لم تكن صناعة التكنولوجيا تفتقر إلى الإخفاقات الكارثية على مر العقود، لكن في عام 2023 تجاوز الطموح الجامح والسعي وراء جمع الثروات حدود الحكمة والسلامة في العديد من قطاعات التكنولوجيا، لهذا من الصواب أن نتذكر أسوأ الإخفاقات في هذا المجال على مدار العام الذي ربما يرغب عدد كبير من الأشخاص والشركات في نسيانه.

الغواصة تيتان.. دروس من قاع المحيط

في صباح يوم الأحد 18 يونيو/حزيران 2023، بدأت الغواصة تيتان ما يُفترض أنها “رحلة استكشافية” لحطام سفينة تيتانيك بمنطقة سان جونز في قاع المحيط الأطلسي، وتحديدا من ساحل مقاطعة نيوفاوندلاند بكندا، بصحبة سفينة دعم وفي داخلها 5 أشخاص، انطلقت رحلتهم مفعمة بالحماس وروح المغامرة، إلا أنها ما لبثت أن تحولت بعد أقل من ساعتين فقط إلى عملية كبرى للبحث عنهم وإنقاذهم ثم إلى مهمة للعثور ما تبقى منهم في أعماق المحيط، وعلى ما يبدو بعد أكثر من 110 سنوات، أبت لعنة تيتانيك إلا أن تحل على الركاب الخمسة.

الغواصة التي تشغلها شركة “أوشن غيت” ومقرها الولايات المتحدة، صُممت لتكون الأصغر والأسرع والأقل كلفة في عمليات استكشاف البحار، وهي قادرة نظريا على الغوص بمخزون أكسجين يصل لمدة 96 ساعة متواصلة، وهو مخزون يتجاوز بكثير مدة الرحلة التي تستغرق 8 ساعات موقع حطام تيتانيك، لذلك يطرح فقدانها أسئلة عن مدى دقة ذلك.

ما الذي حدث للغواصة تيتان وكيف انفجرت؟

فرضيات كثيرة تحدثت عن انفجار داخلي كارثي أدَّى إلى موت كل طاقم الغواصة التي يُفترض أن تكون مجهزة للرحلة المقررة في أعماق المحيط، وأرجعه الخبراء إلى ضغط الماء الهائل الذي يوجد عند العمق حيث يسكن حطام تيتانيك، ولا يُعرف على وجه الدقة مدى عمق الغواصة لحظة انفجارها سوى زمن فقد الاتصال بها قبل نهاية رحلتها، علما بأن حطام سفينة تيتانيك يقع على عمق 4000 متر.

أعادت هذه الحادثة إلى الأذهان بعض تفاصيل فيلم تيتانيك وسبب غرقها إثر إصرار ربّان السفينة على المضي قدمًا بالإبحار وتجاهل التحذيرات، وهذا ما فعله ستوكتوش راش المدير التنفيذي للشركة المصنعة لهذه الغواصة الذي كان أيضا أحد ركاب الغواصة، وهو من نوع  المبتكرين الذين يمتلكون فلسفة تحطيم القواعد المألوفة، والذي كان يحلم بذلك، واعتقد أنه يمكن لهذه الإستراتيجية أن تنجح حتى في أعماق البحار.

في ذلك الوقت، والأيام التي تلت ذلك، أصبح من الواضح أنه كان من الممكن منع جزء كبير من الكارثة. ففي عام 2018 أعربت رسالة وجهها العشرات من قادة الصناعة والخبراء مباشرة إلى راش عن قلقهم بشأن افتقار الغواصة إلى شهادة السلامة الرسمية، وحذرت الرسالة من أن العواقب قد تكون “كارثية”، وهي الكلمة التي استخدمها خفر السواحل الأميركي في نهاية المطاف لوصف انفجار الغواصة.

اختارت أوشن غيت بناء هيكل الغواصة بمزيج من ألياف الكربون والتيتانيوم بدلاً من التيتانيوم الخالص. وفي عام 2017، أخبر راش موقع تك كرانش أن “الجميع قال إنه لا يمكنك البناء باستخدام ألياف الكربون”، ولكن استخدام مادة أكثر قدرة على الطفو أدى إلى خفض التكاليف بشكل كبير.

رسمت غطرسة راش صورة لرئيس تنفيذي عازم على تجاوز حدود الغواصة تيتان رغم مناشدات الخبراء الذين قالوا إن السفينة ليست جاهزة لاستكشاف أعماق البحار، وسبق أن أبلغ الركاب السابقون عن تجارب مثيرة للقلق داخل تيتان.

واتضح أيضا أنه بعيدا عن جاذبية زيارة تيتانيك، كان لدى راش طموحات أعمق للتنقيب عن النفط والغاز في قاع البحر، وكان استكشاف تيتانيك مجرد وسيلة لجذب الناس إلى الاستثمار.

وإجمالاً، أدى غياب شهادات السلامة إلى تجاهل تحذيرات الأصدقاء والزملاء على حد سواء، والافتقار العام إلى الحس السليم في السعي وراء المزيد من الثروات، مما أدى إلى جعل انهيار الغواصة أحد أسوأ حالات الفشل التكنولوجي لهذا العام.

موصلات فائقة.. ادعاء مضلل

“حل حقيقي محتمل لأزمة الطاقة قد يغير كل شيء”.. هذه هي الطريقة التي وَصفت بها العناوين الرئيسية مادة تشبه الصخور لا يزيد حجمها عن قطعة صغيرة من الزجاج، أطلق عليها باحثون في كوريا الجنوبية اسم “إل كيه 99″، وقالوا إنهم صنعوا “لأول مرة في العالم” موصلا فائقا يعمل في درجة حرارة الغرفة والضغط الطبيعي اليومي.

بدأت الأحداث الدرامية بشأن “إل كيه 99” أواخر يوليو/ تموز 2023، عندما نشر الفريق البحثي الكوري ورقتين بحثيتين على موقع “آركايف”، الذي يقدم فيه الباحثون أعمالا لم يتم نشرها بعد أن تخضع لمراجعة الأقران، وقالوا إن “إل كيه 99” كان فائق التوصيل بمجرد وضعه على سطح الطاولة.

ربما كان الدليل الأكثر وضوحا على الموصل الفائق هو مقطع فيديو التقطه الفريق الكوري الجنوبي، وأظهر عينة على شكل عملة معدنية من مادة فضية تتمايل فوق المغناطيس. وقال الباحثون إن العينة كانت ترتفع بسبب “تأثير مايسنر”، وهي السمة المميزة للموصلية الفائقة التي تطرد فيها المادة المجالات المغناطيسية.

في أبسط معانيه، يوصف الموصل الفائق -وهو مركب من النحاس والرصاص والفوسفور والأكسجين- بأنه أي مادة يمكنها توصيل التيار الكهربائي دون أي مقاومة، مما يعني عدم فقدان أي طاقة من خلال الحرارة. وعُرفت الموصلات الفائقة منذ أكثر من 100 عام، لكن جميع المؤكد سابقا منها تعمل فقط عند درجات حرارة منخفضة للغاية أو تحت ضغوط عالية جدا.

لهذا السبب حامت الشكوك حول هذا الاكتشاف، ومع ذلك، عند تقديم نتائج حول حقيقة “إل كيه 99″، كان الباحثون عن الأمر على الإنترنت على استعداد لمشاركتها، وقفز عدد كبير من المتخصصين والعلماء إلى العمل في تجربة عامة محمومة على مستوى الإنترنت، وبعد ذلك تداولوا مقاطع فيديو متعددة على وسائل التواصل الاجتماعي لم يتم التحقق منها عن ارتفاع “إل كيه 99″، لكن لم يلاحِظ أي من الباحثين -الذين حاولوا في البداية تكرار النتائج- أي ارتفاع.

وأطلق محرر العلوم والتكنولوجيا في صحيفة نيويورك تايمز كينيث تشانغ على “إل كيه 99” لقب “موصل الصيف الفائق”، لكن أحلام الصيف سرعان ما تحطمت بعد أسابيع من التكهنات والمحاولات المحمومة في جميع أنحاء العالم لصنع واختبار المادة الجديدة، وأكد بعدها العديد من الخبراء في مجال فيزياء الجوامد -الذي عادة ما يكون غامضا- أن هذه الادعاءات كانت خاطئة، وأن نتائج البحث تشير إلى أنها كانت عديمة الفائدة.

وكان هناك سبب آخر للشك منذ البداية؛ إذ لم يكن لدى العلماء الكوريين الجنوبيين (سوكباي لي وجي هون كيم من مركز أبحاث الطاقة الكمومية، وهي شركة ناشئة في العاصمة سول) سجل حافل في هذا المجال، ولم يكن لـ”إل كيه 99″ (الذي سُمي باسمهما وفي العام الذي بدآ فيه دراستهما) شبه كبير بالموصلات الفائقة ذات درجة الحرارة العالية التي شوهدت في الماضي.

وهناك الآن إجماع واسع النطاق على أن العلامات الواضحة للموصل الفائق للكهرباء الذي أبلغ عنه الفريق الكوري -وهي المقاومة الصفرية والظاهرة المغناطيسية التي تسمى “تأثير مايسنر”- قد يكون لها تفسيرات أخرى، من بينها أن الشوائب الموجودة في المادة -وخاصة كبريتيد النحاس- مسؤولة عن الانخفاض الحاد في مقاومتها الكهربائية وعرض الطفو الجزئي فوق المغناطيس، وهي خصائص مشابهة لتلك التي تظهرها الموصلات الفائقة.

ويبدو أن المادة العجيبة المفترضة ضللت الباحثين الكوريين، وضللت الكثيرين أيضا بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا بمثابة تذكير بأنه ليس كل ما يتم الترويج له على وسائل التواصل الاجتماعي يتوافق مع الواقع، ولكن حتى لو كان طريق “إل كيه 99” مسدودا، فإن البحث عن مادة رائعة فائقة التوصيل في ظل الظروف اليومية سوف يستمر.

تاكسي ذاتي القيادة.. أخطر من السائقين البشر

في هذا العام أيضا، لا يمكن تجاهل النكسات التي تعرضت لها شركات السيارات العملاقة، فقد استدعت شركة تسلا نحو مليوني سيارة لتحديث برنامج القيادة الذاتية الكاملة بعد تحقيق لأكثر من عامين في سلسلة من الحوادث تسببت بها هذه الميزة.

لكن التحول الأكبر كان في شركة كروز التابعة لعملاق صناعة السيارات الأميركي “جنرال موتورز”، التي أصبحت أول شركة تقدم رحلات سيارات الأجرة بدون سائق في سان فرانسيسكو ليلا أو نهارا، وبأسطول يتجاوز 400 سيارة.

الحوادث المتكررة أثارت مخاوف من افتقار سيارات كروز ذاتية القيادة إلى الاستجابة الآمنة والمناسبة أثناء الحوادث  (الفرنسية)

ترى “كروز” أن سيارات الأجرة الآلية لا تتعب ولا تسكر ولا يتشتت انتباهها، حتى أنها نشرت إعلانا في إحدى الصحف على صفحة كاملة يعلن أن “البشر سائقون فظيعون”، لكنها نسيت أن الخطأ أمر بشري، وهو أمر لا يتوقعه أو ينتظره البشر من الروبوتات.

وسرعان ما بدأت سيارة “تشيفي بولتز” المحملة بأجهزة استشعار في “كروز” بمواجهة حوادث مؤسفة ملحوظة، بما في ذلك جر أحد المشاة أسفل إحدى سياراتها ذاتية القيادة لمسافة 20 قدما بعد أن دهسته، حسبما قال المنظمون في كاليفورنيا وفقا لموقع “فايس”.

وأثارت هذه الحادثة الكثير من المخاوف من افتقار سيارات “كروز” إلى القدرة على الاستجابة بطريقة آمنة ومناسبة أثناء الحوادث التي ترتبط بالمشاة، مما قد يعرض المشاة أو الآخرين دون داع لخطر المزيد من الإصابات.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أوقفت إدارة المركبات الآلية في كاليفورنيا خدمة سيارات الأجرة الآلية في مدينة سان فرانسيسكو، لأن الشركة فشلت في الكشف عن لقطات فيديو لحادث الدهس، مشيرة إلى أن التاكسي الآلي المثير للجدل يشكل “خطرا غير معقول على السلامة العامة” بعد سلسلة من الحوادث.

وبعد تعليق تصاريحها للسيارات ذاتية القيادة، أعلنت” كروز” أنها ستوقف مؤقتا خدمات السيارات ذاتية القيادة في سان فرانسيسكو تماما، ولا تزال الشركة قادرة على اختبار مركباتها مع سائق آمن في السيارة.

إنها ضربة للشركة التي تهدف إلى بناء السيارات ذاتية القيادة الأكثر تقدما في العالم، والتي قامت منذ ذلك الحين بتسريح 25% من موظفيها ومديرها التنفيذي وشهدت استقالة مؤسسها المشارك كايل فوجت من الشركة.

وكان وجود “كروز” مثيرا للجدل في سان فرانسيسكو منذ حصولها في أغسطس/آب الماضي على الموافقة على تشغيل خدمة القيادة الآلية الخاصة بها على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع في المدينة.

وتعرضت سيارات الشركة للعديد من الحوادث، بما في ذلك اصطدامها بعربة إطفاء، مما أدى إلى نقل أحد الركاب إلى المستشفى، وفي النهاية وافقت “كروز” على خفض أسطول سياراتها إلى النصف.

“إيه آي بن”.. ابتكار لا يخلو من سلبيات

في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أطلق المديرون السابقون لشركة “آبل” (الزوج والزوجة بيثاني بونجيورنو وعمران شودري) الجهاز الأول لشركة “هيومان” (وهي شركة ناشئة في مجال أجهزة الذكاء الاصطناعي)، والجهاز قابل للارتداء ويُدعى “إيه آي بن” (Ai Pin)، وهو عبارة عن شارة بلاستيكية بها كاميرا ورقائق وأجهزة استشعار.

التحكم في الكثير من وظائف “إيه آي بن” يتم عن طريق الأوامر الصوتية (شترستوك)

وأظهر مقطع فيديو تجريبي للزوجين اللذين وُجها إلى فكرة منتجهما بتوجيه من راهب بوذي يدعى براذر سبيريت، وهم يعرضون بعض ميزات ومواصفات الجهاز، وأظهر مقطع فيديو آخر أشخاصا يستخدمونه في مواقف الحياة اليومية، مثل المشي في الشارع والتسوق وتناول الطعام. ومع ذلك تبدو بعض الميزات الموجودة في العرض التجريبي متزعزعة نوعا ما وفقا لمقال لمراسلة موقع “بزنس إنسايدر” كاتي نوتوبولوس.

وتبدو ميزات الجهاز وكأنها شيء من الخيال العلمي؛ حيث يجيب الذكاء الاصطناعي على أسئلتك عبر مقطع صغير على قميصك، وهذه أحد أهم عوامل الجذب في “إيه آي بن” حاليا. والأكثر إثارة للدهشة هو شاشة الليزر الصغيرة التي يمكن أن تظهر في يدك وتستجيب لإيماءات اليد. إنها تزن حجم كرة الغولف، لذلك ربما لن تقوم بربطها بقميصك.

ويتم التحكم بالكثير من وظائف الجهاز عن طريق الأوامر الصوتية، حيث يجب على المستخدمين الحديث بصوت مسموع لإرسال الرسائل أو الدردشة مع الذكاء الاصطناعي للإجابة على الأسئلة وتلخيص رسائلك النصية وترجمة اللغات وتشغيل الموسيقى، بالإضافة إلى كاميرا يمكنها النظر إلى الأشياء وإخبارك عنها، وهو ما قد يكون محرجا في الأماكن العامة.

وأعلنت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن هذا هو “الرهان الكبير والجريء للخيال العلمي” في وادي السيليكون لما سيأتي بعد الهاتف الذكي. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن توفير جهاز لإبعادنا عن إدمان الهاتف هو هدف جدير بالاهتمام، فإنه من الصعب أن تتخيل التخلص من هاتفك من أجل دبوس ضخم تبلغ قيمته 699 دولارا، ويتطلب أيضا اشتراكا شهريا بقيمة 24 دولارا.

كما أشارت مراجعة الأجهزة القابلة للارتداء في موقع “ذا فيرج” الأميركى المختص بالتكنولوجيا فيكتوريا سونغ “إنها (أي “إيه آي بن”) تنتهك القاعدة الرئيسية للتصميم الجيد القابل للارتداء؛ عليك أن ترغب في ارتداء هذا الشيء اللعين”. كما أن “إيه آي بن” أنيق، لكنه ليس فيه حتى الآن منافسة على إغراء الشاشة.

دجاج مزروع في المختبر.. طائر بريش مستعار

جذبت شركة “أبسايد فودز” الناشئة التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها الشركة الرائدة في هذا المجال، الانتباه منذ فترة طويلة من خلال الإشارة إلى أنها مستعدة لإنتاج قطع كاملة من الدجاج بكميات كبيرة، وهو إنجاز من شأنه -إذا صدق- أن يضعها في صدارة المنافسة.

وجمعت الشركة التي يقع مقرها في بيركلي بولاية كاليفورنيا وتهدف لتطوير لحوم مصنعة بسعر مناسب (وهي واحدة من شركتين فقط حصلتا على ترخيص لبيع اللحوم المزروعة في الولايات المتحدة) أكثر من نصف مليار دولار، وتعرض صفوفا مرتبة من المفاعلات الحيوية الفولاذية اللامعة، كل منها محاط بشبكة من الأنابيب، وتريد من الجمهور أن يعتقد أن شرائح الدجاج الرائعة التي تبيعها مصنوعة في مصنع مستقبلي.

لكن منشأة الإنتاج الواقعة في مدينة إميريفيلي تروي قصة مضللة عن كيفية صنع دجاج شركة “أبسايد فودز”. فوفقًا لتحقيق نشرته مجلة وايرد مؤخرًا، فإن المنتج الرئيسي للشركة (أي قطع الدجاج الكاملة اللذيذة) تُخمر يدويا تقريبا في قوارير مختبرية أصغر بكثير من المفاعلات الحيوية الضخمة التي يقول موظفون سابقون وحاليون إنها غير قادرة على تخمير صفائح الأنسجة اللازمة لإنتاج شرائح الدجاج الكاملة.

مفاعلات حيوية تُستخدم في تخمير اللحوم المزروعة (رويترز)

وعوضا عن ذلك، وفي عملية شاقة وغير عملية، تُجرف طبقات رقيقة من الخلايا يدويا وتُدمج لإنشاء قطعة كبيرة من الدجاج، وهو نهج مكلف ويتطلب ساعات طويلة من العمل لإنتاج حتى كمية صغيرة من اللحوم. وهذه العملية تحدث في مختبر لا يظهر في جولات المصنع التي تقدمها الشركة للصحفيين والجمهور. وبمعنى آخر، كانت الشركة تستخدم الكثير من العمالة والبلاستيك والطاقة لإنتاج القليل من اللحوم.

وعلى الرغم من أن الدجاج المُنتج في المختبر حاصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) التي تقول إنه آمن للأكل، فإن هناك شكاً فيما إذا كانت لحوم المختبر ستتنافس مع الدجاج الحقيقي.

ويصل سعر الدجاج إلى 5 دولارات للرطل في محلات التجزئة، ولا يزال طرح الدجاج المزروع في الأسواق يواجه العديد من العقبات، ولم يتضح بعد الاتجاه الصعودي لكلفة صنعه، ولكن يُباع عدد قليل منه مقابل 45 دولارا في مطعم بار كرين بسان فرانسيسكو، وهو مطعم حاصل على تقييم مرتفع وفق نظام نجوم ميشلان لتقييم المطاعم.

وكان من المفترض أن يشير التذوق العام في “بار كرين” إلى أن عصر اللحوم المزروعة في المختبر قد وصل أخيرا. وعوضا عن ذلك عانت شركة “أبسايد فودز” من انتكاسات فنية، بينما عرضت صورة بأنها تمكنت من حل التحدي العلمي الرئيسي المتمثل في زيادة إنتاج قطع اللحوم الكاملة.

وتثير هذه الاكتشافات تساؤلات عن مقدار ما أنجزته شركات اللحوم المصنعة، بعد استثمار نحو 3 مليارات دولار على مدى السنوات الـ7 الماضية، وما إذا كانت أنواع معينة من منتجات اللحوم المزروعة يمكن أن تكون مجدية تجاريا.

وفي المجمل، كان عام 2023 هو العام الذي سُلط فيه الضوء على أن السباق نحو المستقبل يمكن أن يتجاهل في بعض الأحيان العناصر الأساسية مثل السلامة والجدوى والأثر البيئي، وأفادت هذه الإخفاقات في أن الابتكار يتطلب التوازن والحكمة والدراسة المتأنية لآثاره الطويلة الأجل، على أمل أن تكون الدروس المستفادة هذا العام بمثابة توجيه لتطوير تكنولوجي أكثر مسؤولية واستدامة في المستقبل.

شاركها.
Exit mobile version