القدس المحتلة- في تطور غير مسبوق، هزَّ صاروخ باليستي أُطلق من اليمن منظومة الأمن الإسرائيلية، بعدما سقط في محيط مطار بن غوريون قرب تل أبيب، أحد أبرز المواقع الحيوية والإستراتيجية داخل إسرائيل.

الهجوم الذي تبنّته جماعة أنصار الله (الحوثيين)، يعد الأكثر جرأة منذ بدء سلسلة الضربات التي شنَّتها الجماعة اليمنية نصرة لقطاع غزة، حيث كشف عن ثغرات خطيرة في منظومات الدفاع الجوي “المتطورة” التي تعتمد عليها تل أبيب وواشنطن على حد سواء.

وإثر سقوط الصاروخ، سارعت شركات طيران أجنبية إلى إلغاء رحلاتها إلى إسرائيل، في مؤشر على المخاوف الأمنية المتصاعدة، بينما عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اجتماعا طارئا مع قيادات أمنية وعسكرية لتدارس خيارات الرد.

شاهد | لحظة سقوط صاروخ أطلق من اليمن داخل مطار بن غوريون الإسرائيلي

عجز التصدي

وذكرت مصادر أمنية إسرائيلية أن تل أبيب “لم تعد ترى نفسها مقيدة”، في إشارة إلى احتمال تنفيذ ضربات مباشرة ضد الحوثيين، في ظل عجز أنظمة الدفاع مثل “حيتس 3″ و”ثاد” الأميركية عن التصدي للتهديد الأخير، حسب ما نقلته إذاعة الجيش الإسرائيلي.

ولم يكن الهجوم على مطار بن غوريون معزولا عن سياق أوسع من التصعيد العسكري من جانب الحوثيين، الذين شنوا -خلال الأسابيع الأخيرة- عدة هجمات صاروخية وبطائرات مسيّرة على أهداف في جنوب ووسط إسرائيل، شملت مناطق قريبة من إيلات والنقب، وأخرى باتجاه البحر الأحمر.

ورغم نجاح الدفاعات الجوية الإسرائيلية في التصدي لبعض الهجمات، إلا أن الصاروخ الذي أصاب أطراف المطار يعتبر أول خرق مباشر لدائرة الأمان المحيطة بالمركز الحيوي الجوي الإسرائيلي.

المدخل الرئيسي في المطار “تيرمنال 3” تضرر بشكل مباشر جراء الصاروخ اليمني (الإسعاف الإسرائيلي)

واللافت في الهجوم الأخير أيضا، ليس فقط توقيته ومكانه، حسب قراءات المحللين، بل فشل أنظمة الدفاع المتطورة في التصدي له، فقد أظهرت التقارير الأولية أن صاروخ الحوثيين تفادى أو اخترق منظومتي “حيتس 3″ الإسرائيلية و”ثاد” الأميركية، رغم تفعيلهما.

ويصف محللون الحدث بأنه “اختبار صادم” لكفاءة هذه المنظومات، ويطرح تساؤلات إستراتيجية عن قدرة إسرائيل على حماية أجوائها حال تعددت الجبهات أو تصاعدت التهديدات من أطراف متباعدة.

ومع تصاعد الضغط الشعبي والسياسي في الداخل، قد تجد إسرائيل نفسها مضطرة للرد المباشر على الحوثيين في اليمن، رغم أن الولايات المتحدة تشن بالفعل منذ أسابيع غارات متواصلة ضد مواقعهم، ضمن تحالف يهدف إلى تأمين الملاحة في البحر الأحمر.

هجوم “غامض”

وأمام الأهداف الإستراتيجية التي باتت تصيبها الصواريخ اليمنية، قد تسعى تل أبيب لإثبات استقلالية قرارها العسكري، وربما تلجأ إلى استهداف منشآت تابعة للجماعة في صنعاء أو صعدة، سواء عبر الطيران الحربي أو ضربات بحرية من خلال غواصات أو سفن في البحر الأحمر.

ومع بروز اليمن كلاعب عسكري مفاجئ في المعادلة الإقليمية، وفقا لقراءات المحللين، تتجه الأنظار إلى ما إذا كانت الضربة على مطار بن غوريون بداية لمرحلة جديدة من الحرب تتسع فيها الجبهات، وتتعاظم معها التحديات أمام منظومة الأمن الإسرائيلية الأميركية.

وعقب سقوط الصاروخ اليمني قرب مطار بن غوريون، أثيرت تساؤلات واسعة في الأوساط العسكرية الإسرائيلية حول أسباب فشل أنظمة الدفاع الجوي في اعتراضه، رغم الاعتماد على منظومات يُفترض أنها من الأكثر تطورا في العالم.

منظومة الدفاع الإسرائيلية؛ بطارية “السهم- الحيتس” التي فشلت بالتصدي للصاروخ اليمني (وزارة الحرب الإسرائيلية)

وفي السياق، كتب محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، يوسي يهوشع، قائلا: “أولا أخطأ نظام السهم، ثم أخطأ نظام ثاد، الصاروخ الذي أُطلق ليس مميزا من حيث النوع، وقد تم اعتراض صواريخ مماثلة له سابقا”.

ويشير يهوشع إلى أن ما يثير القلق -هذه المرة- هو الطبيعة الغامضة للهجوم، إذ لم يعلن المتحدث باسم الحوثيين عن نوع الصاروخ المستخدم، خلافا لما جرت عليه العادة في الهجمات السابقة.

وفي المقابل، تداولت بعض وسائل الإعلام العربية أن الصاروخ المستخدم من طراز جديد يتمتع بقدرات عالية على تجاوز أنظمة الرادار، وهو ما نفاه مسؤولون إسرائيليون كبار.

ووفقا للمحلل يهوشع، يجري تحقيق داخلي في إسرائيل لبحث ما إذا كان الفشل ناتجا عن خلل تقني في المنظومات الدفاعية أو خطأ بشري في التشغيل، خاصة أن منطقة مطار بن غوريون تُعد من بين أكثر المناطق تحصينا جويا في إسرائيل.

ويقول يهوشع إن هذا التطور يأتي “في وقت حساس، إذ تواجه إسرائيل تحديات أمنية متعددة الجبهات، وقد يُفضي هذا الإخفاق إلى إعادة تقييم إستراتيجيات الدفاع الجوي، وربما تسريع خطط تحديث الأنظمة أو تطوير تكتيكات التعامل مع التهديدات البعيدة المدى، خاصة تلك القادمة من اليمن”.

فشل منظومة الدفاع الإسرائيلية بصد الصاروخ اليمني قد يجعل إسرائيل ترد عسكريا ضد اليمن (وزارة الحرب الإسرائيلية)

حسابات الرد

وأمام هذه التطورات، تتزايد التساؤلات داخل إسرائيل حول طبيعة الرد المحتمل، وما إذا كانت الحكومة ستتحرك بمفردها أم ستعتمد على استمرار الضربات الأميركية في اليمن، وهو ما طرحه محلل الشؤون السياسية في صحيفة “يسرائيل هيوم”، أريئيل كهانا، بقوله: “السؤال المطروح حاليا في إسرائيل: هل ننتظر نتائج العدوان الأميركي على الحوثيين أم نرد بشكل مباشر؟”.

وبحسب كهانا، لا يزال المستوى السياسي في إسرائيل متمسكا بقرار إفساح المجال أمام الولايات المتحدة لمواصلة عملياتها العسكرية ضد الحوثيين، من دون الانخراط المباشر في الوقت الراهن. لكن هذا الحذر لا يخلو من حسابات إستراتيجية أعمق، إذ قد ينعكس شكل الرد الإسرائيلي على معادلة الردع الإقليمية، لا سيما في سياق المواجهة المستمرة مع إيران.

ويضيف كهانا أنه رغم تصاعد الأصوات داخل المعارضة التي تدفع نحو مواجهة مباشرة مع طهران، فإن القرار الفعلي لا يزال موضع دراسة دقيقة من قبل صناع القرار، الذين يتعاملون بحذر، موازنين بين الحاجة للرد وبين ضرورة التنسيق مع البيت الأبيض، الذي لا يزال يشكل شريكا رئيسا في إدارة التصعيد الإقليمي.

وبينما تترقب تل أبيب نتائج التحركات الأميركية ضد اليمن، يتابع كهانا: “تدرس إسرائيل بعمق الشكل والتوقيت الأنسب للرد، في ظل سيناريوهات محتملة قد تشمل تصعيدا واسعا على أكثر من جبهة، من اليمن إلى إيران، مرورا بجنوب لبنان وقطاع غزة”.

شاركها.
Exit mobile version