منذ بداية العام الجاري، تحاول شركات الذكاء الاصطناعي مثل “أوبن إيه آي” جذب أستوديوهات هوليود من خلال وعود مستقبلية بتوفير أدوات يمكن أن تجعل إنتاج الأفلام والمسلسلات أسرع وأسهل وأقل تكلفة.

لكن في المقابل، فإن شركات التقنية كانت بحاجة للحصول على الملكية الفكرية المستخدمة لكميات هائلة من الأفلام والمسلسلات لتدريب نماذجها المعقدة. إذ يحتاج الذكاء الاصطناعي هذه النوعية من البيانات ليتمكن من إنتاج مواد جديدة، مثل مقاطع الفيديو أو النصوص.

ورغم التوقعات الكبيرة، فإن المحادثات بين الطرفين لم تثمر عن نتائج تذكر حتى الآن.

أبرز شراكة تم الإعلان عنها عقدت الشهر الماضي بين شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة “رنواي” وأستوديو “لايونزغيت”، المنتج لسلاسل أفلام مثل “جون ويك” (John Wick) و”ألعاب الجوع” (The Hunger Games). وبموجب هذه الاتفاقية، ستعمل “رنواي” على تطوير نموذج ذكاء اصطناعي يساعد في عمليات مثل التخطيط المبدئي للقصص (storyboarding).

لكن حتى الآن، لم تعلن أي من الأستوديوهات الكبرى عن شراكات مشابهة، ولا يُتوقع أن يتم ذلك قبل عام 2025، وفقًا لمصادر مطلعة على هذه المحادثات.

هناك أسباب عديدة لهذا التأخير؛ فالذكاء الاصطناعي يمثل مجالًا معقدًا تتطور ضوابطه القانونية باستمرار. كما تتشكك الجهات المنتجة بمدى قبول الجمهور للأفلام التي تُصنع أساسًا باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. وهناك أيضًا تساؤلات بشأن كيفية تقدير قيمة مكتبات الأستوديوهات لأغراض الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى مخاوف تتعلق بحماية الملكية الفكرية.

كما أن الذكاء الاصطناعي يعد قضية شائكة في صناعة الترفيه، حيث تسود حالة من انعدام الثقة تجاه شركات التقنية بسبب تعاملها مع الملكية الفكرية بمنهجية توصف أحيانًا بأنها “فوضوية”. ويثير الذكاء الاصطناعي قلق الكثيرين في القطاع، إذ يخشون استخدام أدوات تحويل النصوص إلى صور وفيديوهات في القضاء على فرص العمل.

معظم الأستوديوهات الكبرى لم تعلن عن شراكات مع شركات الذكاء الاصطناعي ولا يُتوقع أن يتم ذلك قبل عام 2025 (الفرنسية)

على سبيل المثال، أثارت صفقة “لايونزغيت” مع رنواي قلقًا بين بعض العاملين في مجال الترفيه، مما دفعهم إلى التواصل سريعًا مع وكلائهم. وقد أكدت نقابة المخرجين الأميركيين أنها تواصلت مع لايونزغيت لعقد اجتماع قريبًا.

وكانت مخاطر الذكاء الاصطناعي واحدة من القضايا الرئيسية التي أثارها الممثلون والكتّاب العام الماضي عندما أضربوا لعدة أشهر. وطالبوا بإدراج بنود حماية في عقودهم، مثل اشتراط الحصول على إذن الممثلين قبل إنشاء نسخ رقمية منهم وتعويضهم عن استخدامها.

وقال خافي بورغيس، الذي يقود فريقًا يقدم استشارات لقطاع الترفيه ضمن شركة “إي واي” للخدمات المهنية، إن “الشركات تتوخى الحذر حاليًا في كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول.. الجميع يحاولون فهم الفرص المتاحة وكيف يمكن أن تدعم أعمالهم”.

ورفض تحالف منتجي السينما والتلفزيون -الذي يمثل الأستوديوهات الكبرى في المفاوضات العمالية- التعليق على الموضوع، في حين لم تستجب أستوديوهات كبرى مثل “نتفليكس” و”ديزني” و”وارنر برذرز ديسكفري” لطلبات التعليق.

ويحظى الذكاء الاصطناعي بأهمية خاصة لدى الأستوديوهات في وقت تسعى فيه إلى خفض التكاليف، خاصة مع تزايد الاعتماد على البث الرقمي على حساب التلفزيون التقليدي وصعوبة استعادة إيرادات شباك التذاكر بعد جائحة “كوفيد-19”.

تعمل شركات الذكاء الاصطناعي على توفير أدواتها للمزيد من العاملين في قطاع الترفيه (رويترز)

وكانت “وارنر برذرز ديسكفري” أعلنت الشهر الماضي أنها ستستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي من “غوغل” لتوليد نصوص مصاحبة للبرامج غير المكتوبة، مما يقلل من وقت الإنتاج وتكاليفه بشكل كبير. كما تُجري وارنر برذرز ديسكفري و”ديزني” محادثات مع “أوبن إيه آي” للحصول على تراخيص لاستخدام مقاطع من مكتباتهما.

من ناحيتها، أعلنت “ميتا” عن تعاونها مع شركة إنتاج الرعب “بلمهوس” في برنامج تجريبي لدراسة وجهة نظر الصناعة حول أدوات “موفي جين إيه آي”. واختارت بلمهوس ثلاثة مخرجين، من بينهم كيسي أفليك، لاستخدام الأدوات الجديدة وإنشاء مقاطع فيديو تُدمج في كبرى أعمالهم.

غير أن التوصل إلى المزيد من الصفقات يتطلب وضع معايير محددة لتقييم مكتبات الأفلام والتلفزيون، وهي مسألة لم يتم الاتفاق عليها بعد.

ويواجه الذكاء الاصطناعي تحديات قانونية بشأن كيفية تدريب نماذجه وطريقة تعويض المواهب؛ وقد رفعت عدة دعاوى قضائية على شركات الذكاء الاصطناعي، من بينها رنواي، بسبب استخدام أعمال إبداعية لتدريب النماذج دون إذن أصحابها. كما رفعت بعض شركات الموسيقى والنشر دعاوى مشابهة.

وأثارت مواقف “أوبن إيه آي” تجاه حقوق الطبع والنشر مخاوف في هوليود، إذ تتبنى الشركة تفسيرًا واسعًا لمبدأ “الاستخدام العادل”، مما يسمح باستخدام محدود للمحتوى المحمي دون إذن. وفي حادثة مثيرة في مايو/أيار الماضي، اتهمت النجمة سكارليت جوهانسون الشركة بإطلاق برنامج يستخدم صوتًا مشابها لصوتها، رغم رفضها سابقًا المشاركة في المشروع.

وحتى الآن، لم تقم الأستوديوهات الكبرى برفع دعاوى قضائية على شركات الذكاء الاصطناعي، لكن هذا الخيار ليس مستبعدا في المستقبل.

من جهة أخرى، يسعى المشرّعون على المستويين الفدرالي والولايات إلى سن قوانين لمعالجة المخاوف المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، إذ وقع غافين نيوسوم حاكم كاليفورنيا قوانين لمكافحة انتشار “التزييف العميق” في الإعلانات السياسية، وسط مطالبات من هوليود لفرض المزيد من التشريعات.

لم تقم الأستوديوهات الكبرى برفع دعاوى قضائية على شركات الذكاء الاصطناعي حتى الآن (رويترز)

صفقة لايونزغيت مع رنواي توفر نموذجًا لكيفية صياغة الاتفاقيات المستقبلية؛ فبموجب الاتفاق، ستُدرب رنواي نموذج ذكاء اصطناعي باستخدام عدد محدود من الأعمال لاستخدامه من قبل الأستوديو والمخرجين المختارين. ولن تُستخدم بيانات لايونزغيت في تدريب نماذج رنواي الأخرى.

ويؤكد كريستوبال فالينزويلا الرئيس التنفيذي لرنواي أنه يدرك أن “هذه التقنية قوية للغاية، لكنها ليست صندوقًا سحريا يصنع الأفلام دون تحكم بشري.. هذه أدوات عظيمة للفنانين، والكثير منهم بدأ بالفعل في استخدامها، وأدرك أنها ستُحدث تغييرًا جذريا في المهنة”.

وتعمل شركات الذكاء الاصطناعي على توفير أدواتها للمزيد من العاملين في قطاع الترفيه، مع حوافز مالية أحيانًا. وقد بدأ بعض المبدعين في استخدام أدوات تحويل النصوص إلى فيديوهات في مقاطع موسيقية أو لإضافة خلفيات إلى محتوى “يوتيوب”.

لكن لا يزال من غير الواضح مدى سرعة قبول هذه الأدوات وإبرام الصفقات مع الأستوديوهات الكبرى.

واختتم أحد المدرين التنفيذيين قائلا “في نهاية المطاف، سيتعلق الأمر بالمال. فإذا كان العرض المالي كبيرًا بما يكفي، فلن تتردد الأستوديوهات في قبوله، ثم ستتعامل لاحقًا مع مسألة توزيع الأرباح وغيرها من التفاصيل”.

شاركها.
Exit mobile version