شهد مرفأ طرطوس تفريغ باخرة محمّلة بـ6600 طن من القمح الطري المستورد، في إطار الجهود الرامية لتأمين احتياجات السوق السورية من هذه المادة الأساسية. وتندرج هذه العملية ضمن سلسلة متواصلة من الشحنات، إذ استقبل المرفأ منذ سقوط النظام السابق 13 باخرة بحمولة إجمالية بلغت 136 ألف طن، مما يعكس التزام الجهات المعنية بتعزيز الأمن الغذائي لسوريا.

وأكد مدير قسم العمليات والاستثمار في مرفأ طرطوس يوسف عرنوس أن الأرصفة المجهزة والكوادر الفنية المتخصصة تضمن انسيابية عمليات التفريغ وتقليل أي تأخيرات، مشددًا على جاهزية المرفأ لاستقبال المزيد من الشحنات بما يضمن استقرار السوق المحلية وتفادي أزمات الخبز.

تنسيق متكامل بين الجهات المعنية

وتبرز أهمية هذه الخطوة في التنسيق المتواصل بين المرفأ والمطاحن ومراكز التوزيع لضمان وصول القمح بسرعة وكفاءة، ويُنظر إلى استمرار عمليات الاستيراد بوصفها عنصرًا إستراتيجيا في الحفاظ على الأمن الغذائي، حيث يمثل القمح الركيزة الأساسية في سلة الغذاء السورية.

تنسيق متكامل بين الجهات المعنية لضمان وصول القمح إلى المطاحن والمراكز المخصصة دون أي تأخير (الجزيرة)

وفي تصريح خاص للجزيرة نت، أوضح مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية مازن علوش أن الباخرة الأخيرة “تُعد الـ13 ضمن سلسلة بواخر القمح التي وصلت إلى مرفأ طرطوس”، مشيرا إلى أن “إجمالي الكميات المستلمة حتى الآن بلغ نحو 136 ألف طن”. وأكد أن عمليات التفريغ تجري بانسيابية عالية بفضل الأرصفة المجهزة والكوادر الفنية، لافتًا إلى أن المرفأ جاهز تماما لاستقبال المزيد من البواخر في الفترة المقبلة.

وأضاف علوش أن هذه الجهود تأتي ضمن خطة شاملة لتأمين المواد الأساسية، مؤكدًا وجود تنسيق متكامل يضمن إيصال القمح إلى المطاحن والمراكز المخصصة دون تأخير.

تراجع الإنتاج المحلي

من جانبه، قال المستشار الأول في وزارة الاقتصاد السورية الدكتور أسامة قاضي إن إنتاج القمح في سوريا هذا العام تراجع بشكل كبير نتيجة الجفاف ولم يتجاوز مليون طن تقريبا، في حين لا يتوفر لدى الحكومة إلا 365 ألف طن فقط. وأوضح أن الموسم الحالي يُعد الأصعب مقارنة بمواسم سابقة كانت تنتج فيها البلاد نحو 4 ملايين طن تكفي الاستهلاك المحلي وتسمح بتصدير الفائض.

وأضاف قاضي أن الجفاف دفع وزارة الاقتصاد إلى استيراد القمح من أوكرانيا ودول أخرى، مؤكدا أنه لا يمكن الحديث عن أي اكتفاء ذاتي هذا العام. وبيّن أن سعر الاستيراد يبلغ نحو 240 دولارًا للطن، في حين قدمت الحكومة حوافز للمزارعين المحليين بلغت 320 دولارًا للطن، إضافة إلى مكافأة بقيمة 130 دولارًا، ليصل المبلغ الكلي إلى 450 دولارًا للطن، أي نحو ضعف تكلفة الاستيراد.

وأشار أسامة قاضي إلى أن هذه السياسة تهدف إلى دعم المزارعين وتشجيعهم على توريد محاصيلهم رغم الظروف المناخية القاسية، بما يحافظ على استمرارية الإنتاج الزراعي.

تحديات مستقبلية وحلول مطلوبة

بدوره، قال الخبير الاقتصادي أسامة العبد الله للجزيرة نت إن الاعتماد على الاستيراد ليس حلا مستدامًا، موضحا أن الكميات المستوردة حتى الآن، والبالغة 136 ألف طن، لا تغطي سوى أقل من 4% من الحاجة السنوية المقدرة بـ3.8 ملايين طن.

علوش: المرفأ جاهز تماما لاستقبال المزيد من بواخر القمح (الجزيرة)

وأضاف العبد الله أن تراجع الإنتاج المحلي إلى أقل من مليون طن مقارنة بـ4 ملايين طن سابقًا يعكس حجم الأزمة، مشيرًا إلى أن دعم المزارعين بسعر يعادل تقريبًا ضعف تكلفة الاستيراد يكشف عن اختلال اقتصادي يستوجب إعادة النظر في السياسات الزراعية.

وأكد أن الحلول العاجلة تشمل تحسين التوزيع وتقليل الفاقد الذي يصل إلى 15% بسبب سوء التخزين، إضافة إلى إعادة تأهيل قنوات الري في مناطق مثل الجزيرة، وتوفير بذور مدعومة وتمويل ميسر للمزارعين. كما دعا إلى تنويع مصادر الاستيراد لتفادي المخاطر الجيوسياسية.

وختم العبد الله بالتأكيد على أن استعادة الاكتفاء الذاتي تظل هدفًا إستراتيجيًا يتطلب استثمارات في إصلاح الأراضي وتحديث القطاع الزراعي بدعم دولي، محذرًا من أن الأمن الغذائي سيبقى عرضة للتقلبات ما لم تُعتمد حلول جذرية طويلة الأمد.

شاركها.
Exit mobile version