حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من مخاطر تحويل لبنان إلى “غزة أخرى” في خضم تصعيد للأعمال العدائية بين إسرائيل وحزب الله اللبناني.

وقال غوتيريش في تصريح لشبكة “سي إن إن” الإخبارية الأميركية على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة: “ما يثير قلقي هو خطر تحويل لبنان إلى غزة أخرى”، معتبرًا أن الأطراف المتصارعة غير مهتمة بوقف إطلاق النار”.

أيام معدودة وتدخل حرب الجبهة الجنوبية في لبنان عامها الأول، إذ منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والحرب تأخذ منحنًى تصاعديًا، لاسيما بعدما كسرت إسرائيل بتفجيراتها للأجهزة اللاسلكية “البيجر” كافة القواعد الأخلاقية والأمنية، زاد ذلك الضربةُ التي نفذها طيرانها الجمعة 20 سبتمبر/ أيلول الجاري في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأدت لمقتل 12 قياديًا في حزب الله.

إنها حرب “عض الأصابع” تعتمد على من سيتنازل أولًا، لأنه على ما يبدو لا حلولَ تلوح في الأفق لأي تسوية ممكنة لا فيما يتعلّق بوقف الحرب، ولا حتى فيما يرتبط بإبرام صفقة تحرير المحتجزين لدى الطرفين، رغم أن إدارة بادين تحتاجها لفكّ أسر 10 أميركيين، فتستطيع من خلال الصورة التذكارية لبايدن وبجانبه المرشحة الديمقراطية على الرئاسة نائبته كامالا هاريس تسجيل نقاطٍ والتأثير على الرأي العام الأميركي؛ لزيادة حظوظها في الوصول إلى البيت الأبيض.

في إطار الردّ الانتقامي على الإجرام الإسرائيلي، أعلن حزب الله، الأحد 22 سبتمبر/ أيلول الجاري، أنه استهدف قاعدة ومطار “رامات ديفيد” بعشرات الصواريخ من نوع فادي1 وفادي 2. وبحسب بيان الحزب فإنها المرة الأولى التي يتمّ فيها استخدام مثل هذه الصواريخ منذ الثامن من أكتوبر /تشرين الأول الماضي، حيث أطلق عليها التسمية نسبة إلى القيادي في حزب الله فادي حسن طويل الذي قُتل في عام 1987 في مواجهة للحزب مع العدو الإسرائيلي.

لا يكفي التوقف عند نوعية هذه الصواريخ ومدى فاعليتها في ضرب العمق على بُعد 100 كيلو متر، وهي موجهة بدقة لكي تصيب أهدافها، بل الأهم أنّها صواريخ سوريّة الصنع، والتي أصبحت جزءًا من الترسانة الصاروخية لحزب الله وتعادل صاروخ خيبر الإيراني.

ظهرت هذه الترسانة للمرة الأولى في مقطع مصور نشره الحزب لمنشأة عماد 4، فهل هذا مؤشر واضح على أن حزب الله تعمد الكشف عن الصاروخ لفتح جبهة الجولان وإشراك النظام السوري في الحرب الكبرى إن وقعت؟ وهل يتلاقى هذا مع سلسلة التعيينات التي أجراها نظام الأسد في وزاراته، لاسيما وزارة الخارجية؟

لا يفتأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومجموعة كبيرة من مسؤوليه يهددون الدول الغربية بتوجيه ضربات موجعة إلى عواصمهم إن قاموا بالسماح للجيش الأوكراني باستخدام أسلحتهم لضرب العمق الروسي. فهذا من المنظور الروسي يدخل في خانة المشاركة الغربية في ضرب المناطق الروسية، ويعتبر تهديدًا لأمنها القومي، ما يسمح لها بتوجيه ضربات من قبل روسيا إلى أي هدف تجده القوات الروسية حيويًا لها حتى لو كان داخل حدود هذه الدول.

ينطبق ما قام به حزب الله من اختياره صواريخ فادي 1و 2 مع المنطق الروسي، ومع ما يتطابق من التعيينات التي قام بها الرئيس الأسد، لا سيما بتعيينه فيصل المقداد وزيرًا للخارجية السورية ذا الهوى الإيراني. إذ دعت وزارة الخارجية الروسية إلى عدم البحث عن خلفيات سياسية وراء قرار التعيين هذا، كي لا يقع الصدام بين الحليفين؛ لأن وجهة المقداد في زيارته الأولى ستكون طهران وليس موسكو في دلالة يقرؤُها البعض بأن التموضع السوري الجديد إلى جانب محور الممانعة.

منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول، والحرب في جنوب لبنان رسمت إطار الضربات العسكرية، باستثناء تلك الضربات التي نفذّتها قوات الجو الإسرائيلية في العمق اللبناني. لكن مع اعتبار إسرائيل أن عملياتها في قطاع غزة شارفت على الانتهاء، بدأت الخطابات عند المسؤولين الإسرائيليين تتحدث عن عمليات نوعية داخل العمق اللبناني؛ بهدف ردع الحزب عن الاستمرار بجبهته الإسنادية، وإعادة مستوطنيها إلى منازلهم في شمال فلسطين المحتلة.

بين عودة المحتجزين لدى حماس، وعودة المستوطنين إلى مناطقهم في الشمال، تتوسع دائرة الحرب، وتأخذ بعدًا أكثر دموية، لاسيما مع تعمد الطائرات الإسرائيلية استهدافَ كافة المناطق اللبنانية التي تتواجد فيها مراكز أو شخصيات لحزب الله.

لقد سقطت كافة الخطوط الحمراء، وكسرت قواعد الاشتباك، فبات الوضع يتدحرج نحو الأسوأ، رغم التقاطع الإيراني الأميركي بعدم توسيعها، لكن المؤشرات تؤكد أن سوريا تتأرجح بين الموانع الروسية والرغبة الإيرانية بإدخال نظام الأسد كجزء من القوة الممانعة في المنطقة.

أقفلت سوريا حدودها مع إسرائيل، ومنع النظام توحيد ساحاته من جبهة الجولان، رغم أنّ النظام بعد الأحداث السورية عام 2011، اعتُبر جزءًا لا يتجزأ من هذا المحور. لكنّ الأبرز أنه رغم ما تعرّضت له حركة حماس في قطاع غزة، ورغم الحرب التي باتت شبه مفتوحة في لبنان والقابلة لأن تتدحرج نحو حرب واسعة على لبنان، فإنّ النظام السوري ينأى بنفسه، ويحرص على عدم الانجرار إليها، رغم استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، ومئات الغارات التي ينفذها الطيران الإسرائيلي في العمق السوري.

بعد 13 عامًا من نزاع دامٍ في سوريا، يحاول رأس النظام بشار الأسد، الموازنة بين داعمتيه الرئيسيتين إيران التي هي عدو لإسرائيل، والتي سارعت مجموعات موالية لها إلى مساندة حركة حماس، وبين روسيا. حيث تؤكد المصادر أن روسيا وبعض الدول الإقليمية فتحوا علاقات مع النظام منذ عام 2018 نصحتا سوريا بتجنب التموضع وحثتاه على البقاء بمنأى عن النزاع الدائر بين المحور وإسرائيل. هذا، وهناك تأكيدات من مصادر غربية أن النظام تلقى تهديدًا واضحًا من إسرائيل؛ مفاده أن أي تدخل في هذه الحرب سيتم تدمير النظام.

لم تزل جبهة الجولان ترزح تحت معادلة “فكّ الاشتباك” التي وقّعت عام 1974، رغم بعض الخروقات التي حصلت والتي شملت 30 صاروخًا نفذتها مجموعات متحالفة مع حزب الله على الجولان المحتل. إن حرص النظام على عدم التدخل، قد يكون استجابة لطلب حلفاء له، أو لأنّ سوريا أصبحت منكوبة نتيجة الحرب التي حصلت على أراضيها، ونتيجة العقوبات المفروضة عليها من قبل الإدارة الأميركية على رأسها تطبيق قانون “قيصر” منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.

مهما يكن من مبررات لعدم إقحام النظام نفسه في هذه الحرب، فإنّ هناك توجهًا من قبل المحور لفتح جبهات الحرب على إسرائيل. لاسيما بعدما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو توسيع الحرب في لبنان لتشمل كافة المناطق. لهذا لم يعد دخول سوريا مرتبطًا بخيار، بل هو قرار يجب الالتزام به، فهل هو الوقت لفتح هذه الجبهة؟ أم أن الحزب يستخدم المخزون من صواريخه دون قراءة مكان التصنيع؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

شاركها.
Exit mobile version