إحياء لذكرى المحرقة الجماعية (الهولوكوست) التي قيل إن اليهود تعرضوا لها على يد الحكم النازي في ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية، نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مقالا لاثنين من المحللين السياسيين تناولوا فيه تعريفات للمصطلح ودلالاته وانعكاساته على سلوك دولة الاحتلال.

وانتقد المقال -الذي كتبه المؤلف والصحفي الإسرائيلي عكيفا إلدار، والبرفسور دانيال بار تال أستاذ علم النفس السياسي في جامعة تل أبيب- من يُسميهم المتاجرين بالمحرقة في سعيهم لأن تظل إسرائيل تبدو بمظهر الضحية إلى الأبد، من أجل استدرار تعاطف دول العالم معها، واعتبار كل من ينكر الهولوكوست عدوا للشعب اليهودي.

واستهل الكاتبان مقالهما المشترك بتوجيه سهام النقد إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو، الذي يصفانه بأنه “أخطر زعيم للدولة اليهودية”، بسبب استغلاله ذكرى الهولوكوست، التي احتُفل بها الثلاثاء، لإشاعة الخوف من “الخطر الإيراني”.

ووفقا لهما، فقد أفرز هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل فجر سبت السابع من أكتوبر/تشرين الأول، منافسا جديدا لعدو اليهود النازي، يتمثل في إيران.

وحاول إلدار وبار تال عقد مقارنات بين عجز مؤسسة الدفاع الإسرائيلية في مواجهة ما يصفانه بأعمال “القتل والاغتصاب” في ذلك اليوم، وبين اليهود الذين “كانوا يُساقون كالخراف” إلى “غرف الغاز” في أوشفيتز، معسكر الاعتقال ومسرح المحرقة في الجزء الذي كانت تحتله ألمانيا النازية من بولندا.

وبحسب المقال، فإن الهولوكوست ليس واقعة حدثت مرة واحدة في تاريخ الشعب اليهودي، بل هو مصطلح يرمز لحالة تهديد وأصبح على مر السنين أداة في أيدي السياسيين ومن يشكلون الرأي العام.

والمحرقة –من وجهة نظر الكاتبين- ليس لها زمان ولا مكان، ويمكن أن تحدث في أي وقت وفي أي مكان وفي أي سياق، والقاسم المشترك بين جميع تلك “المحارق” هو الرغبة في تدمير الشعب اليهودي.

وأورد المقال تعريفا للهولوكوست صاغه المحلل النفسي فاميك فوكان، بأنها “صدمة مختارة وتصوُر نفسي اجتماعي مشترك لحدث تاريخي أورث مجموعة بأكملها هزيمة كارثية وصادمة وخسارة وإذلالا وحتى إبادة جماعية”.

وتترسخ هذه الصدمة المختارة في جميع جوانب الحياة وتنتقل من جيل إلى آخر. ويمكن إعادة تنشيطها في أوقات التهديد والضغط، وبالتالي إدامة وجودها.

ويعاني اليهود في إسرائيل على الدوام من الإحساس بأنهم ضحية، وهو شعور يرى المحللان السياسيان أنه نابع من تعرضهم للأذى على يد مجموعة أخرى، في انتهاك لقوانين الأخلاق. كما أنه –برأيهما- يشكل حالة توحي بالخطر المحدق بهم من عدو “قاس”، وهو ما يعطيهم مبررا أخلاقيا لإلحاق الأذى به دون رادع ولا رحمة.

ثلاث ظواهر خطيرة
ويميز مفهوم الضحية بين اليهود والفلسطينيين؛ ويمنح الإسرائيليين –من ثم- شعورا بالتفوق الأخلاقي ومبررا بتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم.

غير أن إلدار وبار تال يحذران، مع ذلك، من أن هذا الإحساس ينطوي على ثلاث ظواهر خطيرة تتمثل في التحرر من الالتزام الأخلاقي الذي يتيح لليهود تجاهل المعايير الأخلاقية كونهم الضحية على مر التاريخ وخاصة في المحرقة، ويباح لهم إيذاء العدو دون أخذ القوانين الأخلاقية في الاعتبار. فالمظلومية تفصل المجتمع عن الشعور بالذنب ولا تترك مجالا إلا لمشاعر الغضب والانتقام.

والظاهرة الثانية، الأحقية الأخلاقية، وهي أن كونهم ضحية يجعل من حق اليهود أخلاقيا إيذاء كل من يشكل تهديدا لهم، واستخدام أي وسيلة عنيفة من أجل منع تعرضهم لضربة أخرى.

وثالث تلك الظواهر، هو ما يطلق عليه المقال القمع الأخلاقي الذي لا يعطي الشعوب الأخرى الحق في وعظ اليهود بالأخلاق، ذلك لأنهم (أي تلك الأمم) آثرت الوقوف بعيدا ولم تهرع لإنقاذهم من الهولوكوست.

ومع أنه ليس من السهل  إخماد الشعور الدائم بالغبن ولعب دور الضحية، وهو ما يسميه كاتبا المقال “الفطام”، لكون ذلك من الصعوبة بمكان في خضم الصراع العنيف المحتدم الآن.

وفي خاتمة المقال، يؤكد الكاتبان أن عملية “الفطام” يجب أن تبدأ بتغيير أخلاقيات الصراع، التي أصبحت مترسخة في النظام المدرسي ووسائل الإعلام والمراسم الرسمية، في محاولة لإنهائه، وهو ما يستوجب أولا استبدال القائد “الذي قل نظيره”، والذي يعتبر الترويج لدور الضحية مهنته، في إشارة كما يبدو لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

شاركها.
Exit mobile version