أعلنت جماعة الحوثيين في بيان، الأحد 4 مايو/ أيار الجاري، أنهم يعملون على فرض “حصار جوي شامل”، على إسرائيل باستهداف مطاراتها بشكل متكرر.

وقال الناطق العسكري للجماعة يحيى سريع: “نهيب بشركات الطيران العالمية إلغاء كافة رحلاتها إلى إسرائيل حفاظًا على سلامة طائراتها وعملائها.

حمل الأحد 4 مايو/ أيار الجاري، مفاجآت متسارعة كان أبرزها ذلك الصاروخ الباليستي الذي أطلقته حركة أنصار الله من اليمن، والذي تجاوز أربع طبقات للدفاع الجوي في تل أبيب، وسقط في مطار بن غوريون، وسط إعلان شركات الطيران الأجنبية تعليق رحلاتها الجوية إلى إسرائيل، وفق ما أفادت قناة 12 العبرية.

أثار هذا الصاروخ جنون القيادة الإسرائيلية، فهدد وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، بالردّ “بسبعة أضعاف” على سقوط صاروخ أطلق من اليمن في محيط مطار بن غوريون. بينما من جانبه، دعا زعيم حزب الوحدة الوطنية في إسرائيل بيني غانتس إلى ردّ فعل عنيف في طهران ردًا على سقوط الصاروخ الذي أطلق من اليمن.

ليس الصاروخ الأول الذي يطلقه الحوثي، فالضربات اليمنية على إسرائيل بدأت في 15 سبتمبر/ أيلول من عام 2024، والتي أتت تحت عنوان مناصرة الشعب الفلسطيني في ظلّ الإجرام الإسرائيلي على القطاع.

بيدَ أنّ هذا الصاروخ الباليستي شكّل تحديًا مباشرًا للتصعيد الذي أعلن عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس 1 مايو/ أيار الجاري، بإعطائه الضوء الأخضر لجيشه بتوسيع العمليات العسكرية داخل القطاع.

ما من شكّ في أن الصاروخ يحمل الكثير من الرسائل، وفي أكثر من اتجاه، لهذا يمكننا طرح معادلة جديدة تقول “ما بعد صاروخ بن غوريون ليس كما قبله”.

بعيدًا عن التهديدات التي أطلقها الوزير كاتس، وردود الفعل المتوالية في الداخل الإسرائيلي، إلا أنّ الصاروخ الباليستي هذا حمل في مضمونه رسائل كثيرة، قد تتخطى أعتاب الأهداف الحوثية في الدفاع عن فلسطين. لأنّ الضربة التي أطلقت استطاعت أن تخرق الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأميركية على السواء لتصيب الهدف بدقة.

وهذا ما تزامن مع كشف طهران، الأحد أيضًا، عن صاروخها الباليستي الجديد، وقالت إنه يتجاوز أنظمة الدفاعات الجوية المضادة للصواريخ، فهل هو الصاروخ نفسه الذي أطلقه الحوثي على مطار بن غوريون؟

التطور الكبير ليوم الأحد بات يطرح التساؤلات حول مصداقية البيانات التي تصدرها القوات الأميركية الراسية في المنطقة عبر حاملات طائراتها، والجدوى من تنفيذها ضربات جوية على اليمن منذ أكثر من شهر.

إن صاروخ بن غوريون، قد كشف للرأي العام الإسرائيلي كما الأميركي والعربي زيف التقارير التي تخرج عن القيادة الأميركية، والتي دائمًا ما تؤكد عدم إصابة الصواريخ اليمنية حاملات طائراتها، رغم الاستهدافات الحوثية لها شبه اليومية.

ومن يدري قد تكون طائرة الـ”إف- 18″ الأميركية، سوبر هورنت، التي أعلن سقوطها في البحر الأحمر الاثنين 28 أبريل/ نيسان الماضي، التابعة لحاملة الطائرات “يو.إس.إس هاري ترومان”، سقطت بصاروخ حوثي؟

بعد صاروخ بن غوريون لم يعد هناك مستحيل رغم السقف العالي الذي خرج الإسرائيلي بعده مهددًا، ما يؤكد عدم جدوى الضربات الأميركية، التي لم تستطع إلى الآن ردع الحوثي عن إسناد فلسطين.

لكنّ ما يجب التوقف عنده هو تصريح بيني غانتس، الذي دعا فيه إلى الردّ بقوة ولكن على طهران هذه المرة. ما من شكّ في أن جماعة الحوثيين، رغم أنها تتمتع باستقلالية القرار، لكنّها ترتبط تدريبيًا وتمويليًا وحتى تسليحيًا بإيران، وهذا ما أكده أكثر من مسؤول إيراني وحوثي على السواء.

لهذا اعتبر غانتس أن تنفيذ ضربات على الحوثيين لن يكون ذا جدوى، لا سيما أنه لا عملية برية مدروسة في اليمن من قبل التحالف الأميركي، ترافق ذلك مع رفض عربي في المشاركة بمثل هكذا مغامرة.

ذهب غانتس إلى النبع مباشرة، تحديدًا إلى المفاوضات الأميركية الإيرانية حول الملف النووي، حيث أبدت إسرائيل في أكثر من مناسبة وعلى لسان نتنياهو معارضتها الشديدة لها.

فهو من أنصار توجيه ضربة قاضية إلى طهران لا يطال مشروعها النووي وحسب، بل قدراتها التمويلية للحركات الممانعة في المنطقة وعلى رأسها حركة أنصار الله.

تعتبر إسرائيل أن لا جدوى من تلك المفاوضات، فالوقت يصب في صالح إيران التي لم تزل تدفع بالأسلحة إلى اليمن، هذا ما يؤكد الاستعجال في تنفيذ الضربة على النظام في طهران.

لكن للإدارة الأميركية حسابات مختلفة لا تتوقف عند الرؤية الإسرائيلية، بل عند ما تجده أساسيًا في المنطقة، وهو إرساء سياسة فرض “التوازنات” على أن يكون الإيراني واحدًا من هذه القوة الوازنة. لأن التقارير الأميركية تعتبر أن كسر إيران سيعزز من الحضور التركي في المنطقة، وسوريا ما يحصل فيها يعدّ نموذجًا لذلك.

أصبح النقاش في تنفيذ ضربات على إيران معقدًا مع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التوقيع على اتفاقية الشراكة الكاملة على الصعيدين الاقتصادي والعسكري والتي أصبحت سارية المفعول ولمدة 20 عامًا.

هذا ما عقّد التحرك باتجاه حرب مباشرة مع إيران، وما دفع بروسيا لتحسين ظروف تفاوضها مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب المستعجل لوقف الحرب في أوكرانيا.

يجب عدم التوقف عند ما أحدثه الصاروخ من حفرة بعمق 25 مترًا أو من تعطيل مؤقت لحركة الملاحة الجوية الإسرائيلية، بل بما يحمله من أبعاد في إطار قدرة اليمن على فرض حصار بحري، واليوم جوي حقيقي على إسرائيل، الأمر الذي قد يدفع بنتنياهو للتفكير جديًا ليس في الرد، بل في الرضوخ لتمرير المساعدات الإنسانية والطبية إلى القطاع المحاصر لأكثر من أشهر.

لا تفيد التهديدات الأميركية ولا الإسرائيلية باتجاه اليمن، إذ إن الطبيعة المعقدة في اليمن ذي التضاريس الجبلية تعقد المهمة أمام تنفيذ الغارات. فعلى ما يبدو، الحوثي نشر منظوماته الصاروخية في أكثر من منطقة، الأمر الذي يصعب على الطائرات ضربه، كما أنّ لديه منظومات صاروخية باليستية غير تقليدية قادرة على خرق الدفاعات الجوية وإصابة أهدافها.

لهذا يجد الكثير من المتابعين أن الضربات الجوية مهما تكثفت وأصابت من مصافٍ وموانئ ومطارات وغيرها إلا أنّ المؤكد أنها لا تحمل قدرة ردعية للقصف الصاروخي الذي سيستمر من قبل الحوثيين. هذا يعود إلى طبيعة الحوثي واستعدداه لحرب طويلة في المنطقة، لهذا لن يردع الحوثي إلا التوصل إلى تسويات في غزة تعيد الغزيين إلى مناطقهم وديارهم.

إعلان الحوثيين فرض “حظر جوي شامل” على إسرائيل يُعد خطوة تصعيدية تهدف إلى الضغط على إسرائيل لوقف عملياتها في غزة، من خلال تهديد أمنها الجوي، وتعطيل حركة الملاحة الجوية. هذا التطور يُنذر بتوسيع رقعة الصراع وفتح جبهات جديدة، مما يستدعي تحركات دبلوماسية عاجلة لاحتواء التصعيد.

لا تملك إسرائيل الكثير من الخيارات العسكرية، سوى توجيه الضربات الجوية تمامًا كما يفعل الأميركي الآن، لوقف إطلاق الصواريخ من اليمن. لكنّها أمام حلّ وحيد ألا وهو السير مجبرة مهما أطالت الحرب، إلى القبول بشروط التفاوض بدل أن تدخل في جدالات إعلامية لا معنى لها مع الدول الحريصة على إبرام التسويات لمصلحة الجميع، وعلى رأسها دولة قطر.

لهذا لا رد “السبعة أضعاف” ولا الرد “العنيف” على طهران قد يحقق الأهداف المنشودة، بل الذهاب إلى تسويات وتقديم التنازلات من قبل حكم اليمين المتطرف الإسرائيلي هو الوحيد الذي يحميها من الصواريخ الحوثية، وربما غيرها في المدى القريب.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

شاركها.
Exit mobile version