أصابت عملية طوفان الأقصى، وما تلاها من حرب على قطاع غزة اقتصاد إسرائيل بركود هز جنباته بصورة متدرجة، فقد عانت قطاعات من شلل شبه تام واستمر نشاط قطاعات أخرى بحده الأدنى، وذلك وسط تعتيم من الجهات الرسمية على نتائج الربع الأخير من العام 2023.

ضربة اقتصادية

قالت وزارة المالية الإسرائيلية، مؤخرًا، إن إسرائيل سجلت عجزا في الميزانية بلغ 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023 مقارنة بفائض قدره 0.6% في عام 2022، عازية الأمر إلى زيادة الإنفاق الحكومي لتمويل الحرب. وكان المتوقع أن يبلغ العجز 3.4% في تقدير سابق في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وأضافت الوزارة أن العجز المسجل في ديسمبر/كانون الأول الماضي وحده بلغ 33.8 مليار شيكل (9 مليارات دولار).

وحسب الوزارة، فقد بلغ العجز عن العام كاملا 18.5 مليار دولار، في حين تراجعت عائدات الضرائب 8.4%.

ووافق المشرعون في ديسمبر/كانون الأول الماضي على ميزانية الحرب لعام 2023 وبلغت نحو 30 مليار شيكل.

ومن المقرر أن يبدأ وزراء الحكومة اليوم التصويت على ميزانية معدلة للعام 2024 أخذت بعين الاعتبار مصاريف إضافية للدفاع وتكاليف الحرب، يتوقع أن تدفع عجز الموازنة ليصل إلى 6% هذا العام.

وقدر محافظ بنك إسرائيل المركزي تكلفة الحرب على غزة بنحو 210 مليارات شيكل (56 مليار دولار) للدفاع والتعويضات للذين نزحوا من بيوتهم في الجنوب، بسبب عمليات المقاومة الفلسطينية أو الشمال بسبب الصواريخ التي تستهدفهم من لبنان.

وكان بنك جي بي مورغان الأميركي، رجح في آخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن ينكمش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 11% على أساس سنوي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الجاري.

خسائر الاقتصاد الإسرائيلي في عشرة أيام فقط من الحرب فاقت ما تسببت به جائحة كورونا

خفض الفائدة

أجبرت التداعيات الاقتصادية للحرب، بنك إسرائيل المركزي على خفض الفائدة 0.25% إلى 4.5% مما يعد أول خفض منذ مارس/آذار 2020 مع بداية جائحة “كوفيد 19”.

جاء هذا الخفض بعد 10 زيادات بين أبريل/نيسان 2022 ومايو/أيار 2023، وهي الفترة التي شهدت رفعًا في الفائدة من أدنى مستوى تاريخي عند 0.1% إلى 4.75%، حين سعى بنك إسرائيل إلى كبح التضخم المتصاعد.

وبلغ التضخم في إسرائيل ذروته عند 5.3% في يناير/كانون الثاني الماضي، لكنه تراجع إلى 3.3% في نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم.

ويتوقع البنك أن يتراجع التضخم إلى 2.4% بحلول الربع الأخير من 2024، وإلى 2% بحلول الربع المناظر من عام 2025، حسبما نقلت صحيفة “غلوبز” الاقتصادية الإسرائيلية.

وخلال الأسبوع الخامس للحرب تراجع معدل المشتريات باستخدام بطاقات الائتمان في إسرائيل بأكثر من 20% عن متوسط المشتريات الأسبوعية في 2023.

وفي سياق ذي صلة، سمح بنك إسرائيل بزيادة قيمة قروض الرهن العقاري بما يبلغ 200 ألف شيكل (55 ألفا و500 دولار) لتخفيف الديون الخانقة على الأسر، وتسهيل بناء ملاجئ حماية في الشقق القديمة، بعد طوفان الأقصى والحرب على قطاع غزة.

الزراعة في أزمة

أعلنت شركة “مهدرين” للاستثمار الزراعي وهي مصدر رئيسي للحمضيات وغيرها من المنتجات الزراعية في إسرائيل، أوائل الشهر الجاري خسارة تفوق 160 مليون شيكل (43.8 مليون دولار) للربع الثالث من عام 2023، وسط توقعات بمزيد من التأثيرات السلبية، بسبب الحرب على غزة.

وحذرت “مهدرين” -في تقريرها- من أن الحرب على قطاع غزة التي اندلعت مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي لها “تأثير مادي كبير على القطاع الزراعي في إسرائيل بشكل عام، وعلى منطقة حدود قطاع غزة وشمال البلاد على وجه الخصوص”.

ونقلت صحيفة “غلوبس” الاقتصادية الإسرائيلية عن رئيس اتحاد المزارعين، عميت يفراح، قوله إن 75% من الخضراوات المستهلكة في إسرائيل تأتي من غلاف غزة، إضافة إلى 20% من الفاكهة، و6.5% من الحليب.

وتُعرف المنطقة المحيطة بقطاع غزة باسم “رقعة الخضار الإسرائيلية” وتحوي أيضا مزارع للدواجن والماشية، إلى جانب مزارع للأسماك.

وتعرضت هذه المساحة، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، لهجمات من المقاومة الفلسطينية، الأمر الذي ضيّق مستوى الأمن الغذائي الإسرائيلي.

 صعوبات بسوق العمل

ومنذ بداية الحرب حتى الثلث الأخير من شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، قدم 191 ألفا و666 شخصًا في إسرائيل طلبات للحصول على إعانات بطالة، فيما استدعت المؤسسة العسكرية نحو 360 ألفا من جنود الاحتياط، وهو أكبر استدعاء منذ حرب عام 1973.

وبحسب بيانات مكتب الإحصاءات المركزي الإسرائيلي ارتفع معدل البطالة في إسرائيل إلى 9.6% في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد نزوح عشرات آلاف الإسرائيليين ممن كانوا يعيشون بالقرب من الحدود مع غزة.
وبلغ عدد العاطلين عن العمل 428 ألفا و400 شخص مقابل 163 ألفا و600 في سبتمبر/ أيلول الماضي قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وأعلنت وزارة العمل الإسرائيلية أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني أن نحو 46 ألف عامل إسرائيلي تم تسريحهم منذ اندلاع الحرب إلى ذلك الحين.

وفي 17 ديسبمبر/كانون الأول الماضي أعلن مطار بن غوريون الدولي الإسرائيلي إخراج 600 موظف في إجازة غير مدفوعة، وتقليص مهام وظيفة ألف عامل آخر إلى 75% جراء الأزمة المالية التي يتعرض لها.

ولفتت هيئة المطارات الإسرائيلية إلى أن عدد العمال في مطار بن غوريون هو 4600 مستخدم، لكن بعد هذه القرارات سيبقى نحو 3 آلاف مستخدم فقط، بعد تقليص وظائف حوالي ألف منهم إلى وظائف جزئية.

 

في المقابل، ومع منع أكثر من 140 ألف فلسطيني من دخول المناطق داخل الخط الأخضر وهروب العمال من جنسيات أخرى واستدعاء أكثر من 300 ألف جندي احتياط، قدّرت السلطات الإسرائيلية أن ثمة حاجة ماسة ومستعجلة لأكثر من 100 ألف عامل.

وحذر ممثل عن وزارة المالية الإسرائيلية، خلال ديسمبر/كانون الأول من خسائر إسرائيلية كبيرة نتيجة عدم السماح للعمال الفلسطينيين بالدخول إليها، مرجحا أن تصل إلى 3 مليارات شيكل (830 مليون دولار) شهريًا.

ولمعالجة الأمر تم تقديم اتفاقية ثنائية بين حكومتي إسرائيل والهند في الكنيست خلال الشهر نفسه، لجلب 40 ألف عامل هندي، على أن يتم وضع الاتفاقية قيد التنفيذ في أقرب وقت ليتسنى وصول العمال إليها بعدها بأسابيع.

في السياق تراجع دخل نحو 20% من الإسرائيليين بشكل كبير منذ بداية الحرب وحتى نهاية آخر شهر في السنة الماضية، وفق تقرير الفقر البديل الصادر عن منظمة ليتيت الإسرائيلية الخيرية المعنية بالأمن الغذائي.

ويخشى 45% من الإسرائيليين، الذين شاركوا في استطلاع أجرته المنظمة في نوفمبر/تشرين الثاني، الصعوبات الاقتصادية بسبب الحرب، حسبما نقلت صحيفة هآرتس.

يأتي ذلك في حين ذكر تقرير صحيفة غلوبز أن أصحاب الأعمال بإسرائيل يضغطون على جنود الاحتياط للعودة إلى العمل.

قطاع التكنولوجيا لم يسلم

أظهرت بيانات أولية أن الشركات الإسرائيلية الناشئة في قطاع التكنولوجيا الفائقة جمعت 1.5 مليار دولار في الربع الأخير من عام 2023، بانخفاض قدره 15% عن الربع الثالث، وهو أدنى مستوى منذ 5 سنوات، مما يشير إلى تأثر قطاع التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل من الحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة.

وذكر تقرير لرويترز نقلا عن مركز أبحاث رأس المال الاستثماري الإسرائيلي”آي.في.سي” (IVC) ومؤسسة “ليوميتيك” (LeumiTech)، أن جمع الأموال للاستثمار في شركات التكنولوجيا الناشئة انخفض في الربع الرابع (حتى 26 ديسمبر/كانون الأول) بنسبة 15% عن الربع الثالث.

ويعمل في قطاع التقنية الإسرائيلي، الذي يعدّ أحد أهم القطاعات الاقتصادية، 6 آلاف شركة، وتشكّل 18% من الناتج المحلي، ونحو نصف صادرات البلاد، و30% من عائدات الضرائب.

وتمثل التكنولوجيا المتقدمة 12% من فرص العمل، وأكثر من نصف صادرات إسرائيل، و25% من ضرائب الدخل، وما يقرب من خُمس الناتج الاقتصادي الإجمالي.

وبشكل عام، جمعت الشركات الناشئة الإسرائيلية نحو 7 مليارات دولار في عام 2023 مقابل ما يقرب من 16 مليارا عام 2022.

تعتيم

يقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية، أحمد البهنسي في تعليق للجزيرة نت” إن إسرائيل لا تفصح رسميا عن بيانات اقتصادية للربع الأخير من السنة الذي بدأ بعملية طوفان الأقصى.

ويرجح انكماش الاقتصاد الإسرائيلي بسبب تراجع النشاط التجاري والطلب الاستهلاكي والبيئة الاستثمارية الضبابية وغير المشجعة وتزايد الإنفاق الأمني والعسكري على المدَيات القصيرة والمتوسطة والطويلة.

ويضيف البهنسي أن الحقيقة الثابتة في هذه الحرب هي أنها الأغلى والأعلى كلفة في تاريخ إسرائيل حتى الآن، وقد تصل كلفتها في الربع الأول من 2024 فقط 37 مليار دولار.

وأوضح أن الدعم الغربي لإسرائيل يمكن أن يسد رمقها إلى حين لكنه لن يستمر لفترة طويلة بالنظر إلى أن الولايات المتحدة مقبلة على انتخابات ويهم الرئيس جو بايدن أن تهدأ أوضاع الشرق الأوسط ولو بصورة نسبية حتى لا يؤثر على حملته الانتخابية وينجح في اكتساب أصوات الجالية المسلمة والعربية.

وأشار البهنسي إلى أن حكومة نتنياهو صارت على المحك بعد انتقادات متوالية لأدائه خلال الحرب، مستشهدًا بتصريحات زعيم المعارضة يائير لابيد التي اتهم فيها وزير المالية بالكذب بعد ادعائه بأن كلفة الحرب متاحة في ميزانية الدولة، ثم فشل في تغطية تكلفتها.

ونوه باستقالة وزير المساواة الاجتماعية، عميحاي شيكلي نتيجة اقتصاص جزء كبير من مخصصات وزارته، قائلًا إن الوزير المنتمي إلى حزب الليكود (حزب بنيامين نتنياهو) بدأ يرفع الغطاء السياسي الذي كان يتمتع به رئيس الوزراء الإسرائيلي، وإن هذه الضربة تأتي قوتها من انتماء هذا الوزير إلى حزب الليكود، حزب بنيامين نتنياهو، الذي اضطر إلى الاقتطاع من ميزانيات الوزارات ذات الطابع المدني.

تهديدات

ولفت البهنسي إلى تقارير إعلامية إسرائيلية تفيد بأن الوزراء الإسرائيليين  في الوزارات ذات الطابع المدني البعيدة عن الإنفاق العسكري يتلقون تهديدات مفادها أنهم إذا لم يخفضوا نفقاتهم بأرقام معينة ستتم إقالتهم.

وأكد البهنسي أن الحكومة الإسرائيلية الحالية صارت على المحك فقد تم تمريرها بفارق 4 أصوات فقط في الكنيست، ومع انضمام بيني غانتس، رئيس حزب معسكر الدولة أصبحت تتمتع بأغلبية جيدة لكن الضغوط تتزايد على غانتس للاستقالة من حكومة الحرب ما من شأنه كشف الغطاء عن حكومة نتنياهو واستقالتها أو إقالتها من جانب الكنيست.

وأشار إلى أن ثمة إشارات متواترة على قرب انتهاء الحرب، رغم الادعاءات العسكرية المغايرة لذلك، من أبرزها الحديث منذ نحو أسبوعين عن “اليوم التالي” للحرب وإنشاء لجنة محاسبة وتحقيق في عملية “طوفان الأقصى”.

واختتم تعليقه، قائلا إن المعارضة الإسرائيلية “تسن أسنانها” و إن الانشقاقات في تزايد سواء داخل التحالف اليميني المشكل للحكومة أو حتى داخل حزب الليكود نفسه.

شاركها.
Exit mobile version