القدس المحتلة- سارعت السلطات الإسرائيلية، بعد ساعات من بدء معركة “طوفان الأقصى” التي شنتها حركة حماس على مستوطنات “غلاف غزة” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلى إعلان حالة الطوارئ العامة في البلاد، مستهدفة بذلك فلسطينيي 48 لترويعهم وترهيبهم.

ومع بداية العدوان على غزة، خرجت مظاهرات في عدة مناطق بالداخل الفلسطيني تنديدا بمجازر الجيش الإسرائيلي، لكن سرعان ما فرضت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية -ممثلة في الشرطة وجهاز الأمن العام “الشاباك”– قبضة حديدية على فلسطينيي الداخل، وشرعت بحملة ملاحقة مكثفة، على خلفية المشاركة في مظاهرات أو كتابة منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، بتهمة دعم المقاومة.

تسلط الجزيرة نت في هذا التقرير الضوء على واقع فلسطينيي 48 في ظل الحرب على غزة، والسياسات التي اعتمدتها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ضدهم، من خلال مقابلة رئيس التجمع الوطني (حزب عربي) سامي أبو شحادة، والقيادي في لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل ورئيس لجنة الحريات الشيخ كمال خطيب، وما وثقه مركز عدالة الحقوقي -ممثلا في مديره المحامي حسن جبارين- من عنف سياسي وأمني واعتقالات وقمع للحريات.

أبو شحادة: نعمل على صياغة وثيقة تصور مستقبلي تحدد العلاقة بين المواطنين العرب وإسرائيل (الجزيرة)

ما الواقع الذي فرضته إسرائيل على فلسطينيي 48 بعد اندلاع الحرب على غزة؟

شددت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قبضتها على فلسطينيي الداخل بموجب أنظمة الطوارئ، وذلك عبر القمع، والتنكيل والاضطهاد والملاحقة وتجريم العمل السياسي، والاعتقالات والتوقيف والتحقيق لدى أجهزة المخابرات، والمحاكمات التي شملت المئات، وكذلك فرض عقوبات مشددة بالسجن الفعلي لسنوات طويلة على العشرات، حسب رصد مركز عدالة الحقوقي.

ويقول الشيخ كمال الخطيب إن المؤسسة الإسرائيلية، من خلال سلوكها العام، كانت على يقين أن الداخل الفلسطيني جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، وعليه كان السلوك الإسرائيلي -وفق هذه القناعات- بتشديد القبضة الأمنية عبر القمع والملاحقات، والتحقيقات والاعتقالات، وتكميم الأفواه.

ومن وجهة نظر رئيس التجمع الوطني سامي أبو شحادة، فإن الداخل الفلسطيني وقف مرة أخرى -مثلما فعل في تحديات وأحداث سابقة- أمام امتحان العلاقة بين المواطن والدولة (إسرائيل)، التي نظرت لفلسطينيي 48 وتعاملت معهم منذ بدء الحرب على أساس أنهم أعداء وليسوا مواطنين.

وخلال عام من الحرب، استشهد 10 من فلسطينيي 48 برصاص أجهزة الأمن الإسرائيلية، بزعم ضلوعهم في تنفيذ عمليات مسلحة أو طعن إسرائيليين، كما استشهد أسير من أبناء الداخل الفلسطيني كان قد اعتقل خلال فترة الحرب بزعم “التماهي مع المقاومة الفلسطينية”، بينما تواصل السلطات الإسرائيلية احتجاز جثامين 8 شهداء منهم.

الجزيرة ترصد أشكال القمع الإسرائيلي لفلسطينيي الداخل بعد 7 أكتوبر وفصل طالت مئات الطلاب والعمال

ما واقع حملات الاعتقال والتحقيق التي تعرض لها فلسطينيو 48؟

منذ “طوفان الأقصى”، تم إخضاع المئات من فلسطينيي 48 للتحقيق لدى الشرطة والأجهزة الأمنية تحت طائلة التحذير، بينما سُجل اعتقال 170 شخصا وأصدرت المحاكم الإسرائيلية بحقهم عقوبات مشددة بالسجن الفعلي لسنوات طويلة، وفرضت غرامات باهظة بعشرات آلاف الدولارات على 74 آخرين، وذلك بتهمة دعم المقاومة أو “التماهي” معها، كما أصدرت عشرات أوامر الاعتقالات الإدارية (اعتقال بلا لائحة اتهام).

وقمعت الشرطة الإسرائيلية كل أشكال التعبير في الداخل الفلسطيني منذ بداية الحرب، وانعكسَ ذلك على أرض الواقع من خلال فض الشرطة بعنف احتجاجات نظمها فلسطينيون ضد الحرب على غزة، واعتقال المتظاهرين وتقديم بعضهم للمحاكمة.

واتخذت نقابة المحامين في إسرائيل إجراءات تأديبية ضد محامين من فلسطينيي 48 لارتكابهم مخالفات مزعومة، تتعلق بمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي معارضة للحرب.

هل اقتصر العنف السياسي والأمني على الشرطة والأجهزة الأمنية؟

انطلق التصعيد بحق فلسطينيي 48 من النظر إليهم على أنهم أعداء، ولم تقتصر هذه الممارسات على المؤسسة الرسمية، حسب أبو شحادة، بل قفز السلوك المعادي إلى مختلف الأحزاب والتيارات السياسية الإسرائيلية، وكذلك مختلف المؤسسات المدنية، والوزارات الحكومية وحتى الجامعات والمستشفيات، وجهاز المحاكم.

وبدأت الجامعات الإسرائيلية بالتعامل مع عشرات آلاف الطلبة من فلسطينيي 48 بتوجّس، وقامت بفصل العشرات منهم بسبب تضامنهم مع الفلسطينيين في غزة، كما فصلت مستشفيات إسرائيلية عشرات من الكوادر الطبية العرب للسبب ذاته.

يقول الشيخ كمال الخطيب “تعززت القناعات لدى أوساط كثيرة من الإسرائيليين أن الظروف مواتية لإعادة سيناريو عام 1948″، أي النكبة وتهجير أبناء الداخل الفلسطيني، وذلك على الرغم من أن فلسطينيي 48 وقياداتهم وأحزابهم وجمعياتهم وحركاتهم يمارسون حقوقهم بوسائل قانونية وسلمية.

الخطيب: إسرائيل وظفت سلاح العنف والجريمة لنقتل بعضنا بعضا وننشغل عما يجري في غزة (الجزيرة)

ما أثر تصعيد القمع الإسرائيلي بحق فلسطينيي 48؟

هدفت السلطات الإسرائيلية منذ بداية الحرب إلى الترويع والترهيب، ومنع التظاهر والتضامن مع غزة، إذ تمادت في أساليب الانتقام والملاحقة وحتى المحاسبة على المشاعر، لكنها -حسبما يقول الخطيب- “لم تنجح بسلخ فلسطينيي 48 عن الشعب الفلسطيني، في ظل الحرب الدموية التي لا تزال تُمارس ضده”.

ومن وجهة نظر أبو شحادة، فقد تصاعدت الممارسات القمعية الإسرائيلية، ورافقتها أيضا مظاهر عداء من المجتمع الإسرائيلي، الذي بات يتصرف على أن “إسرائيل بمثابة جيش لديه دولة، وليس العكس”.

ويضيف أنه رغم ذلك، تعززت القناعات لفلسطينيي 48 بالتمسك بالهوية القومية والوطنية، وعدم المساومة على مواقفهم المبدئية والأخلاقية والإنسانية تجاه غزة، رغم الأثمان الباهظة التي لا يزالون يدفعونها.

كيف انتقمت المؤسسة الإسرائيلية من فلسطينيي 48؟

عمدت المؤسسة الإسرائيلية إلى إشاعة العنف والجريمة بأوساط فلسطينيي 48، “فهي أرادت الانتقام منا” وفق الخطيب، “لكن ليس بمزيد من الشهداء برصاص أجهزة الأمن الإسرائيلية، بل بأسلوب أن نقتل بعضنا بعضا”.

وأشار الخطيب إلى أن العنف والجريمة أخطر سلاح وظفته إسرائيل ضد فلسطينيي الداخل، من أجل إشغالهم عن القضية الفلسطينية والقدس والأقصى، وعما يجري في غزة. وذكر أنه “منذ مطلع العام الحالي، هناك أكثر من 170 قتيلا من فلسطينيي 48 هم من ضحايا الإجرام”.

وعدا عن ذلك، عمدت إسرائيل -حسب سامي أبو شحادة- إلى سلب الحقوق المدنية والانتقام والمحاكمة الميدانية بحق الفلسطينيين، من خلال الفصل من العمل، والإقصاء من التعليم الأكاديمي، إضافة للاعتقال الإداري وقمع الحريات، وسط اتساع العنصرية والتحريض ضدهم، وحتى الاعتداءات والتضييق من قبل اليهود على المواطنين العرب لمجرد وجودهم بالحيز العام.

وقفات احتجاجية بالبلدات العربية داخل الخط الأخضر منددة بقتل أطفاء ونساء غزة (الجزيرة)

كيف يتصدى الداخل الفلسطيني للسياسات الإسرائيلية؟

يقول الخطيب “لا شك أن هذه السياسات الإسرائيلية كانت لها انعكاسات من الترهيب والتخويف، جراء الملاحقة ومنع التضامن والتظاهر والمسيرات الشعبية، بيد أن ذلك لم يتحقق وإن برزت بعض مظاهره”، حسب قوله.

ويضيف الخطيب أن الداخل الفلسطيني كسر حاجز الخوف رغم الممارسات القمعية الإسرائيلية، و”لم ينسلخ عن شعبه، رغم أنه لا يزال يعيش ضمن الواقع الذي اسمه إسرائيل، لكن هذا ليس معناه الخنوع والأسرلة والانخراط في المشروع الصهيوني”.

وأمام هذه الممارسات الإسرائيلية، حاول الداخل الفلسطيني تحصين ذاته، “والتكاتف من أجل الصمود ومواجهة التحديات، والحفاظ على الهوية الوطنية والقومية والدينية، بعيدا عن كل المشاريع المسمومة التي تمارسها إسرائيل، ورفع الصوت عاليا ضد الحرب”، حسبما قال الخطيب.

إضافة إلى ذلك، تحدث أبو شحادة عن خطوات عملية، مثل إقامة لجان شعبية ولجان طوارئ في القرى والبلدات العربية، ضمن الإجراءات والتنظيم المستقل لفلسطينيي 48 خلال فترة الحرب، مهمتها تهيئة المجتمع “والاستعداد للأسوأ”.

ولفت إلى أن هناك حراكا نشطا لسياسيين ومثقفين من فلسطينيي 48، يسعى لمراجعة طبيعة العلاقة ما بين المواطنين العرب وإسرائيل، وصياغة وثيقة تحمل تصورا مستقبليا، وتضم أفكارا ومشاريع وبرامج عمل لمواجهة هذه التحديات.

شاركها.
Exit mobile version