تراوحت افتتاحيات الصحف الأميركية ومقالات الرأي التي نشرتها بين الإشادة والاستهجان بالخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حفل تنصيبه يوم الاثنين.

فقد انتقدت صحيفة نيويورك تايمز -في افتتاحيتها- القرار التنفيذي الذي أصدره الرئيس بالعفو عن 1600 من أنصاره كانوا قد أُدينوا باقتحام مقر الكونغرس (الكابيتول) في السادس من يناير/كانون الثاني 2021 احتجاجا على نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2020 ومنحت الفوز للمرشح الديمقراطي آنذاك جو بايدن.

وقالت إن صدور عفو رئاسي عن فيليب شون غريللو، الذي تزعم مثيري الشغب الذين اقتحموا مبنى الكابيتول، لا يمثل فقط استهزاء بحكم هيئة المحلفين وقرار القاضي رويس لامبيرث بسجنه لمدة عام، بل إن العفو الجماعي عن 1600 شخص من المدانين يجعل نظام العدالة الأميركي مثار سخرية.

والأهم من ذلك -برأي الصحيفة- أن العفو الجماعي يبعث برسالة إلى البلاد والعالم مفادها أن انتهاك القانون لدعم ترامب وحركته سيكافأ، خاصة عند النظر إليه من زاوية قرارات العفو السابقة التي أصدرها عن مستشاريه.

إساءة استخدام العفو الرئاسي

وانتقدت الافتتاحية أيضا الرؤساء الأميركيين ممن يسيئون استخدام نظام العفو الرئاسي قبيل مغادرة مناصبهم -وآخرهم الرئيس جو بايدن- “الذين يقدمون هدية أخيرة للمقربين أو المانحين أو الأقارب” على ما ارتكبوه من تجاوزات.

غير أنها ترى أن ما فعله ترامب يوم الاثنين كان ذا نطاق مختلف تماما، لأن استخدام سلطته لإصدار عفو جماعي “ينم عن ازدراء للنظام القضائي”، واستهلالا لولايته الرئاسية في “كتابة فصل زائف من تاريخ الولايات المتحدة، في محاولة لمحو جريمة ارتكبت ضد أسس الديمقراطية الأميركية”.

وفي مقال رأي بالصحيفة نفسها، كتب وزير الدفاع الأميركي الأسبق ليون بانيتا أن السؤال الأساسي الذي يُطرح في جميع أنحاء العالم هو إذا ما كان سيكرر النهج الفوضوي وغير المتوقع في السياسة الخارجية الذي ميّز فترة ولايته الأولى أم أنه سيتبنى الشعار الذي طالما أكد عليه مرارا خلال حملته الانتخابية وهو إقرار “السلام من خلال القوة”.

وقال إنه لا يمكن للرئيس المنتخب ترامب أن يتبنى هذا المفهوم في السياسة الخارجية، الذي يرى أن الجيش القوي يمكن أن يمنع الصراع، دون أن يتبنى أيضا التعريف الذي قدمه الرئيس رونالد ريغان ببلاغة في خطابه بمناسبة الذكرى الـ40 لغزو النورماندي.

وجاء في تلك الكلمة أنه “من الأفضل أن نكون هنا مستعدين لحماية السلام بدلا من اللجوء الأعمى عبر البحر، والاندفاع للرد فقط بعد ضياع الحرية”، وأن “قوة حلفاء أميركا أمر حيوي بالنسبة للولايات المتحدة”.

العالم مختلف اليوم

ووفقا لبانيتا، فإن العالم الذي ينتظر ترامب يختلف كثيرا عن العالم الذي كان إبان ولايته الرئاسية الأولى، فالعالم الآن ينطوي على تهديد أكبر بكثير مما كان عليه في ذلك الوقت. وأوضح أن الزعماء “المستبدين” أمثال الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جين بينغ، والكوري الشمالي كيم جونغ أون والقادة الإيرانيين، الذين كانوا منخرطين في مناطق نفوذهم قد تحالفوا اليوم معا.

وفي مقال آخر، استطلعت صحيفة نيويورك تايمز عددا من كُتّاب الرأي والمساهمين. فقد وصف الكاتب ديفيد فرينش خطاب ترامب بأنه كان أكثر قتامة من الخطاب الذي ألقاه في حفل تنصيبه عام 2017.

فبدلا من أن يسعى لتوحيد الأميركيين، رسم ترامب -وفق الكاتب- صورة أحلك لحالة الأمة الأميركية وشخصية خصومه.

لكن الصحفية كريستين سولتيس أندرسون أشادت بالفقرة الأخيرة من الخطاب التي قال فيها إن “الطموح هو شريان الحياة لأمة عظيمة”. صحيح أن “الانحدار الأميركي هو ما حصلنا عليه”، تقول الكاتبة، إلا أنها لا تعتقد أن الانحدار كان السمة الغالبة؛ بل عودة ترامب إلى الرئاسة “واثقا ومتفائلا”.

وبدوره، رحب الكاتب جوش بارو بوعد ترامب بتصدير الطاقة الأميركية إلى جميع أنحاء العالم، معتبرا ذلك خطوة ذكية من شأنها أن تنمي الاقتصاد، وتخفض أسعار السلع الاستهلاكية، وتوفر لأوروبا بديلا موثوقا به للغاز الروسي، ولا تجعل الأميركيين تحت رحمة منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”.

تسليح وزارة العدل

أما كاثرين مانغو وارد، فقد أثنت على جعل ترامب حرية التعبير أولوية في فترة رئاسته الجديدة. لكنها، مع ذلك، انتقدت ما جاء في الخطاب مما اعتبرته “تسليحا” لوزارة العدل، وحديثا يُبطن أكثر مما يُظهر، وادعاء غير قابل للتصديق عندما يقول “لن تُستغل القوة الهائلة للدولة سلاحا مرة أخرى لملاحقة الخصوم السياسيين”.

واعتبر الكاتب ماثيو شميتز إدانة ترامب للمؤسسة “الراديكالية والفاسدة” أفضل ما ورد في خطاب التنصيب.

إشادة من وول ستريت جورنال

وفي افتتاحيتها، أشادت هيئة تحرير صحيفة وول ستريت جورنال بخطاب ترامب، واعتبرته أفضل رسالة بكثير من خطابه في مستهل ولايته الأولى.

وقالت إذا كانت هذه الرسالة تمثل تعبيرا حقيقيا لخططه، فإن لديه فرصة لإنهاء ولايته الرئاسية بعد 4 سنوات بنجاح.

وفي صحيفة واشنطن بوست، لفت الكاتب إيشان ثارور إلى أن حفل تنصيب ترامب تزامن مع منتدى دافوس الاقتصادي العالمي الذي انطلق يوم الاثنين أيضا ويستمر حتى 24 من الشهر الجاري.

ومن أبرز المشاركين في المنتدى هذا العام الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي سيشارك عبر رابط فيديو مباشر في حوار تفاعلي مع الحضور.

وأوضح ثارور أن معظم الحضور في منتدى دافوس سيركزون على التغيرات التي تحدث في عالم جديد في طور التشكل. وقال إن شركات العملات المشفرة والذكاء الاصطناعي تصطف في ممشى المدينة الجليدي بأجنحة تروج للمستقبل النابض بالحياة الذي تصوغه تقنياتها.

الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته بايدن يستقبل الرئيس المنتخب ترمب استعدادا للمشاركة بحفل تنصيبه

يتحدى الذوق السليم

ومن جانبه، اتخذ جورج ويل كاتب العمود بصحيفة واشنطن بوست موقف الحياد إزاء ولاية ترامب الثانية. فقد كتب تحت عنوان “لا تفرحوا ولا تيأسوا، ترامب سيمضي إلى حال سبيله أيضا” أن التاريخ سيذكر خطاب ترامب في حفل تنصيبه أمس بأنه أسوأ من 59 حفل تنصيب آخر شهدته الولايات المتحدة، بما في ذلك تنصيبه عام 2017.

لقد كان الخطاب تذكيرا بأن عديدا من الأميركيين يشاهدون الطبقة السياسية في الحفل كما لو أنهم “يبتلعون قيئا”. وأحد أسباب ذلك هو أن الرئيس الجديد يتحدى بإصرار الذوق السليم.

وفي مجلة ناشونال إنترست، وصف كاوش أرها، كبير الزملاء غير المقيمين في مجلس الأطلسي، الرئيس ترامب بأنه رجل محظوظ يتميز بالإصرار على صنع حظه بنفسه.

وحسب المقال، فإن ترامب يدخل البيت الأبيض مجددا والعالم يمور بالتغيرات المطردة، في وقت يعاني فيه خصوم الولايات المتحدة، وهنا أكثر مما كانوا عليه خلال ولايته الأولى.

ويمكن لترامب في ولايته الثانية أن يعيد -في نظر أرها- تعريف التحالفات العالمية، ويتغلب على الخصوم، ويرفع قيادة أميركا في حقبة جديدة من التنافس بين القوى العظمى.

إن تضافر الأحداث العالمية ونمط القيادة الفريد لترامب يقدم فرصا لا مثيل لها لتعزيز نفوذ الولايات المتحدة في تشكيل عالم أكثر أمنا وازدهارا يحمي المصالح والقيم، بحسب أرها.

شاركها.
Exit mobile version