لم يعد أمام الفلسطينيين سوى الالتفاف حول خطة وطنية جامعة لمواجهة مخطط الضم الذي تحاول إسرائيل تنفيذه على غالبية مساحة الضفة الغربية المحتلة، بعد سنوات من محاولات السلطة إبداء حسن النية والرغبة في السلام.

ففي الوقت الذي تستعد فيه العديد من الدول للاعتراف بالدولة الفلسطينية في وقت لاحق من الشهر الجاري، قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية، مهما كانت التحديات، مؤكدا أن الإدارة الأميركية تؤيد هذا التوجه.

ووفقا لصحيفة يديعوت أحرونوت، فقد اقترح سموتريتش ما سماه بسط السيادة على 82% من أراضي الضفة الغربية، وإسناد إدارة ما تبقى منها للسلطة الفلسطينية.

بيد أن هذا الحديث عن ضم إسرائيل للضفة المحتلة ليس جديدا، ولكنه مشروع قديم خضع لقياس ردات الفعل الدولية والإقليمية طيلة الأعوام الـ20 الماضية، كما يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين.

فقد كان البعد الأمني هو المحرك الأساسي لأي مخطط إسرائيلي، لكن هذا الوضع تغير بعد الانتفاضة الثانية وخصوصا في عهد بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية- الذي تحول إلى قتل اتفاقية أوسلو بكل الطرق، حسب ما قاله جبارين لبرنامج “ما وراء الخبر”.

صورة لوزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش خلال مؤتمر صحفي وفي الخلفية خريطة للضفة الغربية المحتلة (الجزيرة)

قتل أوسلو

وخلال السنوات الماضية، حاولت إسرائيل، وفق جبارين، تطبيق نموذج مصغر في القدس والخط الأخضر، لما يمكن أن تكون عليه الأوضاع في الضفة الغربية بعد ضمها، بحيث لا يمكنهم إقامة أي مجتمع مدني أو نشاط اقتصادي.

وبالتالي، ستحصر إسرائيل الفلسطينيين في مساحة الـ18% التي ستخضع لإدارة السلطة الفلسطينية، بينما ستكون محاصرة بالمستوطنات من كل اتجاه.

وسيكون التحدي الديمغرافي هو المهدد الأكبر لمشروع إسرائيل، الذي يقول جبارين إنه “يقوم على تخيير الفلسطيني بين الاعتراف بسيادتها أو القتل”.

أما الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي، فيرى أن حديث سموتريتش “يؤكد فشل أي رهان على موقف الولايات المتحدة، التي لا تخفي دعمها لإسرائيل بل وتدفعها دفعا لإبادة قطاع غزة”.

كما أن الحديث عن وضع 18% من مساحة الضفة الغربية تحت يد السلطة الفلسطينية، ليس إلا محاولة لإقامة نظام فصل عنصري استعماري دون تحمل أي مسؤوليات تجاه الفلسطينيين الذين سيتم إخراجهم وحشرهم في هذه المساحة الصغيرة، حسب البرغوثي.

وإذا قبلت السلطة بهذا الأمر سيجعلها “حارسا لمعسكر اعتقال، نيابة عن إسرائيل”، وفق المتحدث، الذي قال إن ما يقوله سموتريتش، هو نفسه ما يريده نتنياهو، لكنه لا يعلنه بنفسه حتى يجس نبض المنطقة والعالم.

فتعزيز الاحتلال بضم الضفة، برأي البرغوثي، ليس ردا على سعي عدد من الدول للاعتراف بفلسطين، ولكنه محاولة لتدمير أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية فعلية في المستقبل.

وتتطلب مواجهة هذه الخطة خطوات جدية وعقوبات وخصوصا من الدول العربية والإسلامية التي لا يزال بعضها يطبع مع تل أبيب، حسب البرغوثي، الذي قال إن التنديد والتهديد لن يغيرا شيئا على أرض الواقع.

والمطلوب من السلطة حاليا، برأي البرغوثي، هو رفض العمل كوكيل للاحتلال، وأن تكون هناك إستراتيجية وطنية شاملة يلتف حولها الفلسطينيون لمواجهة هذا المشروع الاستعماري.

السلطة تراهن على الفلسطينيين

لكن رئيس المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الإستراتيجية محمد المصري، يرى أن حفاظ السلطة الفلسطينية على شرعيتها الدولية وتمكنها من الحصول على اعتراف مزيد من الدول بالدولة الفلسطينية المستقلة هو الذي أشعر واشنطن وتل أبيب بالخطر، لأن هذه الاعترافات ستثبت الفلسطينيين في أرضهم سواء في غزة أو الضفة.

كما أن السلطة، حسب المصري، ليست مستسلمة لإسرائيل كما يتهمها البعض ولكنها كانت تراهن على حراك الشعب الفلسطيني منذ عودتها من تونس في تسعينيات القرن الماضي، فإسرائيل “لم تلتزم باتفاقاتها حتى مع مصر والأردن، وما يجري حاليا هو أنها تحاول الوصول بالسياسة لما فشلت في الوصول له بالقوة”.

وسيكون من الصعب على السلطة الفلسطينية مواجهة هذا التغول الإسرائيلي وحدها، ولكنها بحاجة لموقف فلسطيني موحد، حتى يمكنها مواجهة الضغوط التي ستتزايد عليها قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية سبتمبر/أيلول الجاري، كما يقول المصري، الذي قال إن طموحات سموتريتش ستواجه بطوفان فلسطيني في الضفة كما هي الحال في غزة.

وبناء على ذلك، فإن المطلوب حاليا هو التفاف كافة الفلسطينيين حول خطة واحدة لمواجهة طموحات إسرائيل، خصوصا وأن زيارة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، المرتقبة لتل أبيب “ستحدد ملامح الفترة المقبلة”، برأي المصري.

شاركها.
Exit mobile version