عند زيارتك لأي مدينة في سويسرا، لا يمكنك إلا أن تلاحظ انصهار الطابع التقليدي والحديث مع نسيج ثقافي فريد ومتنوع، وهذا يجعل التأثيرات التاريخية تتناغم بشكل مثالي مع أنماط الحياة المعاصرة في هذا البلد الألبي.
ومن الشاليهات الجبلية الريفية إلى مطاعم المدن الكبرى، يجمع المطبخ السويسري بين نظيره الألماني والفرنسي وشمال إيطاليا، لكنه يختلف بشكل كبير من منطقة إلى أخرى مع تقسيمات اللغة التي تشكل حدودا تقريبية في البلاد.
ومن أكثر جوانب هذه الثقافة شهرة هو طبق الفوندو الذي يجسد روح التميز في الطهي السويسري، فسواء تم الاستمتاع به كطبق رئيس أو وجبة خفيفة، تعتبر هذه الوجبة عنصرا أساسيا في المنازل والمطاعم السويسرية ويوفر طريقة دافئة لمشاركة وجبة مع العائلة والأصدقاء.
وصفة الفوندو
الفوندو هو طبق شائع يتناوله السويسريون طوال أشهر الشتاء وحتى في أمسيات الصيف الباردة أحيانا، وهو ليس مجرد طبق جبن عادي، بل هو تجربة اجتماعية تجمع الناس معا في مطعم بجبال الألب أو أثناء التزلج أو في المنزل.
ويتكون هذا الطبق السويسري التقليدي من الجبن المذاب ويقدم في وعاء مشترك يُعرف باسم “الكاكلون” المصنوع من الفخار لأنه يسخن بالتساوي ويحتفظ بالحرارة للاستمتاع بالوجبة لفترة أطول.
ولا توجد وصفة موحدة أو نوع معين للجبن لتحضير الفوندو لكن الطريقة التقليدية الشعبية تتمثل في مزيج متساوٍ من جبن غرويير وفاشرين فريبورغ، ويُعرف باسم “نصف نصف” أو (moitié-moitié).
وعادة ما يضاف النبيذ الأبيض على الجبن المذاب لكن يمكن استبداله بعصير التفاح لإضفاء طعم يميل للحموضة. كما يمكن إضافة الثوم والأعشاب الجبلية والفلفل الحلو أو الحار وجوزة الطيب بحسب الأذواق. وتشمل المرافقات في معظم الأحيان البطاطس والمخلل والبصل اللؤلؤي المخلل.
ويتم استخدام شوكة طويلة لغمس المكعبات الصغيرة للخبز الأبيض أو البني في خليط الجبن الكريمي العطري ويتم تحريك الشوكة لبضع ثوان لتغطية الخبز والسماح له بامتصاص الجبن، مع الحرص على عدم فقدان الخبز داخل الوعاء لأنه يعتبر أمرا غير لائقا ويعاقب عليه السويسريون مازحين بغرامة مثل دفع تكاليف المشروبات أو غسل الأطباق.
تاريخ الفوندو الشهير
ويعود أصل كلمة “فوندو” إلى الكلمة الفرنسية “فوندر” (fondre) والتي تعني “الذوبان”، وظهر الطبق في سويسرا في القرن الـ18 كوسيلة للأسر الزراعية لتوسيع مواردها خلال أشهر الشتاء الباردة.
وفي قرى الريف السويسري في جبال الألب، كانت العائلات تتجمع حول الموقد لتناول وجبة بسيطة مكونة من الجبن المتبقي والخبز القديم.
وعلى الرغم من أن أول الوصفات المكتوبة للفوندو ظهرت في كتب الطبخ في فرنسا وبلجيكا، إلا أنها احتفظت بضرورة استخدام جبن غرويير السويسري، لذلك استحق السويسريون الثناء باعتبارهم مبتكري هذا الطبق.
وقد اكتسب الفوندو شهرة على المستوى الوطني في ثلاثينيات القرن الماضي بعد حملة تسويقية شنها اتحاد الجبن السويسري لزيادة استهلاك الجبن في البلاد، لينتشر بعد ذلك إلى حدود أوسع ويصبح رمزا للوحدة والهوية الوطنية وعنصرا أساسيا لا يقتصر على الريف فقط، بل يستمتع به الناس من جميع الأعمار وفئات الدخل.
أطباق وطنية
ومن الأطباق الوطنية الشهيرة في سويسرا، نجد طبق الروستي (أو الروشتي) من البطاطس المبشورة بشكل رقيق والمقلية حتى تصبح مقرمشة وذهبية اللون. وهناك اختلافات إقليمية بشأن المكونات التي يمكن إضافتها، مثل روستي الجبن والبصل، لكن الوصفة التقليدية تستخدم البطاطس فقط.
وتتميز هذه الوصفة اللذيذة بسهولة تحضيرها إذ تعتمد بشكل أساسي على البطاطس والقليل من الزبدة الساخنة للحصول على لونها الذهبي الرائع، ويمكن تقديم الروستي كوجبة فطور أو غداء أو عشاء. كما أنها تحظى بشعبية كبيرة على مدار العام.
وبينما تنتشر رائحة حرق الصنوبر والأخشاب في شوارع مدن سويسرا خلال فصل الشتاء، ستجد رائحة الجبن الراكليت الذائبة من كانتون فاليه منتشرة في المكان، وهو عبارة عن جبن محلي يتم شواؤه ببطء على نار هادئة مع تقطيعه طبقة تلو الأخرى لتغطية البطاطس المسلوقة ومخلل الخيار والبصل.
وتقول الأسطورة إن الفتاة من مدينة بازل السويسرية لا تستطيع الزواج حتى تعرف كيفية تحضير حساء الدقيق المحمص. ورغم وجود طرق لا حصر لها لتحضير الطبق، فإنه يتكون في أبسط صوره من الدقيق والزبدة والبصل ومرق اللحم، مع إضافة القليل من الجبن المبشور.
ويقال أيضا إن الحساء تم صنعه لأول مرة عندما كان أحد الطهاة منشغلا بالدردشة وترك الدقيق ينضج في قدر حتى تحول إلى اللون البني عن طريق الخطأ. ولتصحيح ما حدث، تم تحويله إلى حساء الدقيق المحمص بشكله الحالي الذي لا يزال معتمدا حتى يومنا هذا.
وفي منطقة كانتون تيسينو الناطقة بالإيطالية، اعتاد السكان على تحضير عصيدة الذرة منذ قرون. وتقليديا، يتم طهيها على نار هادئة في مرجل نحاسي حتى تصبح سميكة ودسمة. وأصبح لحم البقر المليء بالنكهات مع عصيدة الذرة من الأطباق الأساسية السويسرية، في مزيج مثالي بين التقاليد الطهوية والأذواق الريفية.