بينما تواصل إسرائيل حربها التي طال أمدها على قطاع غزة منذ نحو 20 شهرًا، تتصدع حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من الداخل، لا بفعل الفشل العسكري والخسائر البشرية أو الانتقادات السياسية أو المنبوذية الدولية، بل بسبب ملف التجنيد الإجباري لليهود الحريديم (المتدينين المتشددين)، الذي فجّر مواجهة حادة بين أركان الائتلاف الحاكم، مما ينذر باحتمال حلّ الكنيست وتبكير موعد الانتخابات.

نتنياهو يتلظى بنار الحاخامات

هذا ما يثيره الكاتب ومحلل الشؤون الحزبية في صحيفة هآرتس، يوسي فيرتر، تعليقا على الأزمة التي تفجرت بين نتنياهو والأحزاب الحريدية، ويقول “ما لم تنجح فيه الحرب، ولا حتى إخفاق 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولا تخلي الحكومة عن عشرات الأسرى الإسرائيليين، قد يفعله قانون تجنيد الحريديم”، إذ يواجه نتنياهو الآن تمردًا من الحاخامات المتشددين أنفسهم.

ويسخر فيرتر من النتيجة التي وصل لها نتنياهو الذي قال إنه “باع للحاخامات روحه السياسية مقابل دعمهم المستمر”، فيما هو الآن يتلظى بنارهم.

بعد أكثر من 600 يوم من الحرب، ومع استمرار سقوط الجنود الإسرائيليين على جبهة غزة، يسعى نتنياهو إلى تمرير قانون يضمن إعفاء حوالي 80 ألفًا من شبان الحريديم من الخدمة العسكرية، مع منح مؤسساتهم الدينية تمويلًا بمليارات الشيكلات. هذا التوجه الذي لم ينجح حتى الآن فجّر غضبًا داخل الائتلاف نفسه، حيث باتت أحزاب الحريديم تلوّح بإسقاط الحكومة إن لم يُقرّ القانون سريعًا.

ويصف فيرتر ما جرى بأنه “ذروة اللاأخلاقية السياسية”، حيث “يعمل رئيس الوزراء في الخفاء لدفع واحد من أكثر القوانين فتكًا بمبادئ المساواة في تاريخ الدولة”، وذلك بينما “يُرسل رجالاً ونساءً إلى حرب عبثية منذ أكتوبر دون توقف، ويفرّ من تحمّل المسؤولية السياسية أو الأمنية”.

ويقول محلل الشؤون الحزبية إن العقبة الأساسية أمام نتنياهو لتمرير القانون باتت هي رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، يولي إدلشتاين، الذي يرفض إقرار الإعفاء التلقائي للحريديم، ويطالب بتسوية أكثر توازنًا. وتقول الأحزاب الحريدية إن موقفه “انتقامي” بسبب عدم إشراكه في الحكومة، غير أن فيرتر يشير إلى احتمال أن يكون “يؤمن فعلًا بموقفه ويشعر بمسؤولية وطنية”.

ويضيف أن نتنياهو لم يعد يملك ما يقدّمه لشركائه من الحريديم سوى “رأس إدلشتاين”، ككبش فداء سياسي قد يتيح تمرير القانون ولو مؤقتًا، على أمل تأجيل الانفجار الائتلافي المتوقع لأسابيع إضافية.

نتنياهو يعطل التوجه للانتخابات.. ما علاقة الحريديم وحرب غزة؟

انتخابات محتملة بعد انقلاب شاس

المفاجأة الكبرى تمثلت في إعلان الأحزاب الحريدية الثلاثة (تكتل يهودية التوراة لليهود الأشكناز الغربيين بشقيه، وحزب شاس لليهود السفرديم الشرقيين) دعمها لحلّ الكنيست. ووفقًا لفيرتر، فإن إعلان دعم زعيم شاس أرييه درعي لهذا الخيار شكّل “صدمة” لنتنياهو وأنصاره، إذ كان يُنظر إلى درعي كأقرب الحلفاء وأكثرهم ولاءً.

لكن الواقع أن درعي، الذي يملك حزبه 11 مقعدا في الكنيست، لم يعد يملك هامش مناورة أمام حاخاماته، خصوصًا الجناح السفاردي المتشدد، الذين تجاهلوا التحالفات السياسية وفرضوا رؤيتهم، مشككين في استمرار الحكومة دون تمرير القانون.

ويسخر فيرتر من “الرضا عن النفس” الذي أبداه نتنياهو خلال الأسابيع الماضية، حيث كان يراهن على أن الحريديم “لن يفرّطوا بحكومة أحلامهم”، لكنه لم يقدّر جيدًا وزن وتأثير حاخامات في التسعين من أعمارهم، يعتبرون قوانين التجنيد “نجاسة يجب التخلص منها”.

ويحذّر من أن هؤلاء الحاخامات، الذين تلاعبوا بالحكومة بأكملها، قد يجدون قريبًا أنفسهم مرفوضين شعبيًا، وأن الناخب الإسرائيلي قد “يُسقطهم في صندوق الاقتراع ويتركهم في المعارضة لسنوات طويلة، عقابًا على غطرستهم ونرجسيتهم”.

ورغم أن موعد الانتخابات المبكرة لم يُحدد بعد، ويحتاج إلى إسقاط الثقة بحكومة نتنياهو من خلال 4 قراءات في الكنيست يتخللها عطلة صيفية للبرلمان الإسرائيلي، فإن المؤشرات تتجه نحو تبكيرها حسبما يرى فيرتر.

ومن المرجح أن يؤدي انضمام المعارضة إلى حزب شاس بطرح مشروع لحجب الثقة عن الحكومة إلى نجاح المشروع في قراءته التمهيدية الأولى ما لم يتمكن نتنياهو من إرضائهم ودفعهم للتراجع عن المضي في دعم حجب الثقة في القراءات التالية التي ستستغرق أشهرا.

شاركها.
Exit mobile version