الدوحة– بالدعوة إلى إعطاء الأولوية للعائلات في الأزمات، وجعل السياسات الأسرية حجر الزاوية في العدالة الاجتماعية، اختتم مؤتمر الذكرى الـ30 للسنة الدولية للأسرة فعالياته اليوم في الدوحة، وسط تأكيد على ضرورة تصميم سياسات الحماية الاجتماعية المرتكزة على الأسرة للتغلب على فخ الفقر ووضع السياسات والبرامج التي تعزز الزواج المستقر.
ووفقا للتوصيات التي صدرت عن المؤتمر، دعا المشاركون إلى أهمية إعطاء الأولوية لرفاهية الأطفال وإشراك الأطفال والشباب والأسر في قرارات السياسة وتصميم البرامج وتنفيذها لضمان أهميتها وجدواها واستدامتها وتعزيز التعاون الإقليمي لتبادل المعرفة والخبرة وأفضل الممارسات في مجال سياسات الأسرة، ودمج التربية الأسرية في المناهج الدراسية.
سد الفجوة الرقمية
كما ركز المؤتمر على أهمية حماية الأطفال في العصر الرقمي من خلال تنفيذ تشريعات قوية لحمايتهم من الأضرار عبر الإنترنت وضمان خصوصيتهم والاستثمار في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن من خلال ضمان الوصول العادل إلى التقنيات المساعدة، وتوسيع نطاق الوصول إلى الرعاية الصحية الجيدة، وخاصة في المناطق المحرومة.
وشدد المشاركون على أهمية وضع وتنفيذ مبادئ توجيهية أخلاقية لتطوير ونشر تقنيات الذكاء الاصطناعي والأتمتة لضمان أنها تعود بالنفع على المجتمع وتقليل الآثار السلبية المحتملة على الأسر وسد الفجوة الرقمية بين الأجيال من خلال تطوير السياسات والبرامج التي تعزز التضامن بين الأجيال والإرشاد والتفاعلات الإيجابية.
وتم تنظيم المؤتمر على مدار يومين من قبل معهد الدوحة الدولي للأسرة عضو مؤسسة قطر، بالشراكة مع المنظمات الوطنية والإقليمية والدولية وبدعم من إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة، تحت عنوان “الأسرة والاتجاهات الكبرى المعاصرة”.
الاستعباد الرقمي
وخلال كلمتها بالمؤتمر أكدت الشيخة موزا بنت ناصر رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع أن قضايا الأسرة وتحدياتها تتماثل في المجتمعات جميعها، ولكنها تختلف في خصوصياتها من بلد إلى آخر، ولكن هناك مشتركات كثيرة بين الأسر من شمال العالم وجنوبه، أبرزها تحديات التكنولوجيا وتأثيرها واللغة الأم في عالم معولَم، وصراع الهويات.
وركزت الشيخة موزا بنت ناصر على التحديات التي تواجهها الأسر العربية، وفي مقدمتها حاليا التأثيرات العميقة للتكنولوجيا وآثارها الاجتماعية، على الرغم من عدم تجاهل الدور الإيجابي الهائل للتكنولوجيا.
وأشارت إلى أن العالم الافتراضي اليوم، الذي تتحكم فيه جهات توجه محتواه لخدمة أجندات غير معلنة، قد حولنا إلى سلعة تُباع وتُشترى، وهو ما يسمى بـ”الاستعباد الرقمي”. ففي حين يدّعي القائمون عليه أنهم يدافعون عن حرية التعبير، نجدهم يتحولون فجأة إلى أعداء لهذه الحرية إذا ما اصطدمت مصالحهم بما لا يناسبهم. ويظهر ذلك جليا في الرقابة المفروضة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تسعى إلى توجيه الأفكار وتوحيد أساليب التفكير، وهذا حول الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي إلى أدوات لغسل الأدمغة.
ميثاق أخلاقي
وكانت وزيرة التنمية الاجتماعية القطرية مريم بنت علي بن ناصر المسند قد أكدت خلال أعمال المؤتمر أن دولة قطر تضع القيم الأسرية نصب أعينها حين تضع سياساتها، إضافة إلى العديد من القوانين القائمة مثل قانون إلزامية التعليم، وقانون الأسرة، وكذلك الكثير من الخدمات الاجتماعية والعائلية المتاحة.
وأشارت إلى إطلاق الميثاق الأخلاقي للأسرة، مطلع أغسطس/آب الماضي، والذي يحتوي على كثير من القيم الأسرية ويعكس القيم الأسرية التي تتبناها دولة قطر، مثل الصدق، والأمانة، والتعاون، والتعاضد، والحوار، والاحترام المتبادل.
وأشارت إلى المراجعة المستمرة لموضوعية التشريعات المتعلقة بالشأن الاجتماعي لدراسة آثارها وتبعاتها الاقتصادية والتربوية والنفسية والاجتماعية بهدف الوصول لأفضل التشريعات التي تضمن مواكبة التحديات.
النزاعات والأسر العربية
وفيما يتعلق بوضع الأسر العربية وانعكاس نتائج المؤتمر عليها، قال المراقب الدائم بجامعة الدول العربية السفير ماجد عبد الفتاح، في تصريحات للجزيرة نت، إن أبرز التحديات التي تواجه الأسر العربية هي الحروب والنزاعات التي باتت تنتشر بشكل كبير في العديد من المناطق العربية.
وأوضح أنه في الماضي كانت هناك قضية مركزية واحدة هي القضية الفلسطينية ولكن خلال السنوات الأخيرة أصبح هناك الكثير من المشاكل التي تنتشر في بلدان عربية كثيرة وهو بالطبع ما ينعكس على تماسك الأسر والعائلات نتيجة لانعدام السلم والأمن في هذه المناطق.
وقال عبد الفتاح إنه كلما تمكنا من إيجاد حلول جذرية وسريعة للنزاعات العربية كان التأثير إيجابيا على وضع الأسر في العالم العربي الذي عليه أيضا أن يصيغ سياسته المستقبلية الخاصة حيث نجد أن الأمم المتحدة وضعت رؤية 2030، كما أن الاتحاد الأفريقي وضع رؤية 2036 وفي الوقت الحالي تعكف الجامعة العربية بالتعاون مع الأمم المتحدة ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (أسكوا) لوضع رؤية 2045 والتي ستتواكب مع الذكرى المئوية لتأسيس جامعة الدول العربية.
وأضاف أن هذه الرؤية ستتضمن جميع أسس التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية واحترام حقوق الإنسان والديمقراطية كأساس لإقامة مجتمعات جديدة في العالم العربي بعد تسوية النزاعات التي نجد أن غالبيتها نزاعات داخلية.
الزميلة رانيا خنفر تطلعنا على بعض تفاصيل مؤتمر الذكرى الثلاثين للسنة الدولية للأسرة
#تلفزيون_قطر | #جلسة_الأعمال pic.twitter.com/0dXub69vZ3— تلفزيون قطر (@QatarTelevision) October 31, 2024
قمة التنمية الاجتماعية
وتابع أن المؤتمر له أهمية كبيرة خاصة أنه يأتي قبل العملية التحضيرية لقمة التنمية الاجتماعية للأمم المتحدة التي سوف تستضيفها دولة قطر خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2025 والتي تأتي بعد 30 عاما من قمة كوبنهاغن التي وضعت الأسس لتعزيز العمل الاجتماعي المشترك على مدار الـ30 عاما المقبلة.
ولفت إلى أن مثل هذا المؤتمر ذو أهمية كبيرة لصياغة رؤية عربية موحدة ومتكاملة حول موضوعات الأسرة والمجتمع والحفاظ على الهوية التاريخية والحفاظ على اللغة والتماسك المجتمعي والقيم والعادات والتقاليد وعدم التأثر بالاعتبارات والقيم والتقاليد الغربية خاصة تلك التي تسعى إلى فرض مفاهيم غريبة على مجتمعاتنا العربية سواء بالنسبة للحريات والقيم الجنسية والتنشئة.
تأثيرات التكنولوجيا على الأطفال
وحول تأثيرات التكنولوجيا على الأطفال والحد من تأثيراتها، قالت نوف الحداد من وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات القطرية في تصريحات للجزيرة نت إن المؤتمر استعرض العديد من الحلول التي تركز على تقليل الاستخدام السلبي للتكنولوجيا والتركيز على التوعية التي تعتبر العامل المساعد الأكبر في هذا الصدد لحماية الجيل الجديد من مخاطر التكنولوجيا.
وأشارت إلى أن جلسات المؤتمر ركزت أيضا على الحلول المستقبلية لهذه المشكلة وأهمية الحرص على تعزيز مسألة الاستخدام الآمن للإنترنت وحماية الأطفال في العصر الرقمي من خلال تنفيذ تشريعات قوية لحمايتهم من الأضرار عبر الإنترنت وضمان خصوصيتهم والعمل على سد الفجوة الرقمية بين الأجيال.