لم تعط الحكومة الإسرائيلية ردا على مقترحات وقف إطلاق النار التي قبلتها المقاومة خلال الأسابيع الماضية، بينما يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحديث عن أمور تعكس رغبته في استغلال المفاوضات لتحقيق ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه بالحرب، كما يقول خبراء.

فقد أكد ترامب مؤخرا وجود مفاوضات “معمقة للغاية” مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لإطلاق سلاح جميع الأسرى الإسرائيليين دفعة واحدة، محذرا من “وضع سيئ وصعب للغاية” إذا لم يحدث ذلك.

في الوقت نفسه، اعتبر ترامب أن الاحتجاجات التي تشهدها تل أبيب تضع إسرائيل في موقف صعب، وهو نفس ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية.

بدورها، أكدت حماس أنها لا تزال تنتظر رد إسرائيل على المقترح الذي وافقت عليه المقاومة الشهر الماضي، واتهمت نتنياهو بالإصرار على إفشال جهود الوسطاء.

لكن حديث الرئيس الأميركي عن إمكانية التوصل لاتفاق دون تقديم تفاصيل، يبدو مبهما كغيره من الأحاديث السابقة التي أعلن فيها إمكانية التوصل لاتفاق دون حدوث شيء، كما يقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى.

والدليل على ذلك أن إسرائيل لا تتحدث إطلاقا عن أي مفاوضات وتتمسك بشروطها الخمسة التي أعلنتها سابقا، والتي تضمن حديث ترامب 3 منها، مما يكشف تأثير وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر عليه، وفق ما قاله مصطفى في برنامج “مسار الأحداث”.

فترامب لم يتعهد بوقف الحرب، وأكد أن القرار النهائي سيكون إسرائيليا، وحتى عندما تحدث عن أمور مقبولة تطلبها حماس لم يوضح ماهية هذه الأمور، و”هذا يعني أنه ليس جادا في وقف الحرب”.

بيد أن المسؤول السابق في الخارجية الأميركية توماس واريك يرى أن إرسال المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف للقاء مسؤولين قطريين في باريس الخميس الماضي يظهر رغبة ترامب في وقف الحرب.

وبعد أن قبلت حماس المقترحات المطروحة، قد يقدم ويتكوف للقطريين رؤية إسرائيل التي لم ترد على أي من هذه المقترحات حتى الآن، حسب واريك، الذي لم يستبعد أن تضغط واشنطن على الإسرائيليين للقبول باتفاق.

موقف ثابت

أما الحديث عن إطلاق سراح الأسرى كافة، فهو ليس جديدا، وإنما هو موقف أميركي ثابت لن يتغير، برأي واريك، الذي يرى أن السؤال المهم حاليا هو: “ما الذي توصلت إليه هذه المفاوضات؟”.

ولا تمثل المفاوضات مشكلة برأي المحلل السياسي الفلسطيني أحمد الطناني، بل إن المشكلة تكمن في تماهي الموقف الأميركي مع ما تريده إسرائيل التي تحاول استغلال الدبلوماسية لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه بالحرب.

فقد تلاعب نتنياهو بالعملية السياسية وتنصل من كل اتفاق تم التوصل إليه، وصاغ مواقف الرئيس الأميركي عبر رون ديرمر، الذي يقول الطناني إنه “حوّل المفاوضات إلى حلقة مفرغة منذ أن تولاها” خلفا لرئيس الموساد ديفيد برنيع.

وردّ واريك على هذا الرأي بقوله إن المشكلة تكمن في حماس التي ترفض الاعتراف بالهزيمة وتسليم السلاح، مؤكدا أن الولايات المتحدة وإسرائيل لن تقبلا بإنهاء الحرب دون تحقيق هذا الهدف.

ليس هذا وحسب، فقد ذهب واريك للقول إن الدول العربية والأوروبية لن تدفع دولارا واحدا لإعادة إعمار مكان تعرف أن حماس يمكنها السيطرة عليه مجددا، ومن ثم الدخول في حرب وتدميره مجددا.

لكن هذا الحديث عن سلاح المقاومة يبدو مبالغا فيه، ولو أن لجانا فنية ناقشت هذه النقطة، لوجدت أن غزة لم يعد بها سوى السلاح الخفيف الذي لا تملك حماس ولا غيرها تسليمه، لأن الناس سيواجهون الاحتلال ولو بسكاكين الطعام، حسب وصف الطناني.

نتنياهو يصوغ مواقف ترامب

كما أن حديث إسرائيل عن رغبتها في صفقة شاملة دون تقديم تصور لهذه الصفقة، وتزامن ذلك مع شروعها بنسف الأبراج السكنية الموجودة في قلب مدينة غزة، يؤكد -برأي الطناني- نيتها تهجير الفلسطينيين إلى السجن الكبير الذي تخطط لإقامته في مدينة رفح.

واتفق مصطفى مع الطناني بقوله إن إسرائيل غير معنية بنزع السلاح، وإنما باحتلال قطاع غزة وتهجير سكانه، مؤكدا أن الولايات المتحدة تدعم هذا التوجه، حسب ما يقوله الوزراء الإسرائيليون أنفسهم.

ولم يختلف الخبير العسكري اللواء فايز الدويري مع الضيفين السابقين، إذ قال إن نسف الأبراج جزء من عملية التدمير الممنهجة الرامية لطرد السكان تدريجيا نحو الجنوب.

ووفقا للدويري، فإن إسرائيل تحاول تهجير الفلسطينيين من غزة، ثم من مخيمات الوسط، فدير البلح، ثم من غرب خان يونس والمواصي إلى جنوب محور موراغ وشرق رفح، وهي المنطقة التي بدأ الحديث عن بناء 100 ألف خيمة فيها.

وعسكريا، لا يمكن للمقاومة التخلي عن الأسرى ولا عن السلاح، لأنها لن تجد ما تفاوض به بعد ذلك، لا سيما أنه لا توجد ضمانات ولا ضامن يمكن الوثوق به بأن إسرائيل لن تهجّر السكان إذا سلمت حماس الأسرى والسلاح.

أما حديث واريك عن هزيمة حماس، فرد عليه الدويري بقوله إنه لا أحد يتفاوض مع المهزوم، وإن اليابان وألمانيا استسلمتا دون تفاوض عندما هزمتا في الحرب العالمية الثانية.

كما انسحبت الولايات المتحدة عندما هُزمت في فيتنام والعراق وأفغانستان، والحديث للدويري، الذي قال إنه لا يمكن اعتبار طرف من الأطراف مهزوما ما دام أنه يواصل القتال.

صحيح أن المقاومة فقيرة عسكريا -حسب الدويري- لكنها لم تُهزم، “لأن مواصلة القتال هي مركز الثقل الذي يحدد النصر والهزيمة في كل حرب”.

شاركها.
Exit mobile version