جاء انهيار نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد أسرع مما كان يحلم به الثوار، فقد اجتمعت بعض الظروف التي أدت إلى أن تعيد بعض القوى العالمية اصطفافها معهم إلى تلك النتيجة، هكذا قرأت صحيفة واشنطن بوست الأميركية تطورات المشهد.

وفي تقرير من مكتبها في إسطنبول، ذكرت الصحيفة أن مقاتلي الجماعات المسلحة كانوا يندفعون نحو العاصمة دمشق، في حين لم يكن “رجال الرئيس” في مزاج يسمح لهم بالقتال، فقد اكتفوا بمشاهدة المدن تسقط الواحدة تلو الأخرى على أيدي أولئك الثوار على مدار أكثر من أسبوع.

وبحلول يوم السبت، كان الثوار يهددون حمص إحدى المدن السورية الكبرى، في وسط البلاد، التي وصفتها الصحيفة بأنها كانت حائط الصد الإستراتيجي لنظام الأسد.

خلعوا زيهم العسكري

ونقلت عن جندي حكومي كان متمركزا في ضواحي المدينة يدعى إياد أحمد (22 عاما) -الذي قالت واشنطن بوست إنه كان يتقاضى ما يعادل دولارين في الشهر- القول: “لم نكن نريد القتال”، مضيفا “لقد ألقيت سلاحي ووليت الدبر” بعد أن أمرهم القائد هو وزملاءه بالانسحاب، فخلعوا زيهم العسكري وألقوه في الشارع.

ووفقا للتقرير، فقد تداعت ركائز سلطة الدولة في أول اندفاع عسكري حقيقي منذ سنوات لقوة معارضة منظمة جيدا وعازمة على الوصول إلى الهدف.

ورأت الصحيفة أن ظروف إسقاط النظام السوري “القديم والمتصلب” تضافرت عن طريق الصدفة مع جزء من عملية إعادة اصطفاف عالمية كبرى، فقد تخلى عنه حليفاه الرئيسيان (روسيا وإيران) نتيجة لانشغالهما بمشاكلهما الخاصة وخيبة أملهما جراء عجز الأسد عن حشد قواته لقتال الجماعات المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام.

وبدا أن قبضة الأسد على السلطة أوهن مما كان يدركه أي شخص حتى الرئيس نفسه، وفق الصحيفة التي أفادت بأنها استندت في تقريرها عن الثورة السورية على أكثر من 12 مقابلة أجرتها مع مقاتلين وقادة من الثوار، ومسؤولين غربيين وأتراك، وشخصيات من المعارضة السورية ودبلوماسيين إقليميين، بالإضافة إلى أفراد من عائلة الأسد ومقربين منه.

انقلاب التوازن الإستراتيجي

وأشارت إلى أن التوازن الإستراتيجي في الشرق الأوسط انقلب رأسا على عقب، مما جعل إيران وروسيا تحاولان التكيف مع خسارة حليف إستراتيجي، في حين انتهزت قوى أخرى -مثل إسرائيل وتركيا- الاضطرابات في سوريا بحثا عن مكاسب.

أما ضحايا، فقد جاءت الإطاحة به “متأخرة جدا” بعد ربع قرن من وراثته السلطة من والده، وبعد ما يقرب من 14 عاما من الانتفاضة الشعبية ضد حكمه.

وقد أدت وحشية النظام ضد الاحتجاجات السلمية إلى اندلاع حرب أهلية دموية. ومع استمرار الصراع وتمزق سوريا، بدا أن بشار الأسد يشعر بأمان أكثر، “لكن الأرض كانت تتحرك من تحت قدميه”.

وقال عمر أوزكيزيلجيك، الخبير في الشأن السوري بالمجلس الأطلسي، إن كل الظروف لعبت دورا في انهيار نظام الأسد، من بينها انشغال روسيا بحربها ضد أوكرانيا، وحرب إسرائيل في لبنان، وفترة الفراغ السياسي في الولايات المتحدة بين إدارتين قبل تولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب منصبه.

ونسبت الصحيفة لأحد أفراد عائلة بشار أنه كان يطمئن أقاربه قبل فراره بأن العاصمة في مأمن، وقال لهم: “دمشق قوية، دمشق محصنة”.

حتى الثوار ذهلوا

وحتى الثوار أنفسهم “ذُهِلوا” من نجاحهم؛ فقد كان هدفهم من الهجوم متواضعا وهو استعادة السيطرة على مدينة حلب شمالي سوريا، كما قال أحد أعضاء هيئة تحرير الشام للصحيفة الأميركية.

وعندما سقطت المدينة بسهولة، وضعوا جنوب البلاد نصب أعينهم، “وفجأة أصبح ما لم يكن في الحسبان ممكنا”.

وفي ساحة المعركة التي أصبحت هادئة بين حلب وحماة الأسبوع الماضي، قال عبد القادر رمضان، وهو مقاتل يبلغ من العمر 20 عاما، إن القوات الحكومية التي واجهوها سرعان ما تشتت بعد أن هاجمهم الثوار بطائرات مسيّرة، وبدت السواتر الترابية المحفورة حديثا التي كانت بمثابة خط دفاع للقوات الحكومية، بالكاد قد استُخدمت.

وطبقا لتقرير واشنطن بوست، فإن زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع -المعروف باسمه الحركي (أبو محمد الجولاني)- والذي انسلخ عن تنظيم القاعدة، آثر بعد ذلك التركيز على قتال النظام في بلده سوريا، وبناء إدارة في إدلب شمال غربي سوريا.

وزعمت الصحيفة أن تلك كانت محاولة من الجولاني للتخلص من تصنيفه “إرهابيا عالميا”، وتعزيز سيطرته محليا. ومن خلال تشكيل إدارة وتشغيل المحاكم وتوفير الخدمات، هدفت هيئة تحرير الشام إلى كسب ثقة سكان إدلب، وتنويع مصادر الدخل في “إقطاعيتها” الشمالية الصغيرة ذات الموقع الإستراتيجي.

تدفق الأموال

وقال المحللون إن الأموال تدفقت على هيئة تحرير الشام بفضل سيطرتها على معبر حدودي مهم مع تركيا، ومن جباية الضرائب -حتى على المزارعين التي أثارت احتجاجهم- والتبرعات من رجال الأعمال، فضلا عن احتكار سوق إمدادات الوقود، مما وفر الأموال اللازمة للمعركة المقبلة.

وقال موسى الأسعد، وهو عضو في هيئة تحرير الشام، إنهم كانوا يخططون سرا لهجوم مضاد من شأنه “تغيير موازين القوى على الأرض”.

ونقلت الصحيفة أيضا عن آرون زيلين، وهو باحث أمضى سنوات في دراسة الجماعة المسلحة، القول إن هيئة تحرير الشام ركزت على قطاعها العسكري، كاشفا أنها أنشأت كلية عسكرية في عام 2021، وعملت على دمج جميع الفصائل المسلحة تحت لوائها.

وأضاف زيلين أن الشرع اعتمد على “الاحترام” الذي اكتسبه على مر السنين من القادة داخل هيئة تحرير الشام وفصائل الثوار الأخرى، والتي تصرفت تحت قيادة واحدة بمزيد من الانضباط.

خطة الهجوم وتركيا

وأفاد الأسعد، من جانبه، بأن هيئة تحرير الشام قدمت في وقت سابق من هذا العام خطة الهجوم إلى تركيا. وقال إن أنقرة وافقت على الخطة من حيث المبدأ، لكن لم تمنحها الضوء الأخضر.

وكشف أن الهيئة كانت تريد شن هجومها العسكري في اليوم الأول من الاجتياح الإسرائيلي للبنان، استنادا إلى فرضية أن حزب الله اللبناني “سيسحب مقاتليه من الجبهات في شمال سوريا”.

ولكن مع نقل إسرائيل قواتها إلى جنوب لبنان في بداية أكتوبر/تشرين الأول -كما قال الأسعد- بقي مقاتلو حزب الله في سوريا لمدة أسبوع على الأقل، واستمر التحضير للهجوم، وطغت عليه إلى حد كبير الحرب في لبنان.

ومضى الأسعد إلى القول إن تركيا حاولت منع هيئة تحرير الشام من خوض القتال وهددتها، “مستخدمة نفوذها الكبير، بما في ذلك قدرتها على إغلاق المعابر الحدودية مع شمال سوريا”، التي تُعد شريان حياة للمدنيين ومصدرا رئيسيا للدخل لمصلحة الجماعة المسلحة.

لكن مسؤولا تركيا -وهو عضو برلماني من حزب الرئيس أردوغان الحاكم- نفى أي تهديد بشأن المعابر الحدودية، وقلل من أهمية ما قيل إن تركيا شجعت هجوم المسلحين، قائلا إنها حاولت “حتى اللحظة الأخيرة الحفاظ على منطقة خفض التصعيد في إدلب”.

نقطة التحول

وذكرت واشنطن بوست أن نقطة التحول جاءت عقب اجتماع عُقد في أستانا عاصمة كازاخستان بين إيران وتركيا وروسيا.

ولما بدا أن كل الأبواب قد سُدّت أمامه، كان الأسد لا يزال يطمئن أفراد عائلته المقربين أن نظامه سيصمد، وفقا لما قاله قريب له واثنتان من بنات أخيه كانتا معه في مقر إقامته المترامي الأطراف المكون من 4 طوابق في حي المالكي بالعاصمة.

كان الأسد قد حزم حقائبه بالفعل، ولم يخبر حتى أقربائه، كما قال أحدهم لواشنطن بوست.

شاركها.
Exit mobile version