برلين- رغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، فإن آثار الحرب وارتداداتها ما زالت تتواصل على جميع الساحات، خاصة الدولية منها.

وقامت السلطات الألمانية بمداهمة منازل عدة أعضاء “لجمعية فلسطين” في مدينة فرانكفورت ومحيطها تحت ذريعة كراهية إسرائيل ومعاداة السامية.

وفي العاصمة برلين مُنعت المسيرات التي كانت تجوب شوارع المدينة، وسُمح فقط بتنظيم وقفات تضامنية حتى نهاية العام الماضي، حسب إفادة الناشط الفلسطيني إبراهيم إبراهيم للجزيرة نت.

آثار الحرب على غزة امتدت لتطال المنظمات غير الحكومية في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك داخل إسرائيل. إحدى هذه المنظمات هي “ذاكرات”، التي تأسست عام 2002 بهدف الكشف عن المعلومات التاريخية المرتبطة بالنكبة الفلسطينية ودعم حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

شارك آلاف الأشخاص في العاصمة الألمانية برلين، في مظاهرة داعمة لفلسطين، احتفالا باتفاق وقف إطلاق النار في غزة (وكالة الأناضول)

توقف التمويل

تعتمد “ذاكرات” في تمويلها على التبرعات والدعم المالي الخارجي، خاصة من ألمانيا. ومنذ عام 2020، أصبحت “ذاكرات” شريكًا لمنظمة “كورفي ويستروو”(KURVE Wustrow)، وتلقت دعما ماليا من وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية، عبر برنامج دعم السلام المدني. هذا الدعم شمل منحة سنوية وتمويل رواتب الموظفين.

وأكدت نجوان بيكدار، مسؤولة الإعلام والمناصرة في “ذاكرات”، للجزيرة نت، أن المنظمة حصلت على تمويل إضافي من جهات تدعمها وزارة التعاون الألمانية في سنوات سابقة، وأن الدعم الألماني استمر حتى عام 2024، إلا أن وزارة التعاون الاقتصادي قررت إنهاء التمويل المخصص لرواتب موظفي “ذاكرات”، حسب المتحدثة.

وتوضح بيكدار أن هذا القرار يعكس الموقف السياسي الألماني الذي يدعم إسرائيل بشكل غير مشروط. وتضيف أن الوزارة طلبت من المنظمة الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، ورفض أي دعم لحق العودة للفلسطينيين.

من جانبها، أكدت وزارة الخارجية الألمانية أنها تدعم عددًا من المنظمات غير الحكومية في إسرائيل وفلسطين، بما يتماشى مع أهداف السياسة الخارجية الألمانية. وأضافت الوزارة أنها أجرت فحصا مكثفا للمنظمات غير الحكومية، بما في ذلك “ذاكرات”، وتوصلت إلى استنتاجات دفعتها لوقف التمويل.

ازدواجية المعايير

بعد الهجوم الذي شنّته حركة حماس والفصائل الفلسطينية على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعادت ألمانيا تقييم سياستها تجاه منظمات المجتمع المدني في فلسطين وخارجها. وقد أدى ذلك إلى وقف الدعم المالي لعدد من المؤسسات.

ويعتقد عدد من المنظمات المتضررة أن هذا الإجراء محاولة لإسكات الأصوات الناقدة لسياسات الحكومة الإسرائيلية.

ورغم الضغوط، تؤكد بيكدار أن “ذاكرات” ملتزمة بدعم حق العودة وتحقيق العدالة والسلام. وتقول “سنستمر في عملنا مهما كانت التحديات، وسنبحث عن مصادر تمويل بديلة لضمان استمرار أنشطتنا”.

تأتي قرارات ألمانيا بوقف التمويل في وقت تبدي فيه المنظمات الحقوقية اعتراضها على ازدواجية المعايير.

و نصّت عريضة نشرتها منظمة “نيو بروفايل”، التي تعمل إلى جانب “ذاكرات”، على أن ألمانيا، استنادًا إلى تاريخها، تتحمل مسؤولية خاصة للدفاع عن حقوق الإنسان.

وأكدت العريضة أن تقييد دعم المجتمع المدني يقوّض الجهود المبذولة لتحقيق حلول سلمية وعادلة في فلسطين وإسرائيل.

من جانبها، ترى منظمة “نيو بروفايل” أن رفض عسكرة المجتمع الإسرائيلي والعمل على تقديم المشورة لمن يرفضون الخدمة العسكرية، يأتي ضمن الحق في التعبير. وتعتبر هذه الجهود مساهمة في تحقيق مجتمع أكثر سلمية.

أما جورج رشماوي، الناطق الرسمي باسم الجالية الفلسطينية بألمانيا، فيرى أن النهج الألماني يعادي الحقوق الوطنية الفلسطينية. ويضيف “ألمانيا لا تزال تصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، وتواصل دعم سياسات اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي ينكر وجود الشعب الفلسطيني وحقوقه”.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، كان البرلمان الألماني قد صادق على قانون يمنع تمويل الجمعيات والمشاريع الثقافية والفنية والعلمية دون مراجعة مسبقة، للتأكد من أنها لا تحمل “سردية معادية للسامية”.

ويُمكن لهذا القانون الفضفاض، حسب الفاعلين، أن يجعل انتقاد إسرائيل سببا كافيا لحرمان المؤسسات من التمويل.

 

 

 

شاركها.
Exit mobile version