أدّى تجدّد النزاع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى جذب اهتمام دولي متزايد، وذلك عقب استيلاء حركة M23 السريع على مدينتي غوما وبوكافو في أواخر يناير/ كانون الثاني 2025.

وردًا على ذلك، دعا فاعلون دوليون إلى وقف فوري لإطلاق النار وإجراء مفاوضات مباشرة. ومن اللافت أن كلًا من قطر والولايات المتحدة برزتا كوسيطين ناشئين.

ويوفّر هذا الزخم الجديد فرصة نادرة لإعادة النظر في أوجه القصور التي شابت جهود الوساطة السابقة – لا سيما الإخفاقات المتعلقة ببرامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج (DDR)، وتقاسم الثروات، وبناء التوافق الإقليمي.

يجب أن تُعطى هذه العناصر الأولوية في أي مبادرة دبلوماسية جديدة من أجل التوصل إلى تسوية دائمة وتحقيق استقرار إقليمي طويل الأمد.

ولتحقيق سلام مستدام ودائم في شرق الكونغو الديمقراطية، لا بدّ من معالجة الأسباب الجذرية للصراع. فالثروات الطبيعية الهائلة في المنطقة – ولا سيما المعادن الأرضية النادرة – جذبت فاعلين دوليين وإقليميين ومحليين يتنافسون على السيطرة، مما أسهم في زعزعة الاستقرار.

ويُضاف إلى ذلك ضعف قدرة الحكومة المركزية الكونغولية على إدارة المقاطعات الشرقية، ما أتاح انتشار جماعات مسلحة ذات ولاءات متباينة. كما تؤجج التوترات العرقية الأزمة، خصوصًا منذ الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، التي أعقبتها موجة من اللاجئين الهوتو وتشكيل مليشيات معادية، مما زاد من انعدام الأمن والنزاعات العابرة للحدود.

ورغم أهمية الديناميات الإقليمية، بما في ذلك تورّط رواندا، فإن حصر أسباب الصراع في رواندا وحدها يُعد تبسيطًا مخلًا. إذ تخفي هذه الروايات التحديات الهيكلية المتجذرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، لا سيما تهميش مجتمعات التوتسي الكونغولية.

ولتحقيق سلام دائم، ينبغي معالجة هذه الديناميات الداخلية من خلال ضمان إدماج حقيقي للتوتسي الكونغوليين ضمن الإطار السياسي الوطني، ومعالجة مظالمهم بآليات عادلة ومنصفة.

ورغم الانخراط الدولي المتكرر، فإن جهود الوساطة السابقة في شرق الكونغو – من اتفاق بريتوريا إلى اتفاقيات السلام عام 2009 – فشلت باستمرار في تحقيق سلام دائم. فقد أَوهَنت نقاط الضعف البنيوية مصداقية تلك المبادرات وفاعليتها.

ومن أبرز أوجه القصور غياب آليات تنفيذ فعّالة وموثوقة. فقد اعتمدت معظم الاتفاقيات على الامتثال الطوعي، وافتقرت إلى أطر مراقبة مستقلة ونزيهة قادرة على التحقق من التنفيذ وردع الانتهاكات. وفي الحالات التي وُجدت فيها آليات للمراقبة، كانت تعاني من نقص الموارد، وسوء التنسيق، أو الشكوك حول انحيازها.

وقد زاد من تعقيد الأمور التباين في اهتمام المجتمع الدولي ومحدودية الإرادة السياسية لممارسة ضغط مستدام. ونتيجة لغياب المساءلة الفعلية، انتهكت الجماعات المسلحة والنخب السياسية تلك الاتفاقيات، مرارًا دون عقاب، مما أدى إلى استمرار دورة الإفلات من العقاب وتجدد العنف.

من الإخفاقات الأخرى، الطابع الإقصائي لعمليات السلام. إذ سيطر على المفاوضات غالبًا النخب السياسية والعسكرية، بينما تم تهميش المجتمع المدني والمجتمعات المحلية والنساء، رغم كونهم أطرافًا أساسية لبناء سلام مستدام. ونتيجة لذلك، لم تعكس الاتفاقيات الواقع الميداني، ولم تنلْ ثقة السكان المحليين.

إضافة إلى ذلك، تجاهلت تلك الجهود إلى حد كبير الأسباب الجذرية للنزاع، مثل النزاعات على الأراضي، والتهميش العرقي، وفشل الحوكمة، والصراع على الموارد الطبيعية. فقد ركز الوسطاء على وقف إطلاق النار المؤقت وترتيبات تقاسم السلطة بين النخب، وتجاهلوا القضايا الهيكلية العميقة التي تغذي عدم الاستقرار.

كما أُعدّت برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج (DDR) بشكل غير كافٍ ونُفذت بصورة سيئة. وقد تُرك العديد من المقاتلين السابقين دون سبل عيش مستدامة، مما هيأ بيئة خصبة لإعادة تجنيدهم في الجماعات المسلحة وعودة العنف.

وكانت هذه الإخفاقات أكثر تعقيدًا؛ بسبب غياب الإرادة السياسية داخل الحكومة الكونغولية. إذ استخدمت إدارات متعاقبة محادثات السلام أحيانًا كوسيلة لترسيخ سلطتها، بدلًا من الدفع نحو إصلاح حقيقي، مما قوّض التنفيذ وأضعف ثقة الجمهور.

وقد سعت جهود أحدث، مثل عمليتَي لواندا ونيروبي، إلى إحياء الحوار السياسي وتخفيف التوترات. لكنها بدورها عانت من ضعف في الشرعية.

إذ يرى منتقدون أن هاتين المبادرتين اتسمتا بالطابع الفوقي وركزتا على الجانب السياسي، مع تجاهل أصوات المتضرّرين من النزاع. وقد اعتبر المجتمع المدني والمجتمعات المهمشة هذه الحوارات سطحية ومنفصلة عن واقع الناس.

كما فشلت هذه العمليات في معالجة المحركات الأساسية للعنف، مثل: النزوح، والنزاعات على ملكية الأراضي، وسوء الحوكمة، وإعادة دمج المقاتلين السابقين.

وفي غياب آليات مشاركة محلية موثوقة أو إصلاح هيكلي حقيقي، بدا أن عمليتي لواندا ونيروبي مجرد عروض دبلوماسية أكثر من كونها مسارات جادة نحو السلام.

وعند النظر إلى هذه الإخفاقات المتكررة مجتمعة، يمكن فهم سبب فشل الوساطات الدولية في الكونغو الديمقراطية إلى حد كبير. ولكي تنجح أي مبادرة جديدة – بما في ذلك تلك التي تقودها قطر والولايات المتحدة – فلا بد أن تتجاوز هذه القيود، وأن تتبنى نهجًا أكثر شمولًا وخضوعًا للمساءلة ومرتبطًا بالسياق المحلي.

وتمثل الجولة الأخيرة من الوساطة الدولية – بقيادة الولايات المتحدة وقطر، وبمشاركة جهود أفريقية بقيادة مجموعة شرق أفريقيا (EAC) ومجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية (SADC) برعاية الرئيس التوغولي فور غناسينغبي – فرصة متجددة لتحقيق تقدم حقيقي. بيدَ أن النجاح يتوقف على قدرة هذه الجهود على تجاوز الإخفاقات الهيكلية التي أفسدت محاولات الوساطة السابقة.

ولرسم مسار أكثر فاعلية واستدامة نحو السلام، ينبغي أن تسترشد الجهود القطرية والأميركية بثلاثة مبادئ أساسية مستخلصة من تجارب الماضي:

أولًا: إعطاء الأولوية للمشاركة الشاملة

فقد كانت عمليات السلام السابقة إلى حد بعيد نخبوية، شاركت فيها الحكومات والجماعات المسلحة، بينما أُقصي المجتمع المدني والنساء والمجتمعات المتأثرة مباشرة بالعنف.

وأدّى هذا الإقصاء إلى ضعف الشرعية وعدم معالجة مظالم المتضررين. يجب أن تشمل الوساطة الفاعلين المحليين لبناء تحالف عريض من أجل السلام، ولضمان أن تعكس نتائج التفاوض واقع المجتمعات في شرق الكونغو.

ثانيًا: معالجة جذور النزاع لا أعراضه فقط

انصبّت الجهود السابقة على وقف إطلاق النار وتقاسم السلطة، من دون التصدي للعوامل البنيوية المسببة لعدم الاستقرار. ويتوجب على الوساطة الفاعلة أن تتعامل مع النزاعات المتعلقة بالأراضي، والتهميش العرقي، وفشل الحوكمة، وضرورة إدماج المقاتلين السابقين اقتصاديًا واجتماعيًا. ومن دون معالجة هذه القضايا الجوهرية، ستظل أي اتفاقات هشّة وقصيرة الأجل.

ثالثًا: إنشاء آليات فعالة للإنفاذ والمساءلة

أحد أضعف أوجه الاتفاقات السابقة كان غياب أدوات تنفيذ قوية. فقد افتقرت إلى هيئات رقابية مستقلة، ومعايير واضحة، وعقوبات صريحة في حال وقوع انتهاكات.

ويتعين على المجتمع الدولي، بما في ذلك قطر والولايات المتحدة، أن يلتزم بممارسة ضغوط دبلوماسية مستمرة، ودعم آليات تضمن الامتثال، وتتصدى بحزم لأي خروقات. ومن دون ذلك، يظل خطر عودة العنف قائمًا.

ومن خلال اعتماد هذه المبادئ، تزداد فرص كسر حلقة فشل مبادرات السلام، وبناء أساس لحل أكثر عدلًا واستدامة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.

لقد وصلت الأزمة مرة أخرى إلى لحظة مفصلية. ويُعد انخراط فاعلين جدد مثل قطر والولايات المتحدة، بالتعاون مع آليات إقليمية أفريقية، فرصة نادرة لإعادة صياغة نهج بناء السلام.

ومن خلال التعلم من إخفاقات الماضي، والالتزام بإطار وساطة شامل، يعالج الأسباب الجذرية، ويضمن التنفيذ، يمكن لتلك الجهود أن تتجاوز الحلول المؤقتة، وتضع الأساس لسلام حقيقي: سلام يعبّر أخيرًا عن تطلعات ومطالب الشعب الكونغولي.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

شاركها.
Exit mobile version