الدوحة- شكّل انهيار العملة اللبنانية حدثا مفصليا في حياة الروائي اللبناني محمد طرزي الفائز بجائزة كتارا للرواية العربية لسنة 2024 عن روايته “ميكروفون كاتم صوت”.

يقول طرزي، المولود في مدينة بيروت العام 1983، إن روايته الفائزة اعتمدت الواقعية المستمدة مجتمعيا مما يعيشه اللبناني من معاناة اقتصادية طاحنة في الفترة الممتدة من عام 2018 حتى 2022، وهي الفترة ذاتها التي شهدت أزمات مالية وانهيارا للعملة المحلية (الليرة) مقابل سعر صرف الدولار.

محمد، الحاصل على إجازة في القانون وأخرى في الاقتصاد من الجامعة اللبنانية، اختار المقبرة ساحة لمحاكماته، وفضاء سرديا أساسيا لروايته “ميكروفون كاتم صوت”، لتكون تعبيرا رمزيا عن الحال المذري الذي وصلت إليه بلاده، كما تناول بين صفحات روايته الهجرة غير الشرعية، والبحر الذي وصفه بمقبرة أخرى للمهاجرين الباحثين عن فرصة لحياة أفضل وأكثر استقرارا ورخاء.

لم يخفِ الكاتب اللبناني الشاب، في حواره للجزيرة نت، عجزه أمام مشاهد القتل والدمار التي ترسم ملامح كارثية على مستقبل لبنان، إلا أنه لم يتخلَّ عن كلمة الحق التي يجب أن تقال في وجه محتل غاصب مجرم، كلمة رأى فيها طرزي منجاة من السؤال، وجسرا ممدودا للبشرية نستطيع عبره تكوين موقف أدبي ثقافي إنساني، فإلى الحوار:

طرزي: الرواية اعتمدت على الواقعية المستمدة مما يعيشه الشعب اللبناني (مواقع التواصل)
  • هل كنت تتوقع الفوز بكتارا؟

في البداية أنا فخور وسعيد جدا بهذه الجائزة العريقة، فهي بالفعل تتويج عظيم لسنوات من الكتابة، وإضافة مهمة لمسيرتي الأدبية، ولا أخفيكم سرا فقد انتظرتها طويلا، فأي أديب يسعى ويرغب من خلال مشاركته في أي جائزة بأن يفوز بها، وسرعان ما تتحول وتتطور هذه الرغبة وتصبح توقعات قابلة للتحقق، وبالفعل تحقق الحلم وفزت بجائزة كتارا في نسختها العاشرة.

  • حدثنا عن روايتك الفائزة.. وما سر هذه الرواية لتفوز بالجائزة دونا عن غيرها؟

“ميكروفون كاتم صوت” هي رواية اجتماعية واقعية سببها لبنان، وما حدث في لبنان خلال الفترة الممتدة من عام 2018 حتى 2022، وهي الفترة التي شهدت أزمات اقتصادية وانهيارا للعملة المحلية (الليرة)، ناهيك عن التعصب الطائفي والفساد السياسي المسيطر، إلى جانب ظهور اضطرابات وثورات وحراك اجتماعي مثير وكبير، وكذلك ما حصل من تفجير مروع في مرفأ بيروت.

كل هذه المآسي السوداء وما ترتب عليها دفعتني لاختيار “المقبرة” فضاء سرديًّا أساسيًّا للرواية، لتكون تعبيرا رمزيا عن الحال المذري الذي وصلت له بلاد الأرز، إضافة إلى الهجرة غير الشرعية والبحر الذي يعتبر مقبرة أخرى للمهاجرين الباحثين عن فرصة لحياة أفضل وأكثر استقرارا ورخاء.

كل هذه المآسي السوداء وما ترتب عليها دفعتني لاختيار “المقبرة” فضاء سرديا أساسيا للرواية، لتكون تعبيرا رمزيا عن الحال المذري الذي وصلت له بلاد الأرز، إضافة إلى الهجرة غير الشرعية والبحر الذي يعتبر مقبرة أخرى للمهاجرين الباحثين عن فرصة لحياة أفضل وأكثر استقرارا ورخاء.

سبب تفوق الرواية عن غيرها برأي هو غايتي في تقديم نص يسعى إلى أن يراعي المعايير الأدبية والنقدية، إلى جانب مواكبة آخر التقنيات التي توصلت إليها الرواية العربية والعالمية، وسعيت من خلال ذلك لأن تلفت روايتي نظر القراء والنقاد في آن، واعتقد بأنني نجحت في ذلك.

  • كيف قرأت المرحلة ومَن أبطالك؟

قرأت هذه المرحلة التي بين طيات “ميكروفون كاتم صوت”، بلغة نص محبوك متين مشغول بإتقان عبر بطل الرواية، الشابّ سلطان، الذي يعمل في مقبرة وينتمي إلى أسرة فقيرة وتنشأ بينه وبين وداد التي تنتمي إلى أسرة غنية علاقة حب، ثم يسعى بعد ذلك إلى الهجرة غير الشرعية بأي ثمن ليحسن من حاله.

 

أغلب شخصيات هذه الرواية هي شخصيات هامشية، لذلك فإن المقبرة تلعب دورا أساسيا في الرواية، فالشخصيات الرئيسية يلتقون في مرحلة من مراحل الرواية داخل المقبرة، ومن خلال شخصياتهم وأحلامهم وانكساراتهم نتعرف على هشاشة الذات الإنسانية وهشاشة أولئك الاشخاص في هذه الفترة الزمنية.

أغلب شخصيات هذه الرواية هي شخصيات هامشية، لذلك فإن المقبرة تلعب دورا أساسيا في الرواية، فالشخصيات الرئيسية يلتقون في مرحلة من مراحل الرواية داخل المقبرة، ومن خلال شخصياتهم وأحلامهم وانكساراتهم نتعرف على هشاشة الذات الإنسانية، وهشاشة أولئك الأشخاص في هذه الفترة الزمنية.

  • كيف ترى أهمية جائزة كتارا للرواية العربية في دعم الناتج الأدبي والفكري العربي؟

‏لجائزة كتارا أهمية استثنائية على مستوى دولة قطر والوطن العربي عامة، حيث من خلالها يتطور المشهد الأدبي والثقافي في منطقتنا، فهي تجذب الكُتّاب والروائيين العرب وتقدمهم لجمهور جديد، كما أنها تحظى بقيمة أدبية كبيرة لوجود لجان تحكيم بأعضاء مخضرمين ومعروفين بجدارتهم الفكرية والأدبية.

الدعم الذي تقدمه جائزة كتارا للأدب والرواية العربية لا حدود له، فيكفي ما تنتجه الجائزة من نتاج أدبي وفكري غني، وهذا بطبيعة الحال أكثر ما يسعى إليه الكاتب، فضلا عن ترجمة الرواية الفائزة إلى الإنجليزية والفرنسية، وهذا يعطي للرواية بُعدا عالميا واسعا وجمهورا جديدا بلغات متعددة في أصقاع الأرض.

  • في الآونة الأخيرة كثرت الإنتاجات الأدبية، ولكن في الوقت ذاته قلّت الضوابط.. هل تؤيد حرية الإبداع على الإطلاق من دون خبرة الكتابة السردية؟ أم أنت مع وضع ضوابط ومعايير دقيقة لاختيار الأعمال الصالحة للنشر؟

نعم فعلا في الآونة الأخيرة كثرت الإنتاجات الأدبية بسبب سهولة النشر، لكني لا أستطيع أن أطالب بوضع ضوابط صارمة للنشر، فأنا مع حرية النشر وحرية التعبير بالكلمة، فالشخص الذي يهوى الكتابة وإن كان مبتدئا عليه أن يواصل السعي ويقدم تجربته، وأن يتطلع لنجاحها بكل السبل الأدبية المهنية.

يبدأ أي كاتب بنص غير جيد أو لا يتمتع بالمواصفات الأدبية المتميزة، لكنه يتطور بعد ذلك عبر آراء النقاد والأصدقاء والقراء

قد يبدأ أي كاتب بنص غير جيد أو لا يتمتع بالمواصفات الأدبية المتميزة، لكنه يتطور بعد ذلك عبر آراء النقاد والأصدقاء والقراء، لذلك لا أعتبر نفسي ممن يؤيدون فكرة وضع ضوابط على الكتاب والأدباء، ففي نهاية المطاف ستكون الاستمرارية للمواهب الحقيقية التي لديها مشاريع أدبية مبدعة وفريدة، ستأخذ حقها في المشهد الأدبي بلا أدنى شك.

  • برأيك.. هل تغيّرت ذائقة القارئ العربي؟

‏ذائقة القارئ العربي بطبيعة الحال تتبدل كأي ذائقة أخرى، فاليوم عندما نقرأ نصوص مشهورة لكتاب مشهورين في مرحلة معينة.. نطرح تساؤلا: هل يمكن لهذا النص أن ينال الشهرة ذاتها لو نشر في هذا المرحلة؟ والإجابة غالبا لا لأن الذائقة تتبدل وتتطور بشكل مستمر.

بعد سلسلة من الروايات الخيالية التاريخية هذه أول رواية أكتبها في الرواية الاجتماعية، حيث كتبت روايات في “التخيل التاريخي” شكلت القارة الأفريقية موضوعًا لمعظمها، والتي كانت جزءا من مشروع  كبير للحديث عن تاريخ العرب في شرق أفريقيا

  • عندما تمسك بالقلم وتكتب، ماذا تريد أن تخلق في نفس القارئ؟

بعد سلسلة من الروايات الخيالية التاريخية هذه أول رواية أكتبها في الرواية الاجتماعية، حيث كتبت روايات في “التخيل التاريخي” شكّلت القارة الأفريقية موضوعا لمعظمها، والتي كانت جزءا من مشروع  كبير للحديث عن تاريخ العرب في شرق أفريقيا، وأن يكتشف القارئ الوجود العربي العميق في هذه المنطقة المثيرة من العالم.

ما قصة جزيرة زنجبار وما علاقتها بسلطنة عُمان؟

وعملت في “التخيل التاريخي” وكنت دائما أكتب في التاريخ لإيصال رسالة لها علاقة بالحاضر، وهذا كله يدل على أنه لا يوجد سبب واحد للكتابة، وفي هذه الرواية “ميكروفون كاتم صوت”، كان لدي إحساس عميق بالعجز مما يحصل في بلدي، ووجدت نفسي مندفعا للكتابة عما يحل بأهلي وناسي.

على الكاتب والفنان والشاعر دور في رفع هذا الظلم والقهر، بقول ما يجب أن يقال.. واجب علينا دعم صوت الحق لا منة منا.

  • في ظل الحرب القائمة على لبنان وفلسطين، برأيك ما دور الكاتب العربي؟

‏نحن عاجزون أمام الإبادة وهذه الآلة العسكرية التي تنتهك حرمة الإنسان وتفتك بالمدنيين والأطفال فيما يقف العالم متفرجا.
على الكاتب والفنان والشاعر دور في رفع هذا الظلم والقهر، بقول ما يجب أن يقال.. واجب علينا دعم صوت الحق لا منة منا.

ربما رفع الظلم قد لا يتحقق بالكلمات، لكن تبقى الكلمات جسرا للرأي العام العالمي لكي نستطيع تكوين موقف أدبي ثقافي على مستوى العالم.

  • ماذا بعد جائزة كتارا؟

ما بعد جائزة كتارا هو ما قبلها.. الاستمرار في الكتابة ومواصلة مشروعي الأدبي، لأن الغاية الأساسية بطبيعة الحال هي الوصول إلى القراء، وإيصال ما أؤمن به من أفكار ومبادئ وآراء بصورة فنية.

شاركها.
Exit mobile version