واشنطن- خلال فترة رئاسته الأولى، وتحديدا يوم 25 مارس/آذار 2019، أعلن الرئيس دونالد ترامب اعتراف واشنطن رسميا بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية المحتلة. وهو ما مثل تغييرا كبيرا عن السياسة التي اتبعها قبله خمسة من الرؤساء الأميركيين، منهم جمهوريون وديمقراطيون، منذ ضم الاحتلال لها بقانون عام 1981.

ورفض الرؤساء رونالد ريغان وجورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما، اعتراف بلادهم بخطوة إسرائيل، واعتبروا مرتفعات الجولان أراضي سورية محتلة يجب على إسرائيل الانسحاب منها بعد مفاوضات سلام مع الدولة السورية.

وكانت إسرائيل قد احتلت مرتفعات الجولان في حرب عام 1967 ثم نظمت “اتفاقية فصل القوات مع سوريا” عام 1974 خطوط التماس السورية الإسرائيلية. إلى أن استغلت سلطات الاحتلال سقوط نظام بشار الأسد، وأعلنت انهيار اتفاقية فصل القوات مع سوريا، وتوغّلت في مناطق جبل الشيخ وأراض سورية أخرى.

وفي مؤتمر صحفي أمس الاثنين، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “أحرص على شكر صديقي، الرئيس المنتخب دونالد ترامب، لتلبيته طلبي الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان في 2019”.

وبعث ما سبق برسائل سلبية حول تحركات واشنطن المستقبلية، خاصة أنها تأتي قبل ما يقرب من 40 يوما فقط على تنصيب الرئيس الجديد دونالد ترامب.

مشاهد خاصة للجزيرة.. توغل إسرائيلي في عمق الأراضي السورية

ترامب ومستقبل سوريا

فور سقوط نظام الأسد، غرّد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب على منصة إكس قائلا “سوريا في حالة من الفوضى، لكنها ليست صديقتنا، ولا ينبغي أن يكون للولايات المتحدة أية علاقة بها. هذه ليست معركتنا، لندعهم يقتل بعضهم بعضا، يجب ألا نتورط”.

ومع صعوبة التنبؤ بما سيقدم عليه ترامب، سيعتمد ذلك بشكل كبير على من سيقترب أكثر من أذن الرئيس ترامب، ولمن سيستمع.

ويذكر توماس واريك، نائب مساعد وزير الخارجية السابق لسياسة مكافحة الإرهاب في وزارة الأمن الداخلي الأميركية، والخبير بالمجلس الأطلسي، في تقرير له نشره المجلس، أن “هناك أصواتا مختلفة ستتنافس على أذن ترامب؛ سيجادل الجناح الانعزالي بأن الحكومات الأخرى يجب أن تأخذ زمام المبادرة في سوريا ما بعد الحرب”.

و”في حين أن هذه الأصوات ليست خاطئة تماما، إلا أن أصواتا أخرى ستذكّر ترامب بأن إضعاف النفوذ الإيراني، ودعم أمن إسرائيل، والسلام في لبنان، هي، بشكل جماعي، أحد أكبر المكاسب التي يمكن أن تأمل إدارة ترامب تحقيقها” على حد قول واريك.

من جانبه، اعتبر السفير ديفيد ماك، نائب وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأوسط، أن “التاريخ يعلمنا أن الإسرائيليين بارعون جدا في الاستفادة من الأخطاء الفادحة التي يرتكبها جيرانهم. بالإضافة إلى ذلك، تسعى إستراتيجيتهم العسكرية دائما إلى السيطرة على الأرض المرتفعة”.

وفي حديثه للجزيرة نت، رجح السفير ماك أن “الرئيس المنتخب ترامب سيقبل استيلاء إسرائيليًا آخر على الأراضي السورية. ويمكن له أن يبرر ذلك للرأي العام الأميركي بالقول إن الإسرائيليين يفعلون ذلك لمنع الإرهاب المستقبلي من هذه الأراضي”.

وفي حديث مع الجزيرة نت، أشارت الأكاديمية وخبيرة الشؤون الخارجية الأميركية عسل أراد، إلى أن الإجراءات الإسرائيلية تتناسب مع ما تقوم به إسرائيل من سلوك يتعارض مع أسس القانون والأعراف الدولية باستمرارها في توسيع الأراضي التي تحتلها بشكل غير قانوني.

وقالت “هناك بالطبع الاحتلال المستمر منذ عقود للأراضي الفلسطينية ومرتفعات الجولان السورية. وتستغل الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة الاضطرابات الحالية في سوريا للتوغل أكثر في أراضيها، وهو انتهاك واضح آخر للقانون الدولي وسيادة سوريا”.

إطلاق اسم ترامب على مستوطنة جديدة بالجولان بعد اعترافه بهذه الأراضي لإسرائيل (غيتي)

غطاء أميركي

وأشارت الخبيرة أراد إلى أن “إدارة جو بايدن قدمت غطاء داعما للتوغل الإسرائيلي في سوريا بتبريرها ذلك بأنه عملية مؤقتة بدون شروط أو حدود وتوقيتات محددة. وقد تستمر إدارة ترامب في هذه السياسة. ونظرا لاعترافها بالجولان للإسرائيليين؛ فقد تعترف الإدارة الجديدة بمزيد من الأراضي لإسرائيل”.

في الوقت نفسه، تعتقد أراد أنه من الصعب التنبؤ بما ستفعله إدارة ترامب الجديدة، خاصة وأنه دعا الولايات المتحدة إلى البقاء بعيدا عن الشؤون السورية وقال إنه يريد إنهاء الحروب. و”إذا أردنا تصديق هذه التصريحات، فعلى إسرائيل الانسحاب من الأراضي السورية خارج مرتفعات الجولان التي اعترف بها ترامب بالفعل -خلافا للقانون الدولي- كأراض إسرائيلية”.

وفي تحليل نشره موقع معهد الشرق الأوسط، أشار الأستاذ بجامعة ميريلاند بول شام، إلى أنه بعدما أيقنت إسرائيل أن دمشق على وشك السقوط في أيدي “المتمردين”، عزّزت من انتشارها العسكري في مرتفعات الجولان. ثم تجاوزت وحدات المشاة والمدرعات الإسرائيلية خطوط فك الاشتباك عام 1974 واحتلت مواقع مهجورة على الجانب السوري من جبل حرمون، “بالإضافة إلى العديد من المواقع الأخرى التي تعتبر ضرورية لتحقيق الاستقرار في السيطرة على المنطقة” كما ذكر الجيش الإسرائيلي.

ورأى الخبير شام، أن إعلان إسرائيل أن قواتها ستنسحب إلى مواقع فض الاشتباك المتفق عليها بمجرد أن تقتنع بوجود عسكري ومدني مستقر في جنوب غرب سوريا وعزمها احترام خطوط عام 1974، قد يستغرق أسابيع أو شهورا على أقل تقدير.

جدير بالذكر أن الحدود مع سوريا كانت أكثر الحدود هدوءا لإسرائيل منذ عام 1974، وخلال أكثر من نصف قرن من حكم عائلة الأسد.

ويستبعد الخبير بمعهد “بروكينغز” والمسؤول الاستخباري السابق بروس رايدل، أن يظل هذا الوضع هادئا كما كان خلال سنوات حكم حافظ وبشار الأسد الطويلة. ويُرجع رايدل ذلك إلى تصميم قادة المعارضة المسلحة ذات التوجهات الأيديولوجية الإسلامية، والتي تسيطر على الحكم في دمشق حاليا، على أهمية استمرار مواجهة إسرائيل والاستعداد لقتالها.

شاركها.
Exit mobile version