بروكسل- بمبادرة من الاتحاد الأوروبي، عُقدت أول قمة بين مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الأربعاء والخميس في بروكسل، لتعزيز الشراكة الجيوإستراتيجية لتجنب توسع الحرب في الشرق الأوسط وأوكرانيا، ومناقشة شروط التعاون الاقتصادي.

وانطوت القمة على رهانات مهمة، نظرا لإدراك الدول الأوروبية مدى أهمية دول الخليج على مستوى الأمن والطاقة، على الرغم من شعور الجانب العربي بخيبة أمل إزاء المعايير المزدوجة التي يتبعها الأوروبيون، إذ يدعمون أوكرانيا ضد روسيا ولا يعترضون على الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة.

وبينما أشاد متخصصون في شؤون الشرق الأوسط بتفاصيل ما قدمته هذه القمة التي تم التخطيط لها منذ بداية عام 2022، انتقد آخرون البيان الختامي الذي غاب عن صفحاته أي قرارات أو التزامات ملموسة، وبرزت فيه الاختلافات الواضحة في وجهات النظر بشأن ملف الحرب في غزة وأوكرانيا.

القمة الخليجية الأوروبية تدعو إلى تجنب اندلاع نزاع واسع النطاق في الشرق الأوسط

نتائج باهتة

أعرب السفير الفرنسي السابق برتراند بيزانسينو عن تفاؤله بشأن مخرجات هذه القمة بالقول إنها “فرصة لتقييم جميع المصالح المشتركة، وبداية لتعاون جديد في هذا العالم متعدد الأقطاب، في ظل وجود وعي حقيقي بضرورة تطوير العلاقة بين الطرفين، وإيجاد مشاريع مشتركة بين الشركات الأوروبية والخليجية”.

وعلى المستوى السياسي، يعتبر بيزانسينو -في حديثه للجزيرة نت- أن استقرار وسلام الشرق الأوسط يأتي في مقدمة جدول الأعمال، أما اقتصاديا فقد حان الوقت لكي تؤتي المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة ثمارها أخيرا، بعد أكثر من 20 عاما من المفاوضات، فضلا عن مناقشة أسعار النفط الخام، بما أن أوروبا هي الشريك الاقتصادي الرائد لدول الخليج.

ولم يخفِ الدبلوماسي الفرنسي الذي شغل منصب سفير بلاده في قطر والسعودية حقيقة غياب اتخاذ أي قرار بالمعنى الدقيق للكلمة، لكن “هناك رسالة واضحة تتمثل في إيجاد الوسائل لتعزيز هذا الحوار والتعاون على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية”.

وبعد الصين مباشرة، يمثل الاتحاد الأوروبي المورد الثاني لدول مجلس التعاون والمسؤول عن 16% من وارداته، كما تعد دول الخليج ثامن أكبر شريك تجاري للاتحاد، ورابع مستلم للاستثمارات الأوروبية المباشرة في الخارج، بقيمة بلغت 215 مليار يورو العام الماضي.

وفي المقابل، لا يعتقد المستشار السابق بالخارجية الفرنسية مناف كيلاني أن القمة لها أي أهمية، لأن البيان الختامي المؤلف من 12 صفحة، تطرقت 6 صفحات منه إلى مبادئ ليس فيها أي قرارات أو إنجازات ملموسة، رغم إشارتها إلى التطورات الإقليمية التي حدثت منذ عامين.

ولتفسير ذلك، أوضح كيلاني للجزيرة نت أن دول الخليج الست وجدت أمامها 27 دولة منقسمة، تشعر بحرج شديد من ضعفها الاقتصادي والسياسي والنقدي، وتحدثت عن إعادة بناء حصن أوروبا وسياسة مكافحة الهجرة بعد إعلانها عن حقوق الإنسان، وهو ما يشكل تناقضا صارخا من الجانب الأوروبي.

وأضاف المتحدث أنه رغم إشارة القادة إلى غزة والضفة والقدس إلا أنه لم يتم ذكر كلمة “فلسطين” أو تقديم أي مبادرة لصالح السلام، معتبرا أنه بدل تنظيم اجتماع لبضع ساعات في بروكسل، كان من الأفضل تأجيل هذه القمة أو إلغاؤها، لأن السياق الدولي غير مناسب، حتى يحفظ الاتحاد الأوروبي ماء الوجه.

البيان الختامي للقمة لم يذكر فلسطين أو روسيا صراحة رغم حديثه بشكل غير مباشر عنهما بشكل منفصل (أسوشيتد برس)

المأزق الروسي

وشكل حفاظ دول الخليج على علاقاتها الجيدة مع موسكو -بصفتها شريكا مهما للتنسيق بشأن أسعار النفط- أبرز نقاط الخلاف خلال اجتماعات القمة، فضلا عن عدم ممارسة الأوروبيين الضغط الكافي على إسرائيل من أجل التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب ووقف إطلاق النار.

وبسبب العقوبات والخلافات مع روسيا، يعتقد كيلاني أن الأوروبيين ركزوا أساسا على ضمان نوع من الالتزام من الدول العربية المنتجة للنفط بتزويد الاتحاد الأوروبي لفترة طويلة الأمد، من خلال عقد مشترك للمواد الهيدروكربونية بسعر مناسب أو منفصل عن سعر السوق، فضلا عن الاستثمارات والاقتصاد الأخضر والتجارة الدولية وتغير المناخ، دون أخذ الواقع بعين الاعتبار.

وفي سياق متصل، أوضح المستشار الفرنسي السابق أن المسألة الأوكرانية كانت في قلب المحادثات، بغرض فصل دول الخليج عن أي ترتيب مع روسيا فيما يتعلق بالإمداد والإنتاج وعرض أسعار النفط والغاز “لكن النتيجة كانت عكسية، لأنه في هذه الأثناء انضمت كل من السعودية والإمارات منذ بداية هذا العام إلى مجموعة بريكس التي ينص ميثاقها على ألا يضعف أو يعارض أي من الدول الأعضاء الآخر”.

وتابع بالقول “لم يتم ذكر كلمة روسيا على الإطلاق في البيان الختامي، لكن هناك إدانة مبطنة لها بين السطور. أما فيما يتعلق بإيران، فيوجد قدر معين من التسامح من قبل دول الخليج ودعوة خجولة من الاتحاد الأوروبي للقول إن على طهران الامتثال للوكالة الدولية للطاقة الذرية وتجنب تصعيد الصراعات في لبنان وغزة”.

بدوره، أشار الدبلوماسي الفرنسي إلى حفاظ كل من السعودية والإمارات على اتصالاتها مع روسيا والتدخل لإطلاق سراح السجناء رغم أن الأمر لم يذهب إلى أبعد من ذلك. لكنهما على استعداد لتقديم المساعدة، وظلت علاقتهما قائمة مع موسكو، كما تم تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا من قبل السعودية.

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح أن الدول الأوروبية حاولت منذ البداية إقناع روسيا بالتوقف والتفاوض، نظرا لوجود انتهاك حقيقي للقانون الدولي، لكن لم ينتج عن ذلك أي أمر إيجابي “لذا، قد تكون هذه القمة فرصة للنقاش المشترك ووضع روسيا في مواقف أفضل مما هي عليه، لأنها مستمرة في القصف والتسبب في الضحايا والتدمير”.

غزة الحاضرة الغائبة

حظيت حرب غزة بحيز كبير من النقاش بين الدول المشاركة في القمة، فقد أكد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ضرورة حل الصراعات وإيجاد حل للقضية الفلسطينية، بينما دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى حشد كل المهارات الدبلوماسية لوقف التصعيد الخطير للغاية.

وتأتي هذه التصريحات ضمن ما توقعه السفير الفرنسي السابق قائلا “أفهم جيدا حثّ دول الخليج الأوروبيين على بذل المزيد من الجهد فيما يتعلق بفلسطين، لكن على الدول الأوروبية أيضا تأكيد ضرورة إقناع روسيا بوضع حد لعدوانها في أوكرانيا، بما أنهم حافظوا على علاقاتهم معها” مشددا على أن انتقاد المعايير المزدوجة “يذهب في الاتجاهين”.

أما فيما يتعلق بإيران، فيعتبر بيزانسينو أنه رغم استعادة السعودية والإمارات ودول الخليج الأخرى علاقاتها الدبلوماسية مع إيران إلا أنه لا تزال هناك مخاوف بشأن سلوك طهران “وسواء كان الأمر يتعلق بالبرنامج النووي أو بهذه التدخلات المزعزعة للاستقرار في المنطقة، فنحن على اتفاق كامل بشأن هذا بين دول الخليج والدول الأوروبية”.

وتعليقا على ما صدر في البيان الختامي، انتقد كيلاني عدم وجود سياسة مستقلة أوروبية بشأن أي قضية، موضحا أنه “تمت الإشارة إلى المستوطنين في فقرة قصيرة جدا دون ذكر كلمة إسرائيل أو حكومتها، أو إدانة مباشرة للحرب الحالية في غزة ولبنان”. وفي أمور أخرى أضفت الكلمات المستخدمة الشرعية على العمل الإسرائيلي “الذي لا ينبغي مهاجمته وجها لوجه لأنه يلتزم بإخلاص للخط الأميركي”.

ويرى المستشار السابق بالخارجية الفرنسية أنه عندما يتعلق الأمر بغزة “يشعر الجميع بالإحراج” وأول من يتعرض للعرقلة هم الأوروبيون الذين أرادوا ألا يعيشوا تجربة هذه الأحداث ويشعرون بعدم قدرتهم على المساهمة بشيء، حتى تجاه شريكهم الأميركي الذي يتوقع الحفاظ على تأكيد مواقفهم المؤيدة لإسرائيل والمناهضة لروسيا.

شاركها.
Exit mobile version