عندما يتعلق الأمر بالسفر لمسافات طويلة، غالبا ما تسرق الطيور الأضواء، لكنها ليست الوحيدة القادرة على القيام برحلات ملحمية، حيث تعرف حفنة من أنواع الخفافيش بهجراتها التي تمتد لآلاف الكيلومترات عبر القارات، على الرغم من أن سلوكها ظل لغزا حتى وقت قريب.

وفي دراسة رائدة نشرت في مجلة  “ساينس” في الثاني من يناير/كانون الثاني، كشف باحثون من معهد ماكس بلانك لسلوك الحيوان كيف تستخدم الخفافيش الرياح العاصفة لتغذية هجراتها، وهذا يلقي الضوء على واحدة من أكثر الظواهر الطبيعية غموضا.

وركزت الدراسة على خفاش “نوكتيول” الشائع، وهو واحد من 4 أنواع فقط من الخفافيش في أوروبا المعروفة بهجراتها الطويلة. ومن خلال توصيل أجهزة استشعار ذكية خفيفة الوزن بـ71 خفاشا، تتبع الفريق هجرتهم الربيعية عبر القارة، وهذا كشف عن إستراتيجية مفاجئة: الخفافيش “تركب” الكتل الهوائية العاصفة الدافئة لتحلق لمسافات أبعد باستخدام طاقة أقل.

ويعتقد المؤلفون أن هذه النتائج لا تعمق فهمنا لهجرة الخفافيش فحسب، بل لها أيضا آثار مهمة على جهود الحفاظ على البيئة، خاصة في تقليل وفيات الخفافيش الناجمة عن توربينات الرياح.

الخفافيش صغيرة الحجم، وليلية، وتسافر لمسافات شاسعة، وهذا يجعل مراقبتها صعبة (كرمان صافي)

قفزة تكنولوجية في تتبع الخفافيش

لطالما كانت دراسة هجرة الخفافيش تحديا كبيرا؛ فالخفافيش صغيرة الحجم، وليلية، وتسافر لمسافات شاسعة، وهذا يجعل مراقبتها صعبة.

وللتغلب على هذه العقبات، طور الفريق البحثي جهاز تتبع صغيرا يزن 5% فقط من كتلة جسم الخفاش. ويحتوي الجهاز المزود بعدة أجهزة استشعار على تسجيل مستويات نشاط الخفافيش ودرجة حرارة الهواء المحيط.

والأكثر من ذلك، أنه قام بضغط 1440 قياسا يوميا من أجهزة الاستشعار في رسالة بحجم 12 بايتا، تم إرسالها عبر شبكة طويلة المدى تشبه نظام الهاتف المحمول.

ويقول المؤلف الرئيس للدراسة “إدوارد هورمي” -وهو باحث ما بعد الدكتوراه في معهد ماكس بلانك لسلوك الحيوان في تصريحات لـ”الجزيرة نت”- إن بيانات أجهزة الاستشعار عن بعد كانت “مذهلة”، إذ إن النتائج لم تظهر المسار الذي سلكته الخفافيش فحسب، بل أيضا ما واجهته في البيئة أثناء هجرتها.

ويوضح هورمي: “هذا السياق هو ما يمنحنا نظرة ثاقبة حول القرارات الحاسمة التي اتخذتها الخفافيش خلال رحلاتها المكلفة والخطيرة”.

طور الفريق البحثي جهاز تتبع صغيرا يزن 5% فقط من كتلة جسم الخفاش (إدوارد هورمي)

مسارات غير متوقعة

ويقول “هورمي” إن الدراسة تتبعت إناث خفافيش “نوكتيول” الشائعة، التي تهاجر أكثر من الذكور، على مدار 3 فصول ربيعية. إذ تم توصيل الأجهزة بالخفافيش في سويسرا وتم مراقبتها أثناء هجرتها نحو الشمال الشرقي إلى موائلها الصيفية.

وكشفت البيانات أن مسارات هجرتها كانت أكثر تنوعا مما كان يعتقد سابقا، “لا يوجد ممر هجرة. كنا نعتقد أن الخفافيش تتبع مسارا موحدا، لكننا نرى الآن أنها تتحرك في جميع أنحاء المناظر الطبيعية باتجاه الشمال الشرقي العام” وفق ما وضح الباحث.

كما اكتشف الباحثون أن خفافيش “نوكتيول” يمكنها الطيران لمسافة تصل إلى 400 كيلومتر في ليلة واحدة، وهو رقم قياسي جديد للأنواع. وعلى عكس الطيور المهاجرة، التي تتراكم لديها احتياطيات الدهون قبل رحلاتها، تحتاج الخفافيش إلى التزود بالوقود بشكل متكرر. ويوضح هورمي أن “الخفافيش لا تكتسب وزنا استعدادا للهجرة. إنها بحاجة إلى التزود بالوقود كل ليلة، لذا فإن هجرتها تأخذ نمطا متقطعا بدلا من أن تكون رحلة مباشرة”.

وكان أحد أبرز اكتشافات الدراسة هو قدرة الخفافيش على استخدام أنماط الطقس لصالحها. إذ لاحظ الباحثون أن الخفافيش غالبا ما تغادر بأعداد كبيرة في الليالي التي ينخفض فيها ضغط الهواء وترتفع درجات الحرارة، وهي ظروف تسبق العواصف القادمة.

ومن خلال ركوب الرياح الدافئة المصاحبة لهذه الجبهات العاصفة، تمكنت الخفافيش من توفير الطاقة والطيران لمسافات أبعد.

شاركها.
Exit mobile version