تدريجيا، انتقل ثقل الحرب المتصاعدة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 خارج قطاع غزة، وصارت المواجهة الإسرائيلية مع حزب الله ومع إيران نفسها هي الأخطر والأكثر تحديدا لمسار الحرب. كانت إيران قد انتهجت منذ عقود نهجا إستراتيجيا دفاعيا يتجنب خوض مواجهات مفتوحة، ويعتمد على مراكمة القوة والتمدد الحثيث والبطيء في محيطها الجيوسياسي، خاصة في غرب آسيا، وأُطلق على هذا النهج اسم “الصبر الإستراتيجي”.

ولكن بعد عام من المواجهة بين الاحتلال الإسرائيلي وبين فصائل المقاومة الفلسطينية وما يسمى “جبهات الإسناد” التي دخلت على خط المعركة في سياق الحرب على غزة، تجد إيران نفسها في تحدٍّ كبير للحفاظ على النهج ذاته، بعد أن اقترب لهيب النهار منها لدرجة أنه لم يعد بالإمكان التحوط منه، ولا من شظاياه، والالتزام بـ”الصبر” وحده، ما يدفع الإيرانيين نحو مراجعة حتمية لسياساتهم.

الصبر الاستراتيجي: المفهوم والتطبيق

لا يُعد مفهوم “الصبر الإستراتيجي” ابتكارا إيرانيا، ولكن له جذور في العلوم العسكرية تعود إلى ما يسمى بـ”الإستراتيجية الفابية”، وتُنسب إلى الروماني “فابيوس ماكسيموس” الذي خطط لهزيمة القائد القرطاجي “حنبعل” أو “هانيبال” بطريقة لم تُؤلف في تاريخ الحروب الرومانية، حيث اعتمد ماكسيموس على مشاغلة جيش حنبعل وحصاره وضرب خطوط إمداده وجرِّه إلى حرب استنزاف طويلة الأمد، مع تجنب الدخول معه في معارك حاسمة أو فاصلة مراعاة للفارق في ميزان القوى. وفي هذا النوع من المواجهات، غالبا ما يلعب الزمن دورا لصالح الطرف الأقل قوة، بخلاف الحروب التقليدية التي تعتمد على المواجهة الشاملة والمفتوحة.

وأيًّا ما كانت النتيجة التاريخية لهذه الحروب، فإنها أسست لمدرسة في الإستراتيجية العسكرية ونمط قتالي يعتمد على المواجهة غير المباشرة، وكانت له تطبيقات مهمة في التاريخ العسكري، أبرزها حرب الاستقلال الأميركية بقيادة جورج واشنطن (1775-1783). فعندما أغرت النجاحات الأولى الأميركيين لمواجهة الجيش البريطاني، اندفع واشنطن نحو نيويورك عام 1776 ودخل في مغامرة عسكرية تقليدية، كادت قواته أن تفنى خلالها، وقد دفعه ذلك إلى اعتناق إستراتيجية مختلفة، على النمط الفابي، تقوم على ضرب المستوطنات البريطانية بأسلوب يقلل من حِدّة العقاب العسكري الذي تتلقاه قواته، وقد أثَّرت هذه الإستراتيجية على المدى الأبعد في الروح المعنوية والاستعداد القتالي للبريطانيين، وهيَّأت لمواجهة حاسمة بين الطرفين لاحقا بدءا من عام 1781.

وفيما يبدو أن ايران تعلَّمت درس جورج واشنطن ذاته من خلال خبرة المواجهات والتجارب الصعبة. فبعد عام واحد من الثورة الإسلامية عام 1979، وجدت طهران نفسها في مواجهة عسكرية تقليدية مع الجمهورية العراقية في فترة حكم الرئيس الراحل صدام حسين، اندلعت على خلفية النزاعات الحدودية بين البلدين، خاصة حول مياه شط العرب. استمرت الحرب ثمانية أعوام، بدءا من سبتمبر/أيلول 1980 وحتى أغسطس/آب 1988، وكانت تكلفتها البشرية والمادية على الطرفين هائلة وقاسية. وتُقدِّر بعض المصادر أن مليون إنسان قُتلوا من الجانبين، أكثرهم من الطرف الإيراني الذي اعتمد إستراتيجية الهجوم المتتالي بموجات بشرية ضخمة، كما قُدِّرت كلفة الحرب المادية بأكثر من 400 مليار دولار.

وبالتالي من المرجح بشكل كبير أن تلك الحرب تركت آثارها في العقلية الإستراتيجية الإيرانية. بادئ ذي بدء، أدركت طهران أن ثمة حاجة ماسة إلى تأمين مجالها الحيوي والتمدد خارج حدودها، والأهم أنها عزمت -ما دام بإمكانها ذلك- على تجنب المواجهات الشاملة التي خلَّفت أضرارا كارثية ما زالت عالقة في أذهان قادة إيران الحاليين. ومن ثم طورت إيران إستراتيجية للتمدد في إطار دفاعي، تمزج بين مفهومَيْ “الصبر الإستراتيجي”، الذي يضمن تجنب خوض المعارك المباشرة، و”الدفاع الأمامي”، الذي يكفل لها التمدد خارج حدودها بشكل متدرج وغير مباشر لتجنب الدخول في معارك مفتوحة، مع إلحاق الأذى العميق بخصومها على المدى الطويل.

فيلق القدس: مراكمة القوة خارج الحدود

لخدمة هذه الإستراتيجية، استثمرت طهران في تطوير برنامج هائل للصواريخ الباليستية استوعب غالبية الإنفاق العسكري الإيراني. وقد منحت الصواريخ إيران طريقة لردع خصومها، بل وإلحاق الأذى بهم عن بُعد إذا لزم الأمر. وبشكل لا يقل أهمية، أسست إيران بعد انتهاء الحرب مع العراق، “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري، وأناطت به مهمة إدارة علاقات إيران العسكرية مع المنظمات المسلحة خارج حدودها، وكانت النواة الأولى للفيلق قد تشكَّلت بالفعل داخل الحرس الثوري من المجموعات التي أسهمت في دعم الأكراد العراقيين في مواجهة صدام حسين في نهاية سنوات الحرب مع العراق.

كان أول النشاطات البارزة لفيلق القدس هو دعمه لحزب الله اللبناني الذي تأسس في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي للبنان. وفي غضون فترة قصيرة أصبح الحزب رقما صعبا في المعادلة اللبنانية الداخلية، وبنى سمعة جيدة في المنطقة بفعل قتاله ضد إسرائيل، قبل أن يتمدد نفوذه إلى سوريا والعراق في أعقاب الربيع العربي ويشارك في قمع الثورة ضد نظام بشار الأسد في سوريا. أعطى فيلق القدس في سنواته الأولى أيضا اهتماما للتمدد شرقا، ويُعتقد أنه ساند “تحالف الشمال” في أفغانستان بقيادة أحمد شاه مسعود في حربه ضد طالبان بعد سيطرتها على أفغانستان لأول مرة، وتحديدا بعد حادثة 1998 التي أسفرت عن مقتل 10 دبلوماسيين إيرانيين بعد حصار القنصلية الإيرانية في مزار شريف.

على مدار ثلاثة عقود من “الصبر الإستراتيجي”، الذي لم يكن سكونا ولا انتظارا سلبيا كما يظهر، طورت إيران نفوذا عسكريا بالغ الأهمية داخل جغرافيا ملتهبة أشارت لذلك خريطة تفصيلية للنفوذ الإيراني صدرت عن مؤتمر ميونخ للأمن عام 2020. وذلك من خلال بعض دعم الأذرع والقوى غير النظامية، والتي ترتبط بعلاقات تنسيق مع طهران، وهي تختلف في درجة العلاقة من الاندماج الكامل والتوجيه المباشر، إلى مجرد التنسيق. وقد تعددت جبهات ومستويات عمل شبكة الحلفاء هذه، بيد أن الأثر الأبرز لهذه الإستراتيجية، تمثل في استطاعة إيران تشكيل تهديد متعدد المواقع ضد خصومها، ومنها اسرائيل، بما يسمى في خطاب الدوائر السياسية والأمنية الإسرائيلية بـ “حلقة النار” الإيرانية. وبفضل هذه الحلقة، أضحت إسرائيل تشعر بالتهديد مصدره نقاط ساخنة منتشرة في محيطها الإقليمي ومن اتجاهات عدة.

فيلق القدس و قاسم سليماني (الجزيرة)

طوفان الأقصى: انهيار الصبر الاستراتيجي

رغم هذا التمدد في نفوذ إيران، فإنها ظلَّت حريصة على الالتزام بإستراتيجيتها الدفاعية القائمة على تجنب الانخراط المباشر في المواجهات، ورسمت خطا إستراتيجيا لوكلائها يراعي هذا النهج ويعاير بدقة موازين القوى. لكن ما حدث صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 كان بمنزلة إعلان نهاية هذه الإستراتيجية، وتقويضا تاما لفرص استمرارها، إذ يتطلب نهج “الصبر الإستراتيجي”، بوصفه منطقا دفاعيا بالأساس، عدم تهديد مراكز ثقل الخصم ونقاط قوته الأساسية، وعوضا عن ذلك تُستخدم تكتيكات لضرب الأطراف والتأثير في الروح المعنوية وخلق بيئة مضطربة، مما يضطر الخصم في النهاية لتغيير قناعته حول قدرته على فرض إرادته العسكرية، وهو ما فعله طوفان الأقصى الذي ضرب إسرائيل في مركز ثقلها وهو قدرتها على توفير الأمن لمواطنيها، وردع خصومها عن مهاجمتها.

هذا الواقع الجديد الذي فرضه طوفان الأقصى، خاصة مع انضمام جبهات أخرى إلى الحرب، زاد من شعور قادة إسرائيل بخطورة ما يسمى بـ”محور المقاومة”، وما يمكن أن يُمثِّله من تهديد وجودي لها. وقد دفع هذا التحول إسرائيل إلى التخلي عن عقيدتها القتالية السائدة منذ اتفاق أوسلو 1993، وأسقطت من حساباتها العديد من نقاط الحذر السابقة، فلم تعد تعبأ بطول مدة الحرب وتعدد جبهاتها، وصارت أقل حساسية بكثير نحو الخسائر البشرية. ويبدو أن ثمة قرارا مجمعا عليه داخل إسرائيل بتصفية جميع التهديدات التي يُمثِّلها محور المقاومة وصولا إلى طهران نفسها.

وما يظهر من خلاف داخل الطبقة القيادية في إسرائيل حول القبول بتهدئة في غزة تشمل صفقة تبادل أسرى يجب ألا يُقرأ على أنه خلاف حول التوجه الإستراتيجي، بل هو خلاف في النظرة للأولويات الآنية، بين طرف يرى أن التهدئة في غزة – التي سيكون ثمنها إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين – لن تعوق إسرائيل عن استئناف القتال مجددا تحت أي ذريعة لتستكمل أهدافها، وطرف آخر يرى أن “تبريد” الجبهة في غزة ولو مؤقتا سيصب في صالح المقاومة، التي سيكون بإمكانها إعادة ترتيب صفوفها وترميم بنيتها التحتية في شهور التهدئة، لكنَّ الطرفين متفقان تماما على استمرار الحرب، في ظل تعبئة مجتمعية هائلة يغذيها الشعور بالخوف والتهديد، وإن طالها الانقسام حول مسألة الهدنة.

ونتيجة لهذه الديناميات، وجدت إيران نفسها، في توقيت لم تستعد له، أمام “ورطة” جيوسياسية من العيار الثقيل، تدفعها للتخلي فجأة عن إستراتيجيتها الدفاعية والانخراط في معركة ربما لم تختر هي توقيتها. وفي مواجهة ذلك، وطوال أكثر من عام على الحرب، تمسكت إيران بضبط النفس واتخذت نهجا مزدوجا يضمن لها أمرين؛ الأول هو الحفاظ قدر الإمكان على ثبات سياستها المعلنة في دعم المقاومة عبر إطلاق جبهات الإسناد ضمن إطار ما يعرف بـ “وحدة الساحات”، والثاني هو ضبط المسار التصعيدي لهذه الجبهات بما يمنع الانجرار للحرب المفتوحة.

في غضون ذلك، رسَّخت الولايات المتحدة تقديرا لدى إيران بأن فرص وقف إطلاق النار في غزة ومنع إسرائيل من توسيع الحرب قائمة ومتاحة، ما لم تتخذ إيران بنفسها القرار بتوسيعها، كما أسهمت أيضا في زيادة ردع إيران وتخويفها من سيناريو الحرب الشاملة عبر تمركز قطعها البحرية في البحر المتوسط قبالة سواحل لبنان.

لكن إسرائيل، لأسباب تتعلق بحاجتها إلى استعادة الشعور بالأمن، وأسباب شخصية تتعلق برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وأيضا بسبب ضعف الإرادة السياسية للولايات المتحدة في شهور انتظار نتيجة الانتخابات الرئاسية، توجهت بشكل حاد إلى توسيع الحرب عبر ضرب منظومة اتصال حزب الله واغتيال أمينه العام حسن نصر الله وسائر قيادات الحزب البارزين، وتدشين عملية برية لاجتياح الجنوب اللبناني. وعند هذه النقطة تحديدا، لم يعد أمام إيران أية فرصة حقيقية للاستمرار طويلا في نهج “الصبر الإستراتيجي”، وأصبحت أمام مفترق طرق تاريخي في الوقت الذي تقترب فيه الحرب من حدودها.

قيادات حزب الله التي اغتالتها إسرائيل: فؤاد شكر (يسار) ومحمد حسين سرور (وسط) وإبراهيم عقيل (الجزيرة)

وفي خضم الطريق لحسم وجهتها الجديدة، وجَّهت إيران مساء الثلاثاء 1 أكتوبر/تشرين الأول ضربة صاروخية متقنة لإسرائيل، لكن مآلات هذه الضربة ما زال من المبكر تقييمها، وهي تتوقف على مستوى التصعيد المضاد الذي ستتبناه إسرائيل، وقدرة الولايات المتحدة على كبح جماحها. لكن الضربة لا تشير إطلاقا إلى أن طهران قررت اعتناق مبدأ المواجهة، بقدر ما تشير إلى اضطرارها إلى الرد بحساب على التصعيد الإسرائيلي، وترك الباب مفتوحا أمام إسرائيل ومن ورائها أميركا لاحتواء كرة اللهب قبل أن تحرق الجميع.

 

القيود.. والخيارات الصعبة

لم تُعبِّر إيران إذن عن وجهتها العسكرية بعد أن انهار “الصبر الإستراتيجي” أو كاد، ومن الواضح أن خيارات طهران سوف تكون مفتوحة على سيناريوهات صعبة. ولكن قبل تقييم احتمالات سلوك إيران لأيٍّ من هذه السيناريوهات، علينا الإشارة إلى أن ثمة قيودا موضوعية تحد من قدرة إيران على تحديد خياراتها بأريحية كافية.

أول هذه القيود وأهمها على الإطلاق هو اختلال ميزان القوة. تدرك إيران، بما لا يدع مجالا للشك، التفوق التقني والعسكري لإسرائيل، خاصة في ظل الدعم الأميركي المفتوح الذي يتزايد في أوقات المواجهة. كما أن عدم اكتمال البرنامج النووي الإيراني وتأخرها في امتلاك السلاح النووي يقلل أيضا من قدرتها الردعية. وفي حين تختلف التقديرات حول الوقت الذي تحتاج إليه إيران إذا ما قررت رفع نسبة تخصيب اليورانيوم للقدر الذي يسمح لها بتصنيع قنبلة نووية، فإن القيام بتلك المهمة تحت وطأة الحرب لن يكون أمرا سهلا، بفرض أن طهران قررت سلوك هذا المسار بالفعل.

بعد ذلك، تأتي قيود الأوضاع الداخلية في إيران، وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية التي تنعكس في تراجع العملة المحلية (فقدت أكثر من ثلثي قيمتها في السوق الموازية خلال السنوات الثلاث الماضية)، وارتفاع معدلات البطالة والتضخم (بلغت نسبة التضخم في إيران في العام المنتهي في مارس/آذار الماضي 52.3% وهي أعلى نسبة منذ 80 عاما). يحدث ذلك في وقت تتعرض فيه طهران لعقوبات غربية/عالمية بالغة القسوة، أدت إلى حرمان إيران من الاستثمارات والعائدات حتى في مجال الطاقة، لدرجة أن البلد الذي يطفو على بحيرة من النفط والغاز يشهد أزمة في قطاع الطاقة، وانقطاعات في الكهرباء، ما يضع ضغوطا على قرارات القيادة الإيرانية.

الكاتب: تدرك إيران، بما لا يدع مجالا للشك، التفوق التقني والعسكري لإسرائيل، خاصة في ظل الدعم الأميركي المفتوح الذي يتزايد في أوقات المواجهة. (الجزيرة)

ثم هناك حالة الانقسام الحاد في المجتمع السياسي الإيراني بين تيارين، أحدهما يعتقد أن السياسة الخارجية لإيران طوال سنوات العداء مع الولايات المتحدة عطَّلت وما زالت تُعطِّل النمو الإيراني، وأن إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة يُمثِّل خطوة ضرورية لنهضة إيران، وتيار يعتقد أن مواجهة “الاستكبار العالمي” ودعم القضية الفلسطينية هو أساس لشرعية الثورة الإيرانية ومرتكز لاستمرارها وحيويتها.  والجدير بالالتفات هو أن الرئيس الحالي مسعود بزشكيان ونائبه للشؤون الإستراتيجية محمد جواد ظريف، بصورة أقوى، في رأي البعض يعتنقان الرؤية الأولى. وفي الساعات التي سبقت اغتيال حسن نصر الله، كان بزشكيان في الأمم المتحدة يلقي رسائل التهدئة والسلام. هذا الانقسام أيضا سيضع قيودا على مؤسسات الثورة في اتخاذ قرار تصعيدي قد يواجه معارضة داخلية.

في ضوء هذه الحزمة المعقدة من المستجدات الإقليمية والضغوط الداخلية، يمكن رسم سيناريوهين رئيسيين ربما يكون على إيران الاختيار بينهما في المستقبل القريب، أو ربما تُدفع نحو أحدهما دفعا. في السيناريو الأول، سوف تُقدِّر إيران أن إسرائيل ومن ورائها أميركا اتخذتا قرارا بالفعل بالتصفية المتدرجة لقدرات إيران ومحورها، مما يجعل المبادرة مجرد استباق إستراتيجي لما سوف يحدث حتميا.

وفي تلك الحالة، سوف تخدم المبادرة العسكرية والتخلي عن الصبر حاجة إيران لترميم صورتها أمام حلفائها وأعدائها على حدٍّ سواء، وتساعد على استعادة ثقة حلفائها بقدرتها على حمايتهم ومشاركتهم تضحيات المواجهة، كما ستحافظ على امتداد طهران الجيوسياسي في غرب آسيا. لكن هذا السيناريو له مخاطره، وعلى رأسها أن إيران لا يمكن أن تتحكم في وتيرة التصعيد، ما يعني إمكانية تطور الأمور إلى المواجهة الشاملة التي تسعى طهران لتجنبها منذ أكثر من أربعة عقود.

وفي السيناريو الثاني، سوف تتمسك طهران ببقايا حبال الصبر بُغية الحفاظ على جبهتها الداخلية مستقرة، والرهان على ترميم المحور وإعادة بنائه على المدى الطويل، كذلك الرهان على انتهاء الانتخابات الأميركية بانتصار كمالا هاريس والديمقراطيين الذين ربما يملكون ساعتها رفاهية الضغط على إسرائيل والتفاوض بجدية لإنهاء الحرب. وتكمن مخاطر هذا السيناريو أن زخم الحرب، وضعف ردود الأفعال الإيرانية، ربما يغريان إسرائيل بتصعيد أوسع نطاقا، ما يعني وضع طهران في مواجهة الحرب التي فرَّت منها في المقام الأول. وبغض النظر عن المسار الذي ستسلكه طهران، من المؤكد أن خيارها سيحدد -بنسبة كبيرة- المصير النهائي لهذه الحرب الطويلة والثقيلة.

شاركها.
Exit mobile version