دمشق– قال وزير التجارة السوري في حكومة تصريف الأعمال السورية ماهر خليل الحسن إن الرسوم الجمركية في معظمها سوف تشهد انخفاضا ربما يصل إلى أكثر من 50% أو 60% في بعض منها، مؤكدا أن ذلك سوف ينعكس بشكل مباشر وإيجابي على أسعار السلع في الأسواق.

وأضاف الوزير أنهم في المراحل الأخيرة من سلسلة اجتماعات عُقدت لمراجعة الرسوم الجمركية على مختلف البضائع، سواء من ناحية الاستيراد أو التصدير، وأنه من المتوقع صدور تعديلات الرسوم الجمركية خلال يوم أو يومين، مشيرا إلى أن الرسوم الجمركية في عهد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد كانت مرتفعة جدا.

وبشأن توفر السلع الأساسية، أكد الوزير السوري أن المواد الأساسية متوفرة وتكفي لعدة أشهر، وأن معظم السلع الأساسية -وعلى رأسها القمح- متاحة للإنتاج محليا، لكن توفرها بالكميات المطلوبة يحتاج إلى قليل من الوقت.

وفي حوار مطول مع الجزيرة نت، تطرق الحسن للعديد من المواضيع الاقتصادية التي تهم السوريين وتهم محيط سوريا العربي.

وفي ما يأتي نص الحوار:

  • ما تقييمكم للأسواق ولحال وزارة التجارة عند توليكم المسؤولية؟

بداية، مبارك النصر لجميع السوريين والعرب وجميع أحرار العالم بالعموم.

حقيقة، الأسواق قبل التحرير كانت في وضع مزرٍ جدا، قلة في المواد وانعدام بعضها، وارتفاع في الأسعار بمجملها. كان المواطن السوري يعيش بشكل مذل؛ عاش سنوات طويلة من القهر والذل وغلاء الأسعار، فضلا عن الممارسات التي كانت تمارس عليه من السلطة البائدة.

  • ورد في بعض التصريحات أنكم تتجهون لاعتماد اقتصاد السوق الحر. ما معالم النموذج الاقتصادي الذي تنوون تبنيه في المرحلة القادمة؟

الاقتصاد الحر أو التوجه نحو فتح السوق وجعلها حرة تنافسية، فكرة تكاد تكون عالمية. فتقييد السوق وتعقيد القيود والضوابط والرسوم والقوانين، أمر تقوم به بعض الأنظمة الدكتاتورية وتستخدمه وسيلة وغطاء لنهب ثروات الشعب وجعلها محصورة في يد العصابة الحاكمة وأزلامها.

والسوق السورية بشقيها التجاري والصناعي، كانت محدودة بأسماء وفئات معينة فقط، هي التي ُيسمح لها بالمساهمة في الإنتاج أو الاستيراد والتصدير.

السوق الحرة تتيح المجال لجميع التجار والصناعيين على اختلاف طبقاتهم الاقتصادية، سواء في الاستيراد أو التصدير أو الإنتاج، وتفتح المجال أمام الاستثمارات المحلية والخارجية ضمن ضوابط معينة، وتؤدي إلى زيادة الطلب على اليد العاملة مما يقود إلى ما نطمح له، وهو زيادة دخل المواطن السوري.

  • أشرتم إلى شبكات فساد كبيرة متداخلة مع النظام كانت تتحكم في الأسواق بشكل كبير. هل من إجراءات تجاه هذه الشبكات أو التجار أو حتى الموظفين؟

منظومة الفساد التي أسسها النظام لا يمكن وصفها بمستوى واحد، بل هي على عدة مستويات. للأسف، الشريحة ربما الأكثر هي التي لم تجد وسيلة للعمل أو للدخول في سوق العمل أو سوق الإنتاج إلا الطريق الذي رسمه لها النظام الفاسد، بالدخول ضمن هذه المنظومة بالارتباط مع تجار أو أشخاص معينين ودفع الإتاوات بشكل علني وصريح، وواضح حتى يستطيع أن يمارس عمله. كانت المنظومة قائمة على هذا الأساس.

  • وماذا عن الامتيازات التي حصل عليها هؤلاء وهل تفكرون بإجراءات بحقهم؟

ربما تتفاجأ أن أكثر من 70% أو 80% من اقتصاد البلد كله مقيد في مجموعة ربما لا يتعدى عددها عدد أصابع اليد. فتجميد أو توقيف هذه المصانع أو المعامل أو الشركات سوف يؤدي إلى كارثة كبيرة جدا.

القرار المتخذ في الوقت الحالي هو إعطاء الإذن للكوادر أو العمال أو الإداريين المعينين من قبلهم بمتابعة العمل، مع وجود رقابة اختصاصية فنية بحسب كل نوع من الصناعات أو التجارات تتبع الوزارة المختصة لها، إلى أن يدرس وضع هذه الشركات في مرحلة لاحقة ضمن ضوابط معينة على مستوى الدولة.

  • مع سقوط النظام السابق، شهد الناس انخفاضا في أسعار كثير من السلع، وكان ذلك لافتا حتى امتلأت صفحات التواصل بمقاطع تتحدث عنه. ما سبب الارتفاع السابق في الأسعار، وهل هذا التحسّن مؤقت؟

سبب ارتفاع الأسعار في الوقت السابق هو منظومة الفساد التي كانت قائمة في تلك الحقبة. أولا، كان على كل تاجر أو صناعي حتى يعمل أن يضع مبلغا كبيرا في البنك تحت اسم المنصة، ثم عليه أن يرتبط بأحد التجار ويدفع له على سبيل الإتاوة، إضافة إلى رفع الرسوم الجمركية بشكل كبير جدا.

فكانت كل مادة تدخل من الخارج تؤثر عليها هذه العوامل بنسبة تتراوح بالحد الأدنى 30% وقد تصل إلى 100% من سعر المادة نفسها.

التقيت بعض التجار والصناعيين، فأخبروني أنهم كانوا يبيعون بكرة الخيوط المستوردة الواحدة بـ7 دولارات، والآن يبيعونها بـ4 دولارات، فرق السعر 75% يذهب إتاوات ومنصة وحصريات لبعض التجار، فضلا عن الرسوم المرتفعة جدا، والضرائب الجمركية سواء على المعابر أو في الداخل، والفساد في الرقابة التموينية بإجبار التجار على دفع مبالغ دورية وشهرية إلى أحد الفروع الأمنية المختصة بنهب التجار والصناعيين.

فحدث انخفاض كبير جدا في المواد، لكن على نسب متفاوتة حسب كل مادة.

بشار الأسد متهم بالفساد والمحسوبية في تعيين الموظفين على عهده (الجزيرة- ميدجورني)
  • بناء على ذلك، هل تنوون إجراء تعديلات في الرسوم الجمركية؟

طبعا، تعديلات الرسوم الجمركية قيد الإصدار، وربما تصدر خلال ساعات قليلة أو يوم أو يومين. فقد بدأنا سلسلة اجتماعات لمراجعة الرسوم الجمركية على مختلف البضائع، سواء من ناحية الاستيراد أو التصدير، ونحن في المراحل الأخيرة منها.

اعتمدنا آلية أساسية هي حماية المنتج المحلي، من خلال وضع رسوم على المواد المستوردة التي يوجد لها مثيل في الداخل، بحيث يحصر التنافس بين المستورَد والمنتج المحلي على الجودة فقط، الجودة المادية، ولا ينافسه في السعر. كذلك وضعنا رسوما منخفضة جدا على صادرات هذه المنتجات المحلية، تشجيعا للصناعة وزيادة الحركة الاقتصادية في البلد.

فالرسوم الجمركية بمعظمها سوف تشهد انخفاضا ربما يصل إلى أكثر من 50% في بعض منها أو 60%، المواد المستوردة التي لا يوجد لها مثيل في الداخل برسوم بسيطة وقليلة جدا، كل هذه العوامل سوف تنعكس بشكل مباشر وإيجابي على أسعار السلع في المواد.

وقد رأينا في هذه الأيام توجه المواطنين والناس إلى محافظة إدلب وضواحيها لشراء المواد نتيجة الفارق الكبير في السعر بين محافظة إدلب وباقي المحافظات، نتيجة اتباع السياسة التي نتكلم عنها والتي سوف نقوم بها في هذه المنطقة.

  • صدرت أخبار عن إزالة بعض الرسوم الجمركية، هل هذا صحيح؟

كأنواع رسوم وليست إزالة رسوم. فبعض المواد كان يُفرض على الواحدة منها أكثر من 20% أو 28% نوعا من الرسوم بأسماء وأشكال مختلفة.

لذلك ألغينا جميع هذه الأنواع، كما ألغينا نظام الرسوم الجمركية القديم الذي يعتمد على الفوترة أو النسبة المئوية من قيمة المادة، واعتمدنا على الرسم الثابت الذي يعتمد على الوزن أو العدد حسب نوع المادة.

  • ما مدى توفر الاحتياطات من السلع الأساسية، وما خطتكم للمحافظة على دخولها إلى البلاد بانتظام؟

المواد الأساسية متوفرة وتكفي لعدة أشهر بعد إعادة تنظيمها وترتيبها ووضع الحمايات اللازمة لها. إن شاء الله، لن نحتاج إلى دخولها من الخارج، فمعظم السلع الأساسية متاحة للإنتاج في الداخل، لكنها تحتاج إلى قليل من الوقت، وعلى رأسها القمح.

إنتاج سوريا من القمح كان في يوم من الأيام نحو 4 ملايين طن. هذا العام إنتاج سوريا من القمح 700 ألف طن فقط. في حين أن إنتاج إدلب وحدها -التي لا تعد منطقة زراعية- 100 ألف طن هذا العام. لكن أعتقد زيادة ارتفاع الإنتاج بشكل ملحوظ هذا العام، وبشكل أساسي عند تطبيق الخطة الزراعية التي نعمل عليها منذ الآن، وأعتقد في موسم 2026 سوف يكون هناك اكتفاء ذاتي في مادة القمح وفي عديد من المواد الأخرى.

جانب من احتفال السوريين في ساحة الأمويين بدمشق بتخلصهم من حكم الأسد (الفرنسية)
  • كيف استقبلتم قرار الخزانة الأميركية بشأن تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا؟

طبعا، شاهدنا هذه الأيام إقبالا عربيا ودوليا كبيرا على دمشق، وأبدى الجميع رغبتهم في التعاون مع الحكومة القائمة على شقين: سواء في مجال تقديم المساعدات والعون للشعب السوري الذي عانى سنوات من القهر والظلم، أما الشق الآخر فهو البدء في استثمارات على مستوى عال جدا، من شأنها النهوض والرقي بالحالة الاقتصادية للبلد، وهو ما ينعكس بشكل أساسي على الناس والمواطنين.

فالجميع ينتظر. ولا يمكن في حال وجود عقوبات العمل بعديد من القطّاعات، وخصوصا الاستثمار في الصناعات الكبرى ومجال الطاقة والنفط والصناعة الغذائية الكبرى أو استيراد بعض المواد الإستراتيجية، لا يمكن في حال وجود العقوبات. وقد تلقينا وعودا منذ فترة بإزالة هذه العقوبات، وتم ذلك، والحمد لله، وهذا أمر إيجابي.

  • يلاحَظ شح الخدمات الإلكترونية بشكل عام في سوريا، فهل لديكم خطة لتعزيز التجارة الإلكترونية والخدمات الإلكترونية بشكل عام؟

من أكثر الأشياء التي صدمنا بها هو التخلف التقني الموجود عند النظام. غبنا عن دمشق 14 عاما، فلما دخلناها كنا كأننا غادرناها البارحة؛ توقف الزمن على الأصعدة كافة؛ لم نلحظ أي تغيير، لا على صعيد المظهر العام أو الطرقات أو الأبنية أو المنشآت، ولا على صعيد التقنيات.

ربما تتفاجأ أنه في بعض الوزارات لا توجد آلة طابعة تطبع الأوراق الملونة. لم يكن من اهتمام النظام البائد هذه الأمور، كان يحصر تفكيره في نهب الشعب السوري وإذلاله وتجريده حتى من إنسانيته. ممارسات لم نكن نتوقعها بهذا الحجم.

وقد بدأنا بشكل فعلي في العمل على برنامج سميناه “ترميز المواد”، هذا البرنامج يتيح لنا بأي لحظة أن نعرف كمية أي مادة موجودة في السوق ومكان وجودها مع سعرها. وأعتقد أننا قطعنا مراحل ليست بقليلة في هذا البرنامج، وسوف يتم إطلاقه قريبا.

هذا يجب أن يكون إلزاميا للجميع، سواء في المحلات الغذائية أو التجارية أو الفنادق أو المطاعم. فأي فاتورة يتم كتابتها في أي مكان، تأتي مباشرة إلى البرنامج. بهذه الحالة تكون لدينا نظرة شاملة بكل لحظة على أي مادة، مدى توفرها، ومدى الحاجة إليها أو حتى سعرها، لكي نستطيع التدخل في الوقت المناسب إذا حصل ارتفاع في الأسعار.

إضافة إلى العمل على أتمتة السجل التجاري. فقد تفاجأنا أن هناك عددا كبيرا من الشركات غير مؤتمتة وغير مؤرشفة، ووجودها يقتصر فقط على مكتب، كأنك في الخمسينيات من القرن العشرين. لذلك عملنا على أتمتتها بشكل سريع، حفاظا عليها، إضافة إلى أتمتة السجل التجاري بشكل عام.

هذا على مستوى الوزارة، أما على مستوى الحكومة، فعملنا في إدلب -رغم شح الإمكانات- على إعطاء الاهتمام الكبير للناحية التقنية والبرمجية والإلكترونية، وصدرت عديد من البرامج التي تتيح للمواطن التفاعل مع الخدمات بشكل سلس وسهل. فتستطيع أن تدفع إلكترونيا فاتورة الكهرباء أو خدمات التعليم، وبعض الفعاليات التجارية أو الصناعية أو الهندسية.

هو أمر بسيط ومتاح، والعالم قطع شوطا كبيرا في هذا المجال، ونحن نعمل عليه بجدية، لكنه يحتاج إلى بعض الوقت.

  • كيف استفدتم من تجربة إدارة إدلب، وما الصعوبات التي واجهتموها عندما انتقلتم إلى إدارة سوريا كاملة؟

كانت السياسة الاقتصادية في محافظة إدلب على شقين، الشق الأول: هو إدارة اقتصاد إدلب وفق الظروف التي تعيشها هذه المحافظة، الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية التي لا تتشابه مع أي منطقة أخرى في العالم. فكان سنّ القوانين والأنظمة وفق ما يلائم الواقع الموجود، لكن كانت هناك تحضيرات قوية جدا لتجهيز الحكومة لإدارة ملف سوريا بشكل كامل، بمعزل عن ملف إدارة إدلب.

وتم الانتهاء من هذا الملف منذ ما يقارب سنتين أو 3 سنوات، وكنا جاهزين لإدارة سوريا بشكل كامل، وأخذنا منه ما يناسب حالة محافظة إدلب لتطبيقه.

وكما شاهد الجميع الحالة السلسة التي تم بها تسلم الحكومة من النظام البائد، فلم تتوقف المؤسسات ولا ساعة، بل على العكس، بدأ العمل بشكل فوري، وبدأت المرحلة الثانية من هيكلة المؤسسات وتطويرها لتتلاءم مع الواقع خدمة للناس والمواطنين.

شاركها.
Exit mobile version