منذ بدء استخدام الطيران العسكري بشكل موسع في الحروب إبان الحرب العالمية الأولى (1914-1919)، وبشكل أخص خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) التي شهدت ميلاد الطيران الحربي الحديث، شهد العالم معارك جوية تركت بصمات مميزة في التاريخ العسكري، مثل معركة بريطانيا بين النازيين والإنجليز عام 1940، والمعارك الجوية بين الولايات المتحدة واليابان على جبهة المحيط الهادي، حين كانت حاملات الطائرات تعج بالمقاتلات التي تفرغ خزائنها وتُعيد ملئها مرات ومرات.

وخلال الأيام الأولى للغزو الألماني النازي للاتحاد السوفياتي في يونيو/حزيران 1941، خسر السوفيات أكثر من 2000 طائرة في مواجهة سلاح الجو النازي (اللوفتفافه – Luftwaffe) الأكثر تطورا، معظمها دُمِّرت على الأرض.

خلال تلك المعارك ومثيلاتها، نشأ وتطور نمط المعارك الجوية التقليدي القائم على اشتباك طائرتين أو أكثر ضمن النطاق البصري المعروف باسم “دوغ فايت” (Dogfight)، حيث يقوم الطيارون بمناورات حادة وسريعة لمحاولة إسقاط طائرات الخصم باستخدام المدافع الرشاشة أو الصواريخ قصيرة المدى.

لكن نمط “دوغ فايت” أو حروب “القتال الجوي عن قرب” عموما بدأ يخفت فعليا خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وتحديدا منذ حرب الخليج الثانية مع تواري الحروب الجوية بين الدول المتكافئة لصالح حملات القصف الجوي ضد الدول الأضعف والتنظيمات المسلحة وصعود الحروب غير النظامية.

إلا أن عجلة التاريخ تدور مجددا لتجلب صراعات الدول إلى الواجهة مرة أخرى، سواء بين الولايات المتحدة والصين أو بين روسيا وأوروبا أو توترات شبه القارة الهندية بين الهند وباكستان، وهو ما يُنذر بعودة المعارك الجوية المباشرة إلى الواجهة مجددا.

لكن معارك الجو المستقبلية لن تكون استنساخا لمواجهات “دوغ فايت” القديمة. فمع إدماج تقنيات الذكاء الصناعي في الطيران الحربي، وانتشار الطائرات بدون طيار، وتطوير الصواريخ الجوية بعيدة المدى، والتطور في شبكات الاتصال ونظم الرادارات، من المرجح أن تشهد أنماط القتال الجوي تطورا جذريا، ويُعد صعود “القتال خارج مدى الرؤية” هو الوجه الأبرز لهذا التطور.

معارك الجو المستقبلية لن تكون استنساخا لمواجهات “دوغ فايت” القديمة (غيتي)

القتال خارج مدى الرؤية

يُعرف القتال فيما وراء الرؤية، المعروف اختصارا في الأدبيات العسكرية باسم “بي في آر” (BVR)، بأنه ذلك القتال الجوي الذي يجري على مسافة تتجاوز قدرة العين البشرية أو المنظار البصري على رؤية الطائرة المعادية (عادة أكثر من 30 كم)، أي إن الطيارين المتحاربين لا يمكنهم رؤية بعضهم بعضا. وأصبح هذا النوع من القتال ممكنا بفضل التطور الهائل لصواريخ “جو-جو” بعيدة المدى التي تمنح الطائرات المقاتلة ميزة استهداف طائرات العدو دون أن تكون في المدى الناري التقليدي لها.

ويعود مفهوم القتال خارج مدى الرؤية إلى زمان الحرب الباردة، لكنه تعرض لتشكيك كبير وقتها بسبب التكلفة الهائلة لتقنيات القتال بعيد المدى، وقد تحول في عالم اليوم إلى الثورة الأهم على صعيد القتال الجوي.

ولكي نفهم لماذا يُعد هذا النوع من الصواريخ ثوريا، دعونا نفترض سيناريو بسيطا: طائرتان مقاتلتان من الجيل الخامس تحلقان في سماء المعركة، متطابقتان تقريبا في كل شيء، ففي السرعة كلتاهما أسرع من الصوت، وفي قدرات التخفي تكاد كلٌّ منهما أن تكون غير مرئية للرادارات التقليدية، وحتى في أنظمة الرصد المتقدمة التي تسمح لهما بكشف بعضهما بعضا في الوقت نفسه وفي القدرة على المناورة لتفادي الصواريخ والاشتباك القريب. لكن هناك فارق واحد فقط، إحدى الطائرتين تحمل صاروخ جو-جو طويل المدى، بينما الأخرى تعتمد على صواريخ تقليدية ذات مدى أقصر.

كلتا الطائرتين تكشفان وجود بعضهما على شاشات الرادار، لكن الطائرة المزودة بالصاروخ طويل المدى تمتلك القدرة على إصابة خصمها على الفور، في حين لا تمتلك طائرة الخصم الميزة نفسها. ساعتها يتخذ قائد الطائرة قرار الإطلاق، وينطلق الصاروخ بسرعته الهائلة (أسرع من الصوت عدة مرات)، متجاوزا عشرات الكيلومترات في ثوانٍ قليلة. الطائرة الأخرى سرعان ما تدرك أنها مستهدفة، لكنها لم تدخل بعد في نطاق يسمح لها بالرد، ومن ثم فكل ما تستطيع فعله هو محاولة المناورة والدفاع، لكن الصاروخ الذكي مصمم أيضا لتفادي إجراءات التشويش والمراوغات.

النتيجة؟ قبل أن تتمكن الطائرة الثانية من الاقتراب بما يكفي لاستخدام أسلحتها، تنفجر قربها شظايا الصاروخ الذي يضرب خارج المدى البصري، وتدمرها أو تجعلها عاجزة عن القتال، ومن ثم يصبح النصر مضمونا لمَن يمتلك المدى الأطول للصواريخ، رغم تكافؤ كل العوامل الأخرى.

وإذا نظرنا إلى مثال عملي قريب، فقد شهدت المواجهة الأخيرة بين الهند وباكستان في مايو/أيار الماضي قيام إسلام أباد باستخدام صواريخ “جو-جو” بعيدة المدى، صينية الصنع، من طراز “بي إل-15” ضد المقاتلات الهندية، لتنجح في إسقاط خمس طائرات وفق الرواية الباكستانية، وطائرة واحدة على الأقل حسب الرواية الهندية.

يمكن لهذا النموذج أن يفسر سر تنافس الدول الكبرى على امتلاك هذه التقنية، حيث تتمثل الفكرة الرئيسية وراء القتال فيما وراء الرؤية في إمكانية إصابة الخصم من أبعد نقطة ممكنة قبل أن يتمكن هو أن يصيبك، وهو ما يخلق مضمارين للسباق بين الدول، الأول تطوير الصواريخ بحيث يمكنها إصابة أهدافها من مسافة أبعد، وتطوير تقنيات التخفي والمناورة التي تسمح للطائرات بالاقتراب إلى أقصى حدٍّ ممكن قبل أن تصبح هدفا لصواريخ الخصم.

شبكات | باكستان تسقط 6 طائرات عسكرية هندية وتدمر كتيبة في كشمير

الصواريخ بعيدة المدى

تُعد الصواريخ المُطلقة من الطائرات قديمة قدم الطيران الحربي نفسه، حيث استُخدمت صواريخ “جو-جو” منذ الحرب العالمية الأولى على الأقل.

ولكن الجديد أنه على مدى العقود الماضية، سعت الدول لتطوير مدى تلك الصواريخ وقدرتها على إصابة أهدافها، وقد فرض هذا التطوير واقعا جديدا في مجال الهيمنة الجوية، وتحديات تكنولوجية جديدة تبدأ من محركات الصواريخ ولا تنتهي عند مجال الرادارات وشبكات الاتصال.

هناك عاملان أساسيان لازمان لنجاح الصاروخ طويل المدى: محرك قوي يُمكّنه من حمل الصاروخ لأطول مسافة مع قدرة على التوجيه، ثم نظام توجيه إلكتروني يستند إلى شبكة اتصالات متقدمة. على صعيد المحركات، يمكن الصواريخ أن تُزوَّد بنوعين من المحركات، الأول هو محرك قذف صاروخي يعتمد على وقود صلب أو سائل، وهذا النوع من المحركات يحتوي في داخله على الوقود والعامل المؤكسِد (المادة الكيميائية التي توفر الأكسجين اللازم لاحتراق الوقود) معا، مما يجعله لا يحتاج إلى الهواء ويُعد مناسبا أكثر للطيران في الفضاء الخارجي. وغالبا ما يتمتع هذا النوع من المحركات بمدى أقصر نسبيا بسبب المساحة التي يشغلها خزان المادة المؤكسدة، لكنه يتمتع على الأرجح بتفوق واضح على صعيد السرعة.

أما النوع الثاني فهي المحركات النفاثة، وهذا النوع من المحركات يحتاج إلى الهواء للحصول على الأكسجين اللازم لاحتراق الوقود، مما يجعله مناسبا أكثر للصواريخ التي تطير داخل الغلاف الجوي للأرض. يتميز الصاروخ ذو المحرك النفاث بقدرته على الطيران لمدة طويلة، لأن محركه يعتمد على أكسجين الهواء الخارجي، وبالتالي يمكن تحميله بكمية أكبر من الوقود، وهو ما يجعل المحركات النفاثة أكثر مناسبة لزيادة مدى الصاروخ، رغم أن سرعته تكون أبطأ من الصواريخ المزودة بالوقود التقليدي.

في بعض الأحيان، تُصمَّم الصواريخ كي تكون متعددة المراحل، بمعنى أنها تحتوي على أكثر من محرك، وهي محركات مركَّبة بوصفها أجزاء ومنفصلة عن بعضها بعضا بحواجز. ومع إطلاق الصاروخ تعمل هذه المحركات على التوالي، حينما ينتهي وقود المحرك الأول ينفصل عن الصاروخ، ويبدأ المحرك الثاني معطيا دفعة جديدة للصاروخ من أجل زيادة مداه.

ومع المسافات الشاسعة التي تقطعها الصواريخ بعيدة المدى، فإنها تحتاج إلى نظام توجيه متقدم، يعتمد على شبكة اتصالات متقدمة توفر معلومات حية وفورية عن مواقع طائرات الخصم.

وفي بعض الأحيان، يُوجَّه الصاروخ من خلال رادار الطائرة التي تحمله وتتولى مهمة تحديد مكان الهدف قبل الإطلاق أصلا، أو من خلال رادار مستقل ونظام استشعار مثبت في الصاروخ نفسه يُمكّنه من التحليق دون حاجة إلى توجيه خارجي، وهو ما يُطلق عليه عادة ميزة “أطلِقْ وانسَ”، وفيها تقتصر مهمة الطائرة على إطلاق الصاروخ ليتولى مهمة توجيه نفسه وتعديل مساره. ومن الممكن أن يعتمد الصاروخ بعد إطلاقه على التتبع الحراري للهدف عند مدى معين، دون أن يمتلك رادارا بالمعنى المعروف.

بالإضافة إلى تلك السمات الأساسية (مثل المدى ونوع المحرك ونظام التوجيه) هناك عدة عوامل أخرى تسهم في تحديد كفاءة الصاروخ، منها خفة الوزن لكي يسهل تحميله على المقاتلة، وانسيابية التصميم التي تسهل حركته في الهواء، وأيضا التكلفة المالية التي تحدد إمكانية إنتاج أعداد كبيرة منه وتعويض المفقود في ساحات المعركة باستمرار.

الصاروخ الأميركي “أيم-120 أمرام (رويترز)

تنافس عالمي محتدم

نظرا للدور الكبير الذي يُرجح أن تلعبه تلك الصواريخ في مجال الهيمنة الجوية، تتسابق الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين وعدد من الدول الأوروبية في إنتاج وتطوير وتحسين صواريخ “جو-جو” بعيدة المدى، لا سيما وقد شهدت تكنولوجيا الصواريخ تطورا كبيرا في العقود الماضية.

في مطلع القائمة تأتي الولايات المتحدة الأميركية، وتمتلك في الخدمة الآن أشهر صواريخ “جو-جو” بعيدة المدى، ويُعد بمنزلة النموذج الأوّلي الذي يُحاكَى حينما تنوي دولة ما تصنيع صاروخ من هذا النوع، وهو “أيم-120 أمرام) (AIM-120 AMRAAM)، الذي دخل الخدمة الفعلية في 1992 ومنذ تلك اللحظة ما زال يخضع لتحديثات مستمرة، أسفرت عن زيادة مدى الصاروخ إلى 160 كيلومترا، مع وزن يصل إلى 150 كيلوغراما، وطول 3.66 أمتار تقريبا.

ورغم الكفاءة العالية للصاروخ الأميركي فإن هذه الأرقام تضعه في مرتبة أقل -نظريا- من أحدث الصواريخ الصينية المناظرة، وهو صاروخ “بي إل-15” (PL-15)، حيث يُقدَّر أقصى مدى للصاروخ بنحو 200-300 كيلومتر.

ولذلك تسعى الولايات المتحدة من خلال مشروعين منفصلين لتطوير طرازين من الصواريخ المحمولة جوًّا، الأول تابع لسلاح الجو وهو الصاروخ “أيم-260” (AIM-260 JATM)، والثاني تابع للبحرية وهو الصاروخ “إيه آي إم-174 بي” (AIM-174B)، وهو نسخة معدلة للإطلاق الجوي من صاروخ البحرية التقليدي “إس إم-6” (SM-6).

وقد كشفت الولايات المتحدة عن أول نسخة من الصاروخ علنا في مايو/أيار الماضي خلال فعالية يوم الصداقة التي أُقيمت في قاعدة مشاة البحرية في إيواكوني باليابان. وتأمل واشنطن أن تؤدي النسخة البحرية الخاصة من الصاروخ دورا جيدا في جبهة المحيط الهادي، مع تنامي القوة الصينية وتوقعات أميركية بأن يصل مدى الصواريخ المضادة للطائرات التي يمتلكها خصومها إلى أكثر من ألف ميل بحلول عام 2050.

تسير أوروبا فيما يبدو على الخُطى نفسها، بفضل صاروخ “ميتيور” (Meteor)، وهو ثمرة تعاون مجموعة دول أوروبية (بريطانيا ـ فرنسا ـ ألمانيا ـ إسبانيا ـ إيطاليا – السويد)، ويعتمد على محرك نفاث، يصل مداه إلى نحو 200 كيلومتر، كما أنه مزود برادار يمكنه من تحديد مكان هدفه والمسافة بينه وبين الهدف الذي يمرق نحوه بسرعة تصل إلى نحو أربعة أضعاف سرعة الصوت (نحو 5000 كم/ساعة). وتم تجربة تحميله على أشهر المقاتلات الأوروبية، مثل المقاتلة السويدية “ساب-جاس 39″، ومقاتلة “يوروفايتر تايفون” ومقاتلات “رافال الفرنسية”، والمقاتلة الأميركية “إف-35″، وهناك خطة أوروبية لتحديث الصاروخ ليواكب التحديات المعاصرة.

أبعد من الغرب

بعيدا عن العالم الغربي، هناك منافسة محمومة من جانب كلٍّ من روسيا والصين في هذا المجال. روسيا تحديدا لديها طموح من نوع آخر، حيث تشير تقارير استخباراتية أميركية إلى أن موسكو تعمل على تزويد طائراتها المقاتلة بصواريخ ذات رؤوس نووية، وليس ذلك بمستغرب بالنسبة للروس الذين يُظهرون اهتماما خاصا بالأسلحة غير التقليدية.

على الأرجح فإن الصاروخ المقصود هو نسخة من الصاروخ جوّ-جو طويل المدى “آرـ37 إم” (R-37M)، وهو أحد الصواريخ بعيدة المدى الأساسية في الترسانة الروسية، ويصل مداه إلى 300 كيلومتر، وينطلق بسرعة فرط صوتية تصل إلى نحو 6 ماخ (أي 6 أضعاف سرعة الصوت – أكثر من 7300 كم/ساعة)، برادار مستقل ويمكن أن يستهدف أي طائرات بما يشمل المقاتلات والقاذفات وطائرات التحكم والاستطلاع.

هناك صاروخ روسي آخر هو الصاروخ “كي-172 نافاتور” (K-172 Novator) المُصمَّم أصلا للهجوم على الطائرات الداعمة، مثل طائرات الاستطلاع والتحكم، وطائرات التزود بالوقود، وطائرات الحرب الإلكترونية، لأجل حرمان الخصم من المعلومات وسائر أشكال الدعم في ساحة المعركة. يمتلك الصاروخ رادارا مستقلا عن رادار الطائرة يصل مداه إلى 300 كيلومتر، ومنحت روسيا من خلاله قُبلة الحياة لمقاتلاتها العتيقة “ميغ-31” بعدما نجحت في تسليحها به.

تُعد الصين هي الحصاد الأسود الحقيقي في هذا المجال. لفترة طويلة، كان هناك اعتقاد سائد وسط صفوف المحللين الغربيين بأن الصواريخ الصينية ما هي إلا نسخ رديئة مقلدة من مثيلاتها الغربية. ولكن بحسب منصة “ذا وور زون” المتخصصة في الشؤون العسكرية، فإن الآونة الأخيرة شهدت قبولا واسعا لإمكانية أن تكون النسخ الصينية أفضل من مثيلاتها الغربية.

خلال الصراع الهندي الباكستاني الأخير، برز اسم الصاروخ الصيني “بي-15″، وهو صاروخ يعمل بالوقود الصلب، ومزوّد برادار مستقل يعمل عبر مصفوفة مسح إلكتروني نشط تتكون من عشرات الحساسات الصغيرة، التي ترسل الموجات، ثم تستقبلها مرة أخرى، فتستطيع رصد الخصم ثم إطلاق الصاروخ تجاهه بسرعة تصل إلى نحو 4 ماخ (أربعة أضعاف سرعة الصوت).

يُزوَّد الصاروخ بمحرك ثنائي الأجزاء (حيث ينفصل الجزء بعد احتراق وقوده)، ويشار إليه أيضا بالمحرك ثنائي النبضات. ويصل مدى النسخة المُخصصة للتصدير منه إلى ما بين 145-150 كيلومترا، وهي غالبا النسخة التي تمتلكها القوات الجوية الباكستانية التي حصلت على الصاروخ لتسليح الطائرة “جي-10 سي” (J-10 C) الصينية، ونجحت عبرها في استهداف المقاتلات الهندية خلال النزاع الأخير.

هذا الصاروخ هو النسخة الأخيرة من الصواريخ جو-جو الصينية، وقد طورت الصين نسخة شبحية من هذا الصاروخ تحت اسم “بي إل – 15 إي” (PL – 15E). جدير بالذكر أن مسيرة الصين نحو تطوير صواريخ “جو-جو” بدأت منذ ثمانينيات القرن الفائت، وكانت الصواريخ الصينية المبكرة نسخا من الصواريخ السوفياتية، وكانت ذات مدى أقصر، ومنذ ذلك الحين خاضت الصين مسيرة بعيدة لأجل تطوير صواريخها المحمولة جوًّا حتى الوصول إلى الصاروخ “بي إل-15”.

الصاروخ الصيني “بي إل – 15 إي” (وكالات)

تحديات جديدة في القتال الجوي

تفرض الصواريخ بعيدة المدى تحديات كبيرة وغير مسبوقة على الطائرات المقاتلة، وهناك طيف واسع من التقنيات التي يلجأ إليها الطيارون لتفادي الإصابة بصاروخ طويل المدى. وغالبا ما تكون المشكلة الأولى والرئيسية هي تحديد الصديق من العدو، وهو ما تفشل الرادارات الحديثة في فعله بدقة حتى الآن.

بالنظر إلى بُعد المسافة وتطور تقنيات التخفي، أصبح من الصعب على الطيار أن يحدد إذا ما كان مَن يقترب منه صديقا أم عدوا يجب إطلاق النار عليه. وتزداد هذه المشكلة تعقيدا حين يحظر الاتصال المباشر بين الطيارين في ساحة المعركة خوفا من اختراق أنظمة الاتصالات وتعرض الطائرات للانكشاف.

هذه التعقيدات قد تزيد من زمن اتخاذ القرار لدى الطيارين الذين قد يصبحون في مرمى نيران الخصوم فجأة دون إنذار. في تلك اللحظة، يراهن الطيار على أنظمة الحماية المتوفرة في طائرته، مثل الأسلحة الليزرية والكهرومغناطسية بالإضافة إلى الطعوم التي تطلقها الطائرة، وهي عبارة عن شظايا أو دخان يدفع الصاروخ الموجَّه حراريا لتتبعه عوضا عن الطائرة.

وبعيدا عن التحديات العملياتية، فإن انتشار القتال خارج مدى الرؤية ربما يدفع لإعادة النظر في الخيارات التصميمية التي تستهدف زيادة قدرة الطائرات على المناورة وتغيير الاتجاه خلال معارك الاشتباك المباشر “دوغ فايت”.

وعوضا عن ذلك سوف تسود تكتيكات جوية غير مألوفة مثل نصب الكمائن، حيث تكمن الطائرة على ارتفاع كبير، ومن ثم تنتهز الفرصة لمهاجمة العدو بغتة، وهكذا تلعب الطائرة المقاتلة دور القائد الذي يرسل المسيرات والصواريخ التي ستؤدي دور البيادق أو المشاة في معارك أولية قبل أن يتدخل عندما يشتد وطيس المعركة.

التأثير الأكبر أن ذلك النوع الجديد من المعارك الجوية سوف يضطر العديد من الدول إلى إعادة تعريف مجالها الجوي الحيوي، لأنها من الممكن أن تكون عُرضة للتهديد من طائرات خارج مجالها الجوي المعتاد، ومن ثم باتت مضطرة أن تهتم بخلو الأجواء المجاورة من التهديدات أيضا عن طريق تطوير منظومات دفاع جوي بعيدة المدى يمكنها أن تعترض طائرات تقع خارج حدودها.

يفتح ذلك التعريف الواسع للأمن الجوي مجالا واسعا لسوء الفهم والصراعات بين الدول، التي ستكون واحدة من التداعيات القليلة للقتال خارج المدى البصري الذي يُعد الثورة الأكبر والأكثر تأثيرا في الطيران الحربي منذ عقود.

شاركها.
Exit mobile version