تواصل وكالة بيت مال القدس الشريف التابعة للجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي عملها الإنساني والاجتماعي في دعم الفلسطينيين داخل القدس من خلال برامج ومشاريع حيوية تهدف إلى تعزيز صمود المقدسيين والحفاظ على الهوية الحضارية والدينية للمدينة المقدسة.
وفي حوار خاص مع الجزيرة نت، قال مدير الوكالة بالتسيير محمد سالم الشرقاوي إن هذه الهيئة التي أنشئت عام 1998 بمبادرة من الملك الراحل الحسن الثاني جاءت كآلية داعمة لمسارات العمل السياسي والقانوني لنصرة القضية الفلسطينية من خلال مشاريع اجتماعية وإنسانية متواصلة تمولها الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، تساعد الفلسطينيين على تحمّل التحديات التي يواجهونها، سواء على مستوى معيشتهم اليومية أو على مستوى تراث المدينة وثقافتها وهويتها الحضارية.
مشاريع على الأرض
وأكد الشرقاوي أن الوكالة لا تشتغل في المسارات السياسية، بل تركز على العمل الإنساني والاجتماعي عبر فريق ميداني يعمل يوميا في القدس والضفة الغربية، مشيرا إلى أنها أنجزت طوال 26 عاما أكثر من 200 مشروع كبير مؤسس، معتبرا أن الأرقام تبقى نسبية مقارنة بحجم الحاجات التي تتزايد يوما بعد آخر.
وقال الشرقاوي إن السنوات الأخيرة شهدت أحداثا كبيرة أرخت بظلالها على الأوضاع المعيشية في القدس، مثل أزمة جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية والأزمة الاقتصادية العالمية والعدوان الأخير المتواصل على غزة.
ولفت إلى أن الوكالة تتدخل في قطاعات حيوية تشمل الصحة والتعليم والإسكان والتنمية البشرية رغم محدودية التمويل الذي استقر في حدود 4.5 ملايين دولار سنويا في السنوات الأخيرة.
ومن بين المشاريع التي أنجزتها الوكالة في مدينة القدس ذكر الشرقاوي اقتناء 5 قطع أرضية تحولت إلى مدارس، منها مشروع البيت المغربي في البلدة القديمة، والذي يعد أول حضور عربي وإسلامي من نوعه هناك.
وتشمل تدخلات الوكالة أيضا دعم مستشفيات القدس الرئيسية، مثل مستشفى المقاصد والمطلع والمستشفى الفرنسي ومستشفى العيون والمركز الصحي العربي، إلى جانب ترميم المساجد والمباني التاريخية ومبنى الزاوية المغربية ومحيط المسجد الأقصى.
وأكد الشرقاوي أن للوكالة برامج موجهة إلى المسنين والأرامل والأيتام وللأشخاص في وضعية صعبة وفي وضعية إعاقة ضمن برنامج كبير للمساعدة الاجتماعية يستهلك أكثر من مليون دولار سنويا، إضافة إلى برامج لدعم المقاولات الناشئة والمشاريع المبتكرة في إطار إستراتيجية رقمية للفترة من 2024-2027.
متابعة الأثر
ومن أجل تقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي لمشاريعها أنشأت الوكالة سنة 2021 مرصد الرباط للتتبع والتقييم في حي الشيخ جراح بمدينة القدس.
ويزود هذا المرصد الوكالة بمؤشرات دقيقة تساعد على فهم الحالة الاقتصادية والاجتماعية في القدس، وتدعم قرارات التوسع والتدخل بشكل أفضل.
وقال الشرقاوي “تشجعنا هذه المؤشرات على الاستمرار في قطاع ما، أو بذل مجهود أكبر في قطاع آخر، ثم إيلاء عناية خاصة بقطاع ثالث”.
ويتميز عمل الوكالة -وفق الشرقاوي- بكونها واحدة من الجهات القليلة التي تقدم دعما ماليا مباشرا للمؤسسات الفلسطينية دون فرض شروط سياسية، على عكس مؤسسات أخرى تشترط توقيع التزامات مرتبطة بنبذ “الإرهاب والتطرف”.
ويقول إن الوكالة تشترط فقط التأكد من وصول الأموال إلى مستحقيها عبر آليات شفافة لقياس الأثر.
تمويل مغربي مستمر
وعن مصادر تمويل الوكالة، أوضح الشرقاوي أن المادة السادسة من نظامها الأساسي تنص على التمويل عبر مساهمات الدول الأعضاء، والمؤسسات الاقتصادية والمالية والجماعات والجمعيات والجاليات العربية والإسلامية، إضافة إلى حملات التبرع.
لكنه أشار إلى أن الوكالة لم تتلق أي مساهمة منذ عام 2011 من أي جهة عربية أو إسلامية باستثناء الدعم المغربي المنتظم، والذي يوزع بين ميزانية التسيير (نحو 3 ملايين دولار) وميزانية المشاريع (نحو 4.5 إلى 5 ملايين دولار سنويا)، ويتم تنفيذ هذه المشاريع من خلال آليات تنظيمية لتسيير الأموال عبر مكتب ميداني يتابع ويواكب التنفيذ.
وأوضح الشرقاوي أن هذه الآليات تسهل التواصل المباشر مع المؤسسات من دون وسطاء وتوجيه التبرعات كاملة لحسابات المستفيدين من مقاولين أو كافلي أيتام أو غيرهم من دون اقتطاعات في إطار احترام القوانين المحلية وظروف تسيير الأموال المعقدة في المدينة.
تحديات متزايدة
رغم النجاحات المسجلة فإن الوكالة -يقول الشرقاوي- تواجه تحديات عدة، على رأسها محدودية التمويل في مقابل حجم الاحتياج الكبير وحجم المشاريع على قائمة الانتظار، إلى جانب الوضع الأمني غير المستقر الذي يؤثر على وتيرة العمل والوفاء بالتزامات المقاولين.
ويشير إلى أن الظروف الأمنية والحروب تزيد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، إذ يفقد العديد من الفلسطينيين وظائفهم ومصادر رزقهم، خاصة في مجالات التجارة والسياحة التي تشهد شللا بسبب الحواجز التي تقفل أبواب المدينة.
وأكد الشرقاوي أن المملكة المغربية بقيادة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس تحرص على استمرار الوكالة في أداء عملها وتمكينها من أداء رسالتها رغم التحديات، معتبرا أن هذا الالتزام المغربي لم يتوقف يوما، سواء تجاه القدس أو غزة.