على متن السفينة “حنظلة” التي أبحرت من شواطئ إيطاليا في محاولة جديدة لكسر الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، يؤكد ناشطون دوليون ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية للفلسطينيين الذين يواجهون إبادة جماعية منذ 22 شهرا، كما يواجهون تجويعا مُمنهجا يفرضه الاحتلال الإسرائيلي.
وتقلّ السفينة -التي انضمت مؤخرا إلى تحالف “أسطول الحرية”- على متنها 21 ناشطا بينهم نائبة فرنسية وطبيب كندي وناشطة نرويجية.
ويسعى هؤلاء من خلال محاولة إيصال المساعدات إلى غزة لكسر حاجز الصمت الدولي إزاء ما يتعرض له الفلسطينيون من جرائم إبادة جماعية وتجويع.
وكانت السفينة حنظلة قد أبحرت في 13 يوليو/تموز الجاري من ميناء سيراكوزا الإيطالي، قبل أن ترسو في ميناء غاليبولي في 15 من الشهر ذاته، للتغلب على بعض المشكلات التقنية، لتعاود الإبحار مجددا يوم الأحد باتجاه غزة.
ويتألف “أسطول الحرية” من مجموعة من السفن التي تحاول إيصال المساعدات الإغاثية والإنسانية إلى قطاع غزة.
وفي 2 مايو/أيار الماضي، تعرضت سفينة “الضمير”، ضمن سفن التحالف، لهجوم بطائرة مسيرة إسرائيلية أثناء محاولتها الإبحار نحو غزة، نجم عنه ثقب بهيكلها واندلاع حريق في مقدمتها.
واستولى الجيش الإسرائيلي، في 9 يونيو/حزيران الماضي، على السفينة “مادلين” ضمن “أسطول الحرية”، بينما كانت تبحر في المياه الدولية متجهة إلى قطاع غزة المحاصر لنقل مساعدات إنسانية.
واعتقلت إسرائيل 12 ناشطا دوليا كانوا على متن السفينة “مادلين”، ولاحقا رحّلت السلطات الإسرائيلية الناشطين بشرط التعهد بعدم العودة إليها.
كسر الحصار ووقف الإبادة
وقالت البرلمانية الفرنسية غابرييل كاتالا، التي شاركت في الإبحار من ميناء غاليبولي الإيطالي، إن الهدف من إبحار سفينة “حنظلة” هو تأكيد إمكانية كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة.
وأضافت “أتوقع أن نصل إلى غزة، فقبل 15 عاما تمكنت سفينة من الوصول إلى ميناء غزة وقوبلت حينها باستقبال شعبي كبير”.
وقالت كاتالا: “نريد أن نثبت من خلال هذه السفينة أن الحصار المفروض على القطاع يمكن كسره”.
كما تهدف “حنظلة”، وفق كاتالا، إلى جانب كسر الحصار، إلى “وقف الإبادة وإيصال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة”.
ومنذ 18 عاما تحاصر إسرائيل غزة، وبات نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل حوالي 2.4 مليون بالقطاع بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم.
واستكملت كاتالا فأوضحت أن “الإبادة مستمرة منذ (أكثر من) 21 شهرا، على مرأى ومسمع من العالم. نراها يوميا على شاشات هواتفنا وتلفزيوناتنا، ولا يمكن أن نظل صامتين إزاء هذه الجريمة”.
وانتقدت البرلمانية الفرنسية صمت العالم تجاه ما وصفته “بالإفلات من العقاب” الذي يحظى به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، وقالت: “نحن الناشطين، والطاقم المتطوع على هذه السفينة، نقوم بعمل سلمي وسياسي لإيصال الحقيقة إلى العالم”.
مطالب بتدخل دولي
وأشارت البرلمانية الفرنسية خلال حديثها إلى أن هجوم إسرائيل لا يقتصر على غزة، بل يمتد إلى سوريا ودول مجاورة أخرى، لافتة إلى أن ذلك يكشف حجم “الحصانة التي يتمتع بها نتنياهو”.
واعتبرت دعم الغرب لإسرائيل بدعوى “حق الدفاع عن النفس” مجرد “هراء، وذلك لأن إسرائيل هي المعتدية”.
وعن الهجمات الإسرائيلية على سوريا، قالت كاتالا: “رغم أنني لا أؤيد الحكومة السورية الحالية، فإن للشعب السوري حق السيادة، ولا يجوز قصفه من جيرانه. الأمر ذاته ينطبق على إيران واليمن ولبنان”.
ومنذ سقوط نظام الرئيس بشار الأسد أواخر 2024، كثفت إسرائيل تدخلها في الجنوب السوري متذرعة “بحماية الأقلية الدرزية”، وسعت إلى فرض واقع انفصالي في المنطقة عبر شنّ هجمات متكررة تحت هذه الذريعة، رغم تأكيد دمشق حرصها على حقوق جميع المكونات في البلاد.
وطالبت كاتالا بتدخل أوروبي وأميركي لوقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية- عبر فرض عقوبات مالية ودبلوماسية، مؤكدة أن “القانون الدولي يجري انتهاكه بوحشية، والعالم يلتزم الصمت”.
وشددت النائبة الفرنسية على أن فشل الناشطين في هذه المهمة لا يعني النهاية، قائلة: “إذا لم ننجح، فسنواصل إرسال السفن حتى كسر هذا الحصار”.
أسطول مكرس للأطفال
بدوره، قال الطبيب الكندي يي بينغ جي، وهو طبيب عام وباحث في الصحة العامة، إنه يشارك في رحلة سفينة “حنظلة” لإيصال أطراف اصطناعية للأطفال في قطاع غزة.
وأضاف أن “أسطول الحرية مكرّس لأطفال غزة؛ فالقطاع يسجل أعلى نسبة في العالم من الأطفال المبتوري الأطراف مقارنة بعدد السكان، ونحو 4 آلاف طفل بحاجة إلى أطراف اصطناعية”.
وأوضح أن هذه الأرقام تستند إلى بيانات الأمم المتحدة، لكنها على الأرجح “تقديرات أقل من الواقع”، مشيرا إلى أن الحاجة كبيرة في غزة للأدوية والغذاء والمياه.
ووفق آخر إحصائيات نشرها المكتب الإعلامي الحكومي، فإن مجموع حالات البتر في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 تجاوزت 4 آلاف و700 حالة بينهم 18% من الأطفال.
وفي 17 سبتمبر/أيلول الماضي، قالت كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة سيغريد كاغ “إن أكثر من 22 ألف شخص في غزة يعانون من إصابات غيّرت حياتهم، إضافة إلى إصابات خطرة في الأطراف تراوح بين 13 ألفا و17 ألفا”.
وتابع الطبيب الكندي قائلا إن مهمة أسطول الحرية “لا تقتصر على إيصال الغذاء أو الأطراف الاصطناعية، بل هي أيضا تعبير سياسي عن التضامن، نحن هنا دعما لحق الفلسطينيين في الحرية وتقرير المصير والحياة”.
“أسوأ من الهولوكوست”
من جهتها، وصفت الناشطة النرويجية فيدغيس بيورفاند (70 عاما) ما يحدث في قطاع غزة بأنه “أسوأ من الهولوكوست”.
وتابعت “لا أجد كلمات للتعبير عن حجم المأساة، لكننا هنا لتأكيد وقوفنا إلى جانب شعب غزة”.
وعن مشاركتها في “أسطول الحرية”، قالت: “أشارك الآن على متن سفينة حنظلة من أجل كسر الحصار غير القانوني المفروض على غزة وإيصال المساعدات وكشف جرائم الاحتلال”.
وأشارت إلى أنها دعمت مهمات سابقة لأسطول الحرية، وأردفت “نحن ذاهبون إلى غزة وسننجح في الوصول إليها”.
ولدى سؤالها عن رسالتها للأوروبيين، قالت: “انهضوا، ارفعوا أصواتكم، وافعلوا ما يمكنكم من أجل شعب غزة. ما يجري مأساة كبرى وإبادة جماعية، الأطفال يموتون جوعا. ما يحدث يفوق الوصف”.
ومنذ 2 مارس/آذار 2025 تغلق إسرائيل جميع المعابر المؤدية إلى قطاع غزة وتمنع دخول المساعدات الغذائية والطبية، وذلك تسبب في تفشي المجاعة في القطاع.
وتشن إسرائيل، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حرب إبادة جماعية بغزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة، بدعم أميركي، أكثر من 200 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.