مع دخول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة من دخول شهرها الثامن، لا تزال الولايات المتحدة الفاعل المؤثر الأول في مسار الحرب بعد طرفيها الرئيسيين، إسرائيل وفصائل المقاومة بقيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وقد أسهم الدعم الأميركي الهائل لإسرائيل منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الثاني في التأثير بشكل قوي ومباشر على صانع القرار في تل أبيب حيال مجريات الحرب والعمليات العسكرية في قطاع غزة.
وخلال شهور الحرب، لم تخلُ تصريحات المسؤولين الأميركيين من بُعدها الفكري والديني العميق تجاه إسرائيل واليهود، بالتوازي مع الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي.
وقدمت الولايات المتحدة مساعدات كبيرة شملت أسلحة وذخيرة وتحريك أسطول بحري في مياه المنطقة، كما امتد الدعم ليشمل الجانب الدبلوماسي في المحافل الدولية لتأمين استمرار الغطاء السياسي للحرب على قطاع غزة.
ويعكس الدعم الأميركي الواسع لإسرائيل العلاقات الإستراتيجية بين الجانبين، وهي العلاقة التي امتدت جذورها إلى اللحظات الأولى لتأسيس إسرائيل.
تطور العلاقات
في 14 مايو/أيار 1948، بعد 11 دقيقة كما ورد في تقرير نشره موقع مجلس العلاقات الخارجية فقط على إعلان قيام إسرائيل” أصدر الرئيس الأميركي هاري ترومان بيانا اعترف فيه رسميا بـ”إسرائيل”، في حين تم تدشين العلاقات الدبلوماسية عندما قدم الأميركي جيمس جروفر ماكدونالد أوراق اعتماده في 28 مارس/آذار 1949 كأول سفير لبلاده في إسرائيل.
كان اعتراف ترومان بإسرائيل مدفوعا بأسباب عاطفية نتيجة للمحرقة اليهودية خلال الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى السعي لتحقيق جملة من الأهداف السياسية كتأمين أصوات اليهود في الانتخابات الرئاسية المرتقبة في حينه، ومحاولة دعم كيان يمكنه أن يقف حائلا أمام جهود الاتحاد السوفياتي التمدد في المنطقة خاصة في ظل اشتعال الحرب الباردة في ذلك الوقت.
تعززت العلاقة بين الطرفين في ذاك الوقت بعد أن انحازت قوى عربية وازنة (مصر، سوريا، العراق) وغيرهم إلى الجانب السوفياتي، ورسّخت حرب عام 1967 أهمية إسرائيل لدى الولايات المتحدة عندما استطاع الجيش الإسرائيلي هزيمة جيشي دولتين من أبرز القوى الحليفة للاتحاد السوفياتي في المنطقة.
وأدى انتصار إسرائيل على نظامين شكلا أهم حلفاء الاتحاد السوفياتي في المنطقة إلى رفع مكانة تل أبيب وتعزيز السياسات المؤيدة لها في واشنطن على اعتبارها “رصيدا إستراتيجيا”، كما وصفها الرئيس ليندون جونسون.
دعم كامل
تحولت السياسة الأميركية تجاه إسرائيل في عهد جونسون إلى دعم كامل وتوسُع في عمليات بيع الأسلحة الهجومية، إضافة إلى دعم دبلوماسي كبير في الأروقة الدولية، ليستمر ذلك الدعم في التنامي طيلة السنوات اللاحقة.
وأصبح دعم أمن إسرائيل واحدا من ثوابت السياسة الخارجية الأميركية، وعززت الاتفاقيات الثنائية التعاون في المجال الدفاعي بين الجانبين وشملت التفاهمات التوقيع على اتفاقيتي المساعدة الدفاعية المتبادلة والدعم اللوجستي المتبادل.
ومنذ العام 1948 بلغ حجم الدعم الذي قدمته واشنطن لتل أبيب أكثر من 130 مليار دولار بحسب وزارة الخارجية الأميركية، وقد ركز هذا الدعم بشكل أساسي على تعزيز القدرات الأمنية والعسكرية لإسرائيل.
ومُنحت إسرائيل حق الوصول إلى تقنيات عسكرية متقدمة مثل طائرات (إف-35)، وسمح لها باستخدام جزء من المساعدات في شراء معدات دفاعية ذات منشأ إسرائيلي بدل الأميركي.
وفي العام 2016 وقع الجانبان مذكرة تفاهم بشأن المساعدات الدفاعية الخارجية الأميركية إلى إسرائيل لتغطي 10 أعوام، زادت خلالها إجمالي المساعدات الأميركية إلى 38 مليار دولار بدل 30 مليار في الاتفاقية السابقة، إضافة إلى 5 مليارات دولار للدفاع الصاروخي الباليستي، كما قدمت واشنطن دعما خاصا لمنظومة القبة الحديدية.
أما في المجال الاقتصادي، فقد تركزت المساعدات على مسائل توطين المهاجرين والتعليم العالي والبحث التكنولوجي.
بعد طوفان الأقصى
كان الرد الأميركي على هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول سريعا ومتعدد الأوجه، بدأ بتأكيد الدعم السياسي لإسرائيل ومنحها الضوء الأخضر لحربها على قطاع غزة، مرورا بتقديم مساعدات عسكرية كبيرة ومتنوعة، وإعادة انتشار القطع البحرية وحاملات الطائرات لردع الأطراف الأخرى عن الانخراط في الصراع، وليس انتهاء بالغطاء الدبلوماسي الذي وفرته واشنطن لتل أبيب في المحافل الدولية.
فبعد ساعات قليلة من عملية طوفان الأقصى أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن بيانا مقتضبا حمل عدة رسائل استهلها بإدانة واضحة لحركة حماس ووصف الهجوم بـ”الإرهابي والمروع”، إضافة إلى إبداء الاستعداد لتقديم المساعدة لإسرائيل، والأهم تحذير أي “طرف آخر معاد لإسرائيل يسعى للحصول على ميزة في هذا الوضع”.
التصريحات السياسية الصادرة عن بايدن والمسؤولين في إدارته توالت بكثافة خاصة خلال الشهر الأول للحرب، وعبرت في مجملها عن الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل وحقها في الرد على الهجوم.
زيارات متتالية
وكان السلوك السياسي التضامني الأقوى من خلال الزيارات التي أجراها المسؤولون الأميركيون بصورة متكررة لإسرائيل، وخاصة الرئيس الأميركي الذي طار إلى تل أبيب بعد 10 أيام من بداية الحرب.
وشملت الزيارات المتكررة لمسؤولين أميركيين مشاركة عدد منهم اجتماعات الحكومة الإسرائيلية ومجلس وزراء الحرب بينهم الرئيس الأميركي نفسه ووزيري دفاعه وخارجيته.
وخلال زيارته، لإسرائيل أعاد بايدن التأكيد على تلبية احتياجات إسرائيل لما أسماه الدفاع عن نفسها، والطلب من الكونغرس تقديم “حزمة دعم غير مسبوقة” لتل أبيب، والتعهد بضمان تزويد القبة الحديدية بالذخيرة، وصولا إلى تحذيره المباشر لما بدا أنه إيران أو الجماعات الموالية لها، بعدم التفكير في مهاجمة إسرائيل، تزامن ذلك مع وصول أكبر حاملات الطائرات الأميركية إلى مياه البحر المتوسط.
وخلال مجريات العدوان على غزة، تبنى بايدن رواية جيش الاحتلال بتحميل المقاومة المسؤولية عن حادثة استهداف المستشفى المعمداني، كما شكك بالبيانات التي تصدرها حكومة غزة خصوصا تلك التي بشأن أعداد الضحايا.
وشملت الزيارات المتكررة لمسؤولين أميركيين مشاركة عدد منهم اجتماعات الحكومة الإسرائيلية ومجلس وزراء الحرب بينهم الرئيس الأميركي نفسه ووزيري دفاعه وخارجيته.
الدعم العسكري
ولم تكن الزيارات أو التصريحات التضامنية للمسؤولين الأميركيين الشكل الوحيد للدعم، بل تجاوز ذلك إلى الدعم العسكري السخي والكبير لإسرائيل من أجل مواصلة حربها على قطاع غزة، وكان ذلك الحلقة الأهم في سلسة التضامن الأميركي غير المشروط مع إسرائيل.
بدأ الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل في اليوم التالي لانطلاق شرارة الحرب على شكل ما وُصف بأنه استعراض للقوة من خلال الإيعاز لإحدى أكبر حاملات الطائرات في العالم وأكثرها تقدما “يو إس إس جيرالد آر فورد”، والتي تحمل على متنها وفقا لوكالة أسوشيتد برس 5 آلاف بحار، ورافقها طائرات حربية ومدمرات صواريخ موجهة.
كما أوعز وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بعد أسبوع بإرسال حاملة طائرات أخرى “يو إس إس أيزنهاور” لتنضم إلى الحاملة فورد في مهامها الأمنية.
خلال الأيام الأولى للحرب كانت واشنطن قد باعت لتل أبيب، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية، قرابة 14 ألف طلقة من ذخيرة الدبابات عيار 120 مليمترا والمواد ذات الصلة إلى إسرائيل وكذلك ذخائر مدفعية شديدة الانفجار عيار 155 مليمترا ومعدات أخرى، إضافة إلى إجراء أكثر من 100 عملية بيع أسلحة بدون إبلاغ الكونغرس.
وبحسب وثيقة مسربة من البنتاغون نشرتها وكالة بلومبيرغ، فحتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول، كانت واشنطن قد زودت إسرائيل بأكثر من ألفي صاروخ من طراز هيل فاير يمكن إطلاقها من طائرات أباتشي إضافة إلى قرابة 36 ألف طلقة من ذخيرة مدفع عيار 30 مليمترا، و1800 من الذخائر الخارقة للتحصينات من طراز إم 141 وأكثر من 3500 جهاز رؤية ليلية، وبحلول ديسمبر/كانون الأول كان الجسر الجوي الأميركي قد نجح منذ بدء الحرب في بإرسال 100 قنبلة خارقة للتحصينات برأس حربي “بي إل يو-109” مصمم لاختراق الخرسانة قبل أن ينفجر.
كما زودت واشنطن تل أبيب بنحو 57 ألف قذيفة مدفعية و15 ألف قنبلة شملت أكثر من 5400 قنبلة “إم كيه 84” (MK84) و5 آلاف قنبلة “إم كيه 82” (MK82) غير موجهة، عدا عن ألف قنبلة “جي بي يو-39” (GBU-39)، وحوالي 3 آلاف ذخيرة هجوم مباشر مشترك “جيه دي إيه إم” (JDAM) بناء على ما كشفته صحيفة وول ستريت جورنال.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2023 وافقت واشنطن على تزويد إسرائيل بما يقارب 14 ألف قذيفة دبابة عيار 120 مليمترا، إضافة إلى بنادق طراز إم 107 عيار 155 مليمترا، في حين كشفت صحيفة يديعوت أحرنوت عن أن واشنطن قد أتمت حتى ديسمبر/كانون الأول إرسال 230 طائرة شحن، إضافة إلى 20 سفينة محملة بالأسلحة والعتاد العسكري إلى إسرائيل منذ هجوم طوفان الأقصى.
صفقات غير مسبوقة
وبصورة عامة؛ واصلت الإدارة الأميركية عمليات بيع الأسلحة والذخائر إلى تل أبيب، حيث صرّح مسؤولون في البيت الأبيض لصحيفة واشنطن بوست الأميركية أن البيت الأبيض سمح بنقل 25 طائرة مقاتلة ومحركات من طراز “إف-35 إيه” (F-35A) إلى إسرائيل.
كما استعدت واشنطن لإبرام صفقة كبيرة تتضمن بيع إسرائيل 50 طائرة “إف 15” (F15) و30 صاروخ جو-جو متقدم متوسط المدى من طراز “إيه آي إم-120” (AIM-120)، إضافة إلى أكثر من 1800 قنبلة “إم كيه 84” ألفي رطل و500 قنبلة “إم كيه 82” من فئة 500 رطل.
كما شمل الدعم الأميركي إقرار الكونغرس في أبريل/نيسان المنصرم حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 26 مليار دولار تهدف إلى تعزيز قدرات الدفاع الجوي بما فيها القبة الحديدية ومقلاع داود إضافة إلى القدرات الهجومية لإسرائيل.
الالتزام الأميركي بتقديم أشكال الحماية لإسرائيل ظهر أيضا خلال التوتر الإسرائيلي-الإيراني عقب استهداف قنصلية الأخيرة في دمشق وقيام طهران بالرد لاحقا باستخدام طائرات مسيّرة وصواريخ باليستية.
وقالت مجلة “إنترسبت” الأميركية إن الولايات المتحدة استخدمت أول مرة صواريخ من طراز “إس إم-3” (SM-3) المضاد للصواريخ الباليستية، وذلك لصد الهجوم الإيراني على إسرائيل، وقد جرى إطلاق الصواريخ من المدمرتين الأميركيتين “آرلي بيرك” و”يو إس إس كارني” الموجودتين في البحر المتوسط.
ورغم التقارير التي تشير إلى حالة الخلاف بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية بشأن طريقة إدارة الحرب والموقف من غزو رفح، مع استمرار تلويح المسؤولين الأميركيين بأن عملية عسكرية في هناك دون موافقة أميركية قد تؤدي إلى تغيير في سياسة واشنطن تجاه الحرب، فإن الدعم العسكري الأميركي وكذلك الدبلوماسي بدا أنه لم يتأثر.
الدعم الدبلوماسي
كان لواشنطن دور مهم في تأمين شرعية دولية كبيرة لإسرائيل في هجومها على قطاع غزة، وقد برز الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل من خلال استخدامها حق النقض ضد 3 مشاريع قرارات لمجلس الأمن تدعو إلى وقف إطلاق النار بشكل دائم في غزة.
كما استخدمت واشنطن حق النقض للمرة الرابعة ضد مشروع قرار يطلب منح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة.
ولا يتعلق الأمر بالغطاء الدبلوماسي الذي يوفره البيت الأبيض لإسرائيل، إذ كشف موقع أكسيوس عن نية أعضاء في الكونغرس سن تشريع يعاقب المسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية المشاركين في أي تحقيقات ضد إسرائيل حال صدرت أوامر اعتقال بحق مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية وفي مقدمتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
دوافع فكرية ودينية
لم تخلُ تصريحات المسؤولين الأميركيين من بُعدها الديني العميق تجاه إسرائيل واليهود، ومنها تصريحات الرئيس بايدن التي وصف فيها نفسه بأنه “صهيوني”، بالإضافة إلى تصريحات بلينكن التي أشار فيها إلى وجوده في تل أبيب ليس بصفته وزيرا لخارجية أميركا وإنما بصفته يهوديا، مع استدعاء تاريخ اضطهاد اليهود خلال الحقبة النازية وربطه بأحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
تشير استطلاعات الرأي المختلفة في أميركا إلى أن الدين يبقى محفزا رئيسيا لاستمرار الدعم لإسرائيل بين أوساط الأميركيين.
ووفقا لاستطلاع أجراه معهد غالوب للشؤون الخارجية حول الوضع في الشرق الأوسط -قبل هجوم أكتوبر/تشرين الأول- بلغت نسبة التأييد لإسرائيليين بين المسيحيين البروتستانت حوالي 66% والكاثوليك 59%، في حين ترتفع نسبة دعم إسرائيل بين اليهود الأميركيين إلى 90%.
كما يشير استطلاع آخر لمركز بيو للأبحاث عام 2023 إلى أن الكنيسة الإنجيلية الداعمة بقوة لإسرائيل من منطلقات دينية مسيحية تحظى بتأييد ثلث الأميركيين، ودائما ما أشير إلى أن اليهود والمسيحيين الإنجيليين هم الأكثر انخراطا في السياسة الأميركية، وقد كان لهم دور مؤثر في دفع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى اتخاذ قراره بنقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس عام 2018.
تداعي القيم الغربية
منذ السنوات الأولى لتأسيس إسرائيل تنامت أهميتها الإستراتيجية بالنسبة لأميركا، وقد صاغ الرئيس الأميركي جون كيندي وصف “العلاقة الخاصة” بين واشنطن وتل أبيب والتي تقوم على مزيج من المصالح الإستراتيجية وكذلك تبني “القيم” المشتركة.
لكن استمرار حرب الإبادة الجماعية على غزة لقرابة 7 شهور دفع إلى حراك طلابي غير مسبوق منذ عقود طويلة داخل كبريات الجامعات والمعاهد الأميركية، للتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني.
غير أن عمليات القمع المنظمة والتلويح بفرض عقوبات على الطلاب المشاركين في الاحتجاجات أعاد النقاش مجددا حيال الازدواجية في التعامل مع بعض القضايا خاصة فيما يتعلق بالحدود المسموح بها للتعبير عن الرأي فيما يتعلق بانتقاد إسرائيل أو الصهيونية في الجامعات التي لطالما كانت معقلا لحرية التعبير والقيم الديمقراطية الغربية.
وفي ذات السياق المناهض للتوجهات الأميركية تالرسمية، حثت مجموعة من 88 عضوا ديمقراطيا في مجلس النواب الرئيس بايدن على النظر في وقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل بسبب المخاوف بشأن استمرار القيود على تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وقبل ذلك، قال العضو المستقل في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور بيرني ساندرز إنه سيقدم تعديلات تشريعية لخفض مليارات من التمويل العسكري لإسرائيل، مؤكدا أنه لا يمكن للولايات المتحدة الاستمرار في تمويل هذه “الحرب المروعة” على غزة.
جدلية العلاقة
بقدر ما كشفت أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول وما تلاها عن جملة من الحقائق المرتبطة بالمبالغة في حالة التقدير المفرطة للقوة العسكرية الإسرائيلية، فإن الدعم الأميركي المستمر الذي نجحت من خلاله إسرائيل في مواصلة حربها على قطاع غزة يعيد إلى العقل الإسرائيلي جملة من الأسئلة الصعبة المتعلقة بالاستقلالية والسيادة وقدرة تل أبيب على مواجهة التحديات وحدها، والأهم من ذلك قدرتها على عدم الارتهان للموقف الأميركي.
وأعاد الدعم الأميركي الواسع لإسرائيل خلال الحرب الجدل من جديد بشأن مدى النفوذ الأميركي على الحكومة الإسرائيلية، ففي حين تجادل بعض الآراء إلى أن الإدارة الأميركية الحالية قد تكون غير قادرة أو في أحسن الأحوال غير راغبة في ممارسة أشكال النفوذ التي تتمتع بها واشنطن بطبيعة الحال على تل أبيب في بعض المسائل المتعلقة بمسار الحرب وخاصة الموقف من مدينة رفح، فقد حاججت آراء أخرى من خلال الاستشهاد بنماذج تاريخية إلى عدم قدرة واشنطن على ممارسة نفوذ مطلق حتى مع حلفائها.
إضافة إلى أنه في حالة إسرائيل فإنها وإن كانت تعتمد على الدعم العسكري الأميركي فإن ذلك لا ينفي أنها تمتلك منظومة تصنيع متقدمة وتعتبر من البلدان الأفضل نموا على مستوى العالم، وهو ما يجعل من القدرة الأميركية على التأثير على إسرائيل في مختلف القضايا تبدو محدودة.
في المحصلة أثبتت التصريحات الأميركية الرافضة لأي غزو لمدينة رفح، وحرص إسرائيل على الالتزام بالخطوط الحمراء الأميركية مقدار النفوذ الذي تمتعت به واشنطن لدى حكومة تل أبيب وهو النفوذ الذي تعمق بصورة كبيرة خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة حيث الدعم السياسي الواسع وكذلك معظم الذخائر والأسلحة تأتي من أميركا.
وبشكل أعمق؛ خلّفت الحرب على غزة العديد من الشواغل إزاء حدود حرية التعبير عن الرأي التي لطالما نادت بها أميركا ودافعت عنها عالميا، لتصل إلى حد قمعها داخل معاقلها في الجامعات الأميركية، كما تكشف الأحداث داخل الجامعات الأميركية عن حجم النفوذ التي تمارسه الجماعات المؤيدة لإسرائيل على السياسة الأميركية في مستوييها الداخلي والخارجي.