ردا على خفّض وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية نظرتها المستقبلية لمصر من “مستقرة” إلى “سلبية” وتثبيت التصنيف الائتماني السيادي عند “سي إيه إيه 1” (Caa1) في مؤشر على زيادة الأوضاع صعوبة في الأفق، دافعت الحكومة المصرية عن أدائها الاقتصادي.

وبدا وقع الخفض أشد وطأة على الوضع الاقتصادي، خاصة أنه جاء بعد أيام من قرار بنك “جيه بي مورغان” الأميركي استبعاد مصر من مؤشره للسندات الحكومية في الأسواق الناشئة ابتداء من 31 يناير/كانون الثاني الجاري.

وفي أول تعليق لها، أكدت وزارة المالية -في بيان أمس الجمعة- أن “الحكومة تعمل على إدارة مخاطر الاقتصاد الكلي، بمرونة لاحتواء الصدمات الخارجية المتتالية، وتتعامل بتوازن وحرص شديد مع الآثار السلبية الناتجة عن التوترات الجيوسياسية المؤثرة على النشاط الاقتصادي”.

وفند البيان قرار موديز التي “لم تأخذ في اعتبارها الجهود الحالية للحكومة (المصرية) عند تغيير النظرة المستقبلية إلى سلبية”، مشيرا إلى أن “برنامج الطروحات يُعزز قدرة مصر على تلبية الاحتياجات التمويلية خلال العامين المقبلين، ويُسهم في جذب المزيد من التدفقات الاستثمارية، والحد من الاحتياج للتمويل الخارجي”.

وقَدًرت وزارة المالية قيمة تخارج الدولة من عدد من الأنشطة الاقتصادية بـ3.5 مليارات دولار ضمن برنامج الطروحات، بما يساعد على زيادة تدفقات النقد الأجنبي، لتغطية احتياجات الاقتصاد المصري.

إشكاليات تواجه الاقتصاد المصري

وذكرت وثيقة التوجهات الإستراتيجية للاقتصاد المصري الصادرة عن مجلس الوزراء، الشهر الجاري، أن مواصلة تنفيذ برنامج الطروحات العامة تضمن تخارج الدولة من 35 شركة وأصلا مملوكا لها من الربع الأول لعام 2023 وحتى الربع الأول من عام 2024.

وفي ما يتعلق بالإشكاليات الأربع التي تضغط بقوة على الاقتصاد المصري، أوضحت وزارة المالية أنها تعمل على وضع معدلات الدين للناتج المحلي في مسار نزولي، إذ تتأثر في الوقت الحالي بالتضخم وارتفاع أسعار الفائدة وأسعار الصرف.

وأرجعت موديز خفض نظرتها المستقبلية لمصر من “مستقرة” إلى “سلبية” إلى المخاطر المتزايدة المتمثلة في استمرار ضعف الوضع الائتماني للبلاد، وسط صعوبة إعادة التوازن للاقتصاد الكلي وسعر الصرف.

موديز تخفض تصنيف مصر بسبب تدهور قدرتها على تحمل الديون والسندات تتراجع

وثبتت الوكالة التصنيف الائتماني لمصر عند “سي إيه إيه 1” (Caa1)، الذي يعني أن الالتزامات ضعيفة وتحمل مخاطر ائتمانية مرتفعة جدا، لافتة إلى أن “الزيادة الكبيرة في مدفوعات الفائدة والضغوط الخارجية المتزايدة أدت إلى تعقيد عملية تكيّف الاقتصاد الكلي”.

يأتي هذا التخفيض بعد 3 أشهر من قيام موديز خفض التصنيف الائتماني لمصر من (بي 3) إلى “سي إيه إيه 1″، وأرجعت هذا إلى تدهور قدرة البلد على تحمل الديون، وحددت النظرة المستقبلية لمصر عند “مستقرة”.

ماذا يعني قرار موديز الجديد وما تأثيره؟

وعن خفض النظرة المستقبلية إلى سلبية، يقول الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار إنه “يعكس البطء في تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي، وعدم شفافية السياسة المالية، وإشارة تحذيرية إلى قرب احتمال تخفيض التصنيف الائتماني درجة، إذا استمر المناخ السلبي الحالي”.

وأضاف في حديثه، للجزيرة نت، أنه في التصنيف الائتماني عادة ما تكون هناك توقعات لأفق جدارة الائتمان، وهذا الأفق قد يكون إيجابيا أو سلبيا أو مستقرا. وعادة ما تتم المراجعة بعد عدة أشهر على ضوء التطورات في مناخ الائتمان، في حال التوقع السلبي، تتم المراجعة بتخفيض درجة التصنيف إذا استمرت العوامل السلبية، أو رفع درجة الجدارة الائتمانية إذا نجحت الحكومة في القضاء على العوامل السلبية.

لكن ماذا يعني هذا للمواطن المصري العادي والمستثمرين المحليين والأجانب؟ وما الذي قد يترتب عليه في ظل المصاعب الاقتصادية والمالية التي تعيشها مصر؟ أوضح نوار أن التقرير يثير مسألة عدم الثقة بالسياسة الاقتصادية وزيادة عبء الديون عن قدرة الاقتصاد على السداد، وارتفاع نسبة الفوائد للإيرادات إلى حوالي الثلثين، وهو ما يعني أن ثلث الإيرادات فقط يذهب للإنفاق على كل المصروفات الأخرى، بما فيها الدعم والأجور والاستثمار والصحة والتعليم وخلافه.

وبيًن نوار أن هناك تأثيرات مباشرة على المواطنين تتعلق إلى جانب الحد ن قدرة الحكومة على الإنفاق في أبواب الصحة والتعليم والدعم بتقلبات سعر صرف الجنيه أمام الدولار، وتدهور قيمته وبالتالي تراجع قيمة مدخراتهم وقدراتهم الشراية وارتفاع الأسعار بشكل كبير ما يزيد من الأعباء الاقتصادية عليهم.

وزارة المالية أوضحت أنها تعمل على وضع معدلات الدين للناتج المحلي في مسار نزولي (رويترز)

وتوقع الخبير الاقتصادي أن تحذو مؤسسات التصنيف الائتماني الأخرى، مثل فيتش وستاندرد آند بورز، حذو موديز خلال الأسابيع القادمة إذا لم يحسم صندوق النقد موقفه بالنسبة للتمويل الإضافي الذي تطلبه مصر، أو إذا اتخذ قرارا متحفظا بشأن زيادة التمويل بقيمة قليلة لا تلبي احتياجات مصر.

وأعرب نوار عن اعتقاده أنه ليس من المرجح أن تحصل مصر على تمويل سخي من دول الخليج أو الاتحاد الأوروبي قبل صدور قرار أو إشارات إيجابية قوية من صندوق النقد.

وأضاف أنه على الرغم من أن هناك اتفاقا على تقديم تمويل إضافي لمصر، فإن الغرض من ذلك هو مساعدتها على تنفيذ الإجراءات التي يطالب بها الصندوق وليس مساعدتها على الحصول على مزيد من القروض مع بقاء سياسة جمود سعر الصرف، والقيود على أنشطة القطاع الخاص، على ما هي عليه.

فتح الباب أمام المضاربين

وفي السياق، يقول أستاذ اقتصاديات التمويل بجامعة القاهرة حسن الصادي إن “خطوات التصنيف تعتمد على النظرة المستقبلية، فإذا كانت إيجابية فمن المرجح رفع التصنيف الائتماني درجة عند المراجعة الدورية، وإذا كانت سلبية فإنه قد يتبعها خفض التصنيف درجة أقل ونظرة مستقبلية مستقرة، إذن نحن أمام خفض محتمل للتصنيف الائتماني”.

وبشأن تأثير مثل تلك القرارات على مصر، أوضح الصادي في تصريحات، للجزيرة نت، أنها سوف تحد من قدرتها على الاقتراض من الخارج وتشير إلى ارتفاع المخاطرة في إقراض مصر إلى درجة عالية جدا ويترتب عليها خروج مصر من مؤشرات أخرى، كما حدث عندما خرجت من مؤشر “جيه بي مورغان” للسندات الحكومية بالأسواق الناشئة الذي كان يؤمن لها سوقا مهما لإصدار السندات.

وحذر الصادي من تبعات مثل تلك القرارات التي تكون بمثابة سلسلة من التداعيات السلبية، ومن يدفع ثمن كل ذلك هو الاقتصاد وهو عبارة عن دولة وحكومة ومواطن؛ لأن كل هذه الآثار السلبية يتم ترجمتها على شكل ديون تتحملها الأجيال الحالية والمقبلة كانت في غنى عنها وكان يمكن إنفاقها في مسارات أكثر فائدة بدلا من الضغط على الحكومة بتقليص الدعم والإنفاق لتوفير المال لسداد الديون.

واعتبر الصادي مثل هذا الخفض رسالة سلبية للمستثمرين الأجانب. وتوقع أن تحجم الصناديق العالمية عن الاستثمار في السندات المصرية التي كانت تعاني من الإحجام في الأساس منذ نحو عامين، فضلا عن فتح الباب أمام المضاربين للاستثمار في السندات من خلال إغرائهم بمنحهم فائدة مرتفعة للغاية أعلى من الأسواق الدولية، وسبق أن أصدرت مصر العام الماضي مثل تلك السندات بفارق 3 أضعاف عن الأسواق الدولية؛ وهذا عبء كبير على الاقتصاد المصري.

وحذر من تبعات مثل تلك القرارات التي تكون بمثابة سلسلة من التداعيات السلبية، ومن يدفع ثمن كل ذلك هو الاقتصاد وهو عبارة عن دولة وحكومة ومواطن.

مسلسل خفض التصنيف الائتماني لمصر

في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، خفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني لمصر بالعملات الأجنبية على المدى الطويل إلى “بي سالب” (B-) هبوطا من “بي” (B)، مشيرة إلى زيادة المخاطر على التمويل الخارجي.

وعدلت وكالة التصنيف الائتماني أيضا نظرتها المستقبلية لمصر من “سلبية” إلى “مستقرة”.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خفضت وكالة التصنيف العالمية “ستاندرد آند بورز” التصنيف السيادي طويل الأجل لمصر من “بي” (B) إلى “بي سالب”(B-)، مشيرة إلى تزايد ضغوط التمويل على البلاد.

ووضعت الوكالة النظرة المستقبلية لمصر عند “مستقرة”، ويعكس هذا الخفض التأخير المتكرر في تنفيذ الإصلاحات النقدية والهيكلية في البلاد، من بين عوامل أخرى.

شاركها.
Exit mobile version