طهران- تدوير النخب السياسية هو إستراتيجية إدارة تُستخدم لضمان استقرار النظام السياسي وتوازن القوى بين مختلف الأجنحة داخل السلطة.
في إيران، يتضمن هذا المفهوم تبادل المناصب بين الشخصيات السياسية المؤثرة لضمان تمثيل متوازن لكل الأطراف، بهدف تحقيق الاستمرارية في الحكم وتقليل مخاطر الصراعات الداخلية التي قد تنشأ عن احتكار السلطة من قبل مجموعة معينة.
تعتمد هذه العملية في إيران على آليات متكاملة تشمل تعيينات دورية للمناصب العليا، وتغيير قيادات الأجهزة الحكومية، وتبادل الأدوار بين الشخصيات البارزة في النظام.
خلق توازن
وتشارك في عملية التدوير هيئات مختلفة مثل مجلس صيانة الدستور والمجالس التشريعية، التي تلعب دورا محوريا في اختيار وتعيين الأفراد المناسبين للمناصب الإستراتيجية لضمان توازن القوى ومنع احتكار أي جهة للسلطة.
يقول الباحث في القضايا الإيرانية محمد آخوند بور أميري في تصريح للجزيرة نت إن تدوير النخبة يشير بالدرجة الأولى إلى خلق التوازن بين الأحزاب والتيارات في السلطة. ومن هذا المنطلق، في نظام الجمهورية الإسلامية، الذي يتجلى فيه مزيج من الجمهورية المستمدة من إرادة الأغلبية، واندماجها مع الأطر الدينية. وهناك حاجة إلى أمرين مهمين وفق بور أميري هما:
- أولا: الطريقة التي يتبعها هذان النظامان، فالهياكل السياسية للحكم -أي الجمهورية والإسلامية- متشابكة في شكل مبتكر.
- ثانيا: فهم النخب لمعايير وأطر مثل هذا النظام السياسي.
وعليه، فإن أفراد النظام السياسي أو نخبه يلعبون دورا مهما في فهم وتنفيذ وتنظيم سياساته العامة. ومن خلال تبادل المناصب بين الأفراد من خلفيات مختلفة، يتم تقليل احتمالات التوتر والنزاع بين الأجنحة السياسية المتعددة، مما يقلل من فرص نشوء أزمات كبيرة قد تؤثر على استمرارية النظام.
ويرى أميري أنه يجب على النخب السياسية في نظام الجمهورية الإسلامية أن تؤدي بشكل جيد عدة وظائف مهمة أبرزها:
- ترسيخ إرادة الأغلبية كعنصر حيوي في النظام الجمهوري في عالم اليوم.
- فهم وتطبيق معايير الشريعة الإسلامية كمبدأ مهم وضروري.
وبعبارة أخرى، فإن الجمهورية مقبولة في النظام السياسي الإيراني بفهم خاص ووفقا للمبادئ الإسلامية، أينما تدعي أنها تتقدم على معايير الشريعة، فإنها تخضع للإشراف من خلال المبادئ الإسلامية المكتوبة في قلب القانون وبواسطة النخب السياسية التي تلعب دورا مهما في تحقيق هذا التوازن.
تؤثر عمليات تدوير النخب بشكل كبير على السياسة الداخلية في إيران. ومن خلال تغيير القيادات في المناصب العليا، يتم التأثير على القرارات الكبرى التي تشكل السياسات الوطنية. وتعزز هذه العملية من فعالية النظام في معالجة القضايا المختلفة من خلال ضمان مشاركة متنوعة في اتخاذ القرارات.
وحسب الباحث أميري، فإن المهم في أنظمة مثل الجمهورية الإسلامية هو التوازن الوظيفي بين المؤسسات المنتخبة والمعينة، حيث أدى -أحيانا- التداخل الوظيفي إلى خلق تحديات عديدة فيما بينها. ويعتقد أن الاعتراف بتأثير اختلال توازن القوى بين هذه المؤسسات سيوفر الأساس لاستمرار النظام والسلطة والاستقرار السياسي، والحد من الصراعات في بيئة آمنة.
دور محايد
وهناك من يستبعد أن تحقق نخب الأمس رغبات مجتمع اليوم وإرادته. ويرى أميري أن تداول النخب له أهمية كبيرة. ويضيف أن المرشد الأعلى، باعتباره أعلى منصب في مثل هذا النظام السياسي، يلعب دورا محايدا كزعيم روحي لجميع الفصائل السياسية.
كما يراقب أجواء التنافس بين النخب للحصول على مقاعد منتخبة في مؤسسات مثل مجلس الشورى والرئاسة والمقاعد الإدارية الكبرى، ويسعى إلى منع علاقات النخب من التوجه نحو التطرف والانحراف عن القيم الإسلامية المؤسسة. وعندما يشعر أن قرارات النخب يمكن أن تتعارض مع السياسات العامة للنظام الإسلامي، فإنه يدخل بـ”أمر حكومي” ويمنع اختلال موازين القوى.
تُعد العلاقة بين النخب السياسية والبيروقراطية في إيران أساسية في تكوين السلطة. وانبثقت النخب، بعد ثورة 1979، من الطبقة الوسطى التي ضمت شخصيات عسكرية ودينية، مما أدى إلى ظهور شريحة جديدة من البيروقراطيين الذين أصبحوا يديرون شؤون الدولة.
ويشير الباحث في السياسة الإيرانية جواد حيران نيا إلى وجود علاقة بين النخب السياسية والبيروقراطية الحكومية. ويقول -للجزيرة نت- إن الخدمة في المؤسسات الحكومية تخلق سلطة سياسية، موضحا أنه بعد الثورة الإسلامية، كانت النخب السياسية من الطبقة الاجتماعية الوسطى التي كانت تتألف من النخب العسكرية والدينية التي شكلت أقلية جديدة من البيروقراطيين.
منذ بداية الثورة، استحوذت المؤسسات غير المنتخبة على نصيب كبير من السلطة، بينما خضع تدوير النخب في المؤسسات المنتخبة مثل البرلمان والرئاسة إلى إشراف دقيق من قبل مجلس صيانة الدستور. وأتاح هذا النظام السيطرة للمؤسسات غير المنتخبة، فيما أصبح تداول السلطة في الأخرى المنتخبة محدودا بشكل متزايد، خاصة مع تقليص دور الإصلاحيين المعتدلين في انتخابات 2018 و2021.
ويوضح حيران نيا أن هذه النخب السياسية تولت المسؤوليات في مؤسسات الحكم (غير المنتخبة) والمؤسسات الحكومية شبه الديمقراطية مثل البرلمان والرئاسة.
ويضيف أنه منذ بداية الثورة، كانت المؤسسات غير المنتخبة تتمتع بالسلطة، وكان تدوير النخب في البرلمان والرئاسة يتم أيضا عبر رقابة مجلس صيانة الدستور وعلى أساس الإشراف التقديري، كما أن السلطة الرئيسية في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية كانت في أيدي مؤسسات حكم غير منتخبة.
تحول
ورغم ذلك، وفق الباحث حيران نيا، ومع تكثيف الإشراف التداولي، أصبح نطاق تدوير النخبة في المؤسسات شبه الديمقراطية (البرلمان والرئاسة) أكثر محدودية. واستشهد بما حدث في الانتخابات البرلمانية عام 2018 والانتخابات الرئاسية عام 2012، عندما تم إقصاء المعتدلين والإصلاحيين من دورة تدوير النخب بإشراف صيانة الدستور، وأخذت قضية توحيد السلطة السياسية شكلا جديا.
وعدّ هذا الأمر مخالفا لممارسات الجمهورية الإسلامية منذ بداية الثورة، حيث كانت المؤسسات شبه الديمقراطية -عادة- تحت سيطرة التيارات المعتدلة والإصلاحية، وكانت تمثل جزءا من المجتمع، وخاصة الطبقة الوسطى، وبالتالي، يتم الحفاظ أيضا على توازن القوى السياسية في هذا الإجراء.
شهد النظام السياسي الإيراني، بعد انتخابات 2021، خللا في توازن القوى التقليدي مع تعزيز نفوذ التيارات المحافظة “المتطرفة”. وأدى هذا التحول إلى استبعاد التيارات المعتدلة والإصلاحية من المناصب المهمة، مما أثار قلقا داخل هيكل السلطة.
ومع رحيل الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، برزت فرصة لإعادة تحقيق التوازن السياسي من خلال إدخال التيار الإصلاحي والمعتدل إلى السلطة.
ويعتقد أن وصول الرئيس الإيراني الحالي مسعود بزشكيان إلى السلطة دفع المرشد الأعلى علي خامنئي إلى اتباع الممارسة نفسها المتمثلة في حكم المعتدلين والإصلاحيين على المؤسسات شبه الديمقراطية ووجود الأصوليين في المؤسسات غير المنتخبة، والحفاظ على توازن القوى السياسية.
على الرغم من الفوائد التي تحققها عملية تدوير النخب، فإن هناك انتقادات وتحديات مرتبطة بها، أبرزها أنها قد تؤدي إلى عدم الاستقرار المؤقت نتيجة لتغيير القيادات، وقد تثير تساؤلات حول فعالية الأفراد الجدد في إدارة المناصب.