الله. ويفترض نتنياهو- وقد يكون محقًا في ذلك- أن واشنطن لن تتخلى عن إسرائيل إذا ما فرضت الحرب مع حزب الله كأمر واقع.
مع ذلك، فإن العاملين الأساسيين- اللذين سيُحددان ما إذا كانت هذه الحرب ستُصبح إقليمية- يتمثلان بمدى قدرة طهران وحلفائها الإقليميين على مواصلة انضباطهم في حرب الوكالة، وبالموقف الأميركي الرافض لتأجيج الحرب.
وبالنسبة لطهران وحلفائها فإنهم من جانب يولون أهمية للمخاطر المترتبة على الدخول في مواجهة إقليمية أوسع مع إسرائيل والولايات المتحدة، ومن جانب آخر يعتقدون أن الإخفاق الإسرائيلي في حرب غزة لا يستدعي المخاطرة بتعميق انخراطهم الإقليمي في الحرب، لا سيما أن المقاومة الفلسطينية في غزة أظهرت حتى الآن قدرة على مواصلة الصمود وإفشال خطط الحرب الإسرائيلية.
وبالنسبة للولايات المتحدة، فإنه من المرجح أن تتمسك بإستراتيجيتها الهادفة إلى منع انتشار الحرب بشكل أكبر في الشرق الأوسط؛ لأن مثل هذا الانتشار سيدفعها في نهاية المطاف إلى الانخراط في الحرب. مع ذلك، فإن لعبة نتنياهو التي تسعى لتوريط حزب الله في حرب، وجرّ الولايات المتحدة إلى هذه الحرب، وخطأ الحسابات في حرب الظل والوكالة بين إسرائيل وإيران، قد تؤدي جميعها إلى نتائج كارثية.
سيسعى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن- الذي شرع في جولة شرق أوسطية- إلى الحد من مخاطر تفاقم الحرب، لكنّ عامل الوقت لم يعد مساعدًا للولايات المتحدة وإيران لمواجهة المخاطر الإقليمية المتزايدة.