محمد فركاني، مخرج مسرحي مغربي شاب، يبلغ من العمر 38 عاما، ويعمل -منذ تخرجه من المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي بالرباط عام 2011- على التجريب المسرحي رفقة مجموعة من أصدقائه. أسس عام 2014 فرقة “مسرح فركانيزم” التي تحمل اسمه العائلي وتعمل بمدينة سلا الجديدة، بالقرب من العاصمة الرباط، فقدم مجموعة من الأعمال المسرحية من تأليفه وإخراجه، حيث يحرص على الحضور سنويا بعمل أو عملين رغم المشاكل والإكراهات التي تعترض عمله المسرحي، وعلى رأسها الدعم المخصص للمسرح وسياسته التي لا تخلو من أعطاب.

فركاني هو نموذج لمجموعة من خريجي المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي، يسعى جاهدا إلى أن يخلق مقاولة مسرحية تشتغل بشكل منتظم ومن دون دعم، ولكن الأمر لم يتيسر له ولا لكل المسرحيين المغاربة، لأن المسرح، كما يقول فركاني للجزيرة نت، لم يتمكن بعد من أن “يصبح ثقافة ضرورية وحاجة يومية ملحة للمواطن المغربي، ولم يخلق جمهورا مسرحيا يمكّنه من قاعدة يمكن له الاعتماد عليها لتحقق له الاستقلالية عن دعم وزارة الثقافة والاستمرار من خلال عائدات شباك التذاكر، وبالتالي تكون له الانتعاشة الحقيقية”.

المخرج المسرحي “محمد فركاني” أسس عام 2014 فرقة “مسرح فركانيزم” التي تحمل اسمه العائلي وقدم مجموعة من الأعمال المسرحية من تأليفه وإخراجه (مواقع التواصل)

عروض في وقت قياسي

ويضيف المخرج المسرحي محمد فركاني، الذي توجت مسرحيته “في مكان ما” بجائزة الملابس في الدورة الأخيرة من المهرجان الوطني للمسرح، أنه غير راض عن مسرحيته ولا عن مستوى العروض المسرحية التي قدمت في هذا المهرجان، التي كانت تحتاج إلى نضج أكثر، لأنها أنتجت بسرعة قياسية بسبب تأخر الإعلان عن نتائج الدعم المسرحي التي لم يفصح عنها إلا في الثامن من أغسطس/آب الماضي، وبعدها حددت الوزارة يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني آخر أجل لتقديم العرض ما قبل الأول أمام لجنة الدعم المسرحي. فهذا الحيز الزمني القصير، الذي لا يتجاوز 3 أشهر، انعكس بشكل سلبي على مستوى العروض المسرحية المقدمة في المهرجان، لأن المسرح ليس عملا ميكانيكيا يمكن إنتاجه تحت الضغط الزمني، بل هو عمل إبداعي يحتاج إلى الوقت الكافي للتحضير والتمرين وتقديم أكثر من عرض، حتى يقدم بالشكل الذي يليق بالمسرح وبالجمهور المقدم له.

إن المستوى الذي ظهرت به الفرق المسرحية المغربية في المهرجان الوطني للمسرح، والتي لا يمكن نكران اجتهادها رغم الإكراهات والمشاكل التي تكبل عملها، لم يكن مشرفا للفرق المسرحية ولا للمسرح المغربي، لأن ما قدم بشهادة الفاعلين في الحقل المسرحي في هذا المحفل السنوي -الذي ينتظره الجميع- أقل ما يقال عنه هو عروض في مرحلة التدريب أو عروض ما قبل أولى لا تصلح للعرض في مهرجان وطني الهدف منه تتويج سنة من الاشتغال المسرحي والنهوض بأبي الفنون، الذي أضحت له سمعة جيدة في الخارج بفضل الجوائز التي يحصدها صانعوه في المهرجانات المسرحية العربية، ولكنه في الداخل ما زال يراوح مكانه على الرغم من مرور 25 سنة على سياسة الدعم، وما زال يجتر الأعطاب نفسها ويعاني الغربة والتهميش، في حين تحظى السينما بالاهتمام الكبير حتى من قبل الوزارة الوصية على القطاع.

أعطاب الدعم المسرحي

لم يكن أمام الفرق المسرحية المغربية المستفيدة من الدعم إلا الامتثال لهذا القانون المجحف في حقها، والقليل منها من رفض هذا الأمر ولم يقدم عروضه، مع العلم أنه يعرف أنه سيتعرض لعقوبات من طرف الوزارة الوصية على القطاع، وقد يحرم من الدعم السنوات المقبلة، لأنه يعلم أن هذه السياسة لم تعد مناسبة ولا تخدم المسرح والمسرحيين، وهو ما حدا بعديد من الفرق المسرحية إلى الاحتجاج وإصدار بيانات، من مثل بيان “الفدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة”، الذي عبر عن استيائه من “الوضع المرتبك الذي تشهده الحياة المسرحية، والذي يؤثر بشكل سلبي على مسار الفرق المسرحية، التي أصبحت تعيش وضعا متوترا، خصوصا خلال الموسم المسرحي الحالي، مع جميع الإكراهات التي تواجه عملية إنتاج وترويج الأعمال المسرحية بسبب الضغوط الناتجة عن التأخر في الإعلان عن نتائج دعم المسرح ومواعيده، وأيضا تأخير وصول الفرق المسرحية للعقود، مع مطالبتها بالإسراع في إنجاز مشاريعها في فترة زمنية ضيقة، لإنتاج أعمالها المسرحية كمحاولة للاستجابة لبرمجة اللجنة الوطنية لدعم الإنتاج والترويج”.

وطالبت “الفدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة” جميع الأطراف المعنية بالحياة المسرحية المغربية بتغليب مصلحة المسرح ليكون في مستوى الطموحات المأمولة، وذلك عبر إقرار مواعيد مناسبة لانطلاق الموسم المسرحي، لتقديم طلبات الإنتاج أو فترات الإنتاج والترويج قبل نهاية مارس/آذار من كل سنة مالية، والسعي لإيجاد كل الحلول الممكنة والعملية التي ستسهم في “تسهيل العملية الإبداعية، وفق دفتر تحملات واضح الأهداف والإجراءات المناسبة”.

المخرج المسرحي حسن هموش
المخرج المسرحي حسن هموش يمتلك تجربة مسرحية تفوق 30 عاما مع فرقة “مسرح تانسيفت” (مواقع التواصل)

وبهذا الخصوص، يقول المخرج المسرحي المغربي حسن هموش، رئيس الفدرالية للجزيرة نت، إن “الأعطاب التي بات يعرفها المشهد المسرحي المغربي لم تعد مرتبطة فقط بالتدبير اليومي للقطاع المسرحي، بل أصبحت أعطابا بنيوية تنعكس سلبا على مسار الممارسة المسرحية، التي تعيش أزمة مركبة مرتبطة في العمق بروح دفتر التحملات الذي سبق وأن تقدمنا بمذكرة تتضمن ملاحظات ومقترحات الفدرالية، والتي تسلط الضوء على مجموعة من الإشكالات”.

ويوضح هموش أن المذكرة التي وجهت إلى وزير الثقافة تؤكد ضرورة الأخذ بعين الاعتبار، عند القيام بأي مبادرة تخص مشاريع دعم المسرح، واقع الحركة المسرحية في مبناها ومعناها، والإدراك الواعي لظروفها الذاتية والموضوعية، الأمر الذي يستوجب مقاربة إصلاحية تراعي البعد التشاركي والتشاوري مع التنظيمات المهنية بغية صياغة تصورات ذات بعد شمولي، يراعي المقاربة المجالية والبعد الجهوي. ويشير إلى أن “المسرح المغربي له سياقاته التاريخية والاجتماعية التي تحكم واقعه، والتي وجب التعامل معها وفق تصور يراهن على تأهيل المؤسسة المسرحية (الفرقة) على الانخراط في بنية الإنتاج والترويج، وفق الأهداف التي تساعد على التقعيد لصناعة إبداعية ذات بعد تنموي”.

هل نمارس المسرح من أجل الدعم؟

أحدثت وزارة الثقافة المغربية عام 1998، في عهد الوزير محمد الأشعري، سياسة لدعم القطاع المسرحي بالمغرب من أجل إعطاء دفعة قوية للمسرح المغربي، وتمكين الفرق المسرحية من الاشتغال لخلق تراكم مسرحي وتذليل بعض الصعاب المادية في انتظار أن تتحول الفرق إلى مؤسسات قائمة الذات. لكن مع توالي سنوات الدعم، انحاز هذا الدعم عن الغايات التي تأسس من أجلها، لأنه لم يمكن الفرق من التحول إلى مؤسسات أو مقاولات، بل ساهم في “تفريخ” فرق عديدة تسعى إلى أن تقتات من هذا الدعم، لأن ما يحركها هو الهاجس المادي أكثر من الهاجس الفني والإبداعي.

وهنا يحق لنا أن نعيد السؤال القديم/الجديد مع المخرج حسن هموش: هل نمارس المسرح من أجل الدعم؟ أم نحصل على الدعم من أجل المسرح؟

وهنا يقول هموش: “أعتقد أن هذا السؤال الإشكالي يختزل أزمة الممارسة المسرحية التي تحولت أيضا إلى أزمة سلوك وقيم. وعلى الدولة والقطاع الوصي وضع إجراءات لتحديد المفاهيم وتقوية بنية المؤسسات المنتجة. من أهم هذه المفاهيم هو تحويل مفهوم الدعم إلى مفهوم الإنتاج، وكذلك وضع صيغ معيارية للاحتراف وسبل تأهيل الكفاءات والمبادرات الصاعدة، دون الخلط والعشوائية التي صرنا نشاهدها اليوم. فرق مسرحية اليوم في مهرجان هواة المسرح، وغدا في المهرجان الوطني للمسرح. وجب تحديد المجالات، فلكل مجال خصوصياته، وليس من باب التفضيل، بل فقط هي عملية تنظيمية لها شروطها وأسبابها وأهدافها”.

إن الدعم المسرحي -وفق هموش ذي التجربة المسرحية التي تفوق 30 سنة مع فرقة “مسرح تانسيفت”- ظل رهينا بمقاربة إحصائية، تعتمد على لغة الأرقام أكثر من اعتمادها على الإبداع كسؤال مفصلي في بنية الصناعة الإبداعية، لدرجة جعلت العديد ممن يتوجهون لطلب الدعم -وهذه إشكالية مرتبطة ببنية المؤسسات المنتجة والداعمة على حد سواء- يفعلون ذلك بنية الحصول على الدعم، أي أن ممارسة المسرح تكون غاية وليس هدفا. وهذا الأمر أسهم في إضعاف المشهد المسرحي، مع بعض الاستثناءات التي تشكل الفارق، لأنها حاملة لمشروع ثقافي مسرحي يتجاوز في مبناه ومعناه فلسفة الدعم.

تحديات تهدد المسرح المغربي

ومن جهته، يؤكد المخرج المسرحي ياسين أحجام، رئيس فرقة “أرض الشاون للثقافات”، أن المسرح المغربي رغم أنه أحد أبرز أعمدة الهوية الثقافية الوطنية، والمجال الحيوي المعبر عن قضايا المجتمع، فإنه يواجه تحديات عميقة تهدد مسيرته، أبرزها ضعف التخطيط وغياب الرؤية الإستراتيجية التي تكاد تعصف بـ “الموسم المسرحي” الذي أصبح غير ذي معنى.

ويوضح أحجام، الذي قدم على مدار السنوات الأخيرة مجموعة من الأعمال المسرحية القيمة، منها من استفاد من الدعم ومنها من كان من إنتاج ذاتي، أنه في ظل “هذه السرعة غير المبررة، يصبح من الصعب على الفرق المسرحية إنتاج أعمال متكاملة ومبتكرة. المسرح بطبيعته يتطلب وقتا للتحضير، بدءا من كتابة النصوص، مرورا بالبروفات، وصولا إلى تجهيز السينوغرافيا والإضاءة. وبالتالي، فإن اختصار هذه العملية في 10 أيام فقط يعكس سوء تخطيط واضح يضر بجودة العروض المسرحية ويحد من فرص تطوير الجمهور المسرحي”.

وبخصوص المهرجان الوطني للمسرح الذي أثارت نتائج دورته الأخيرة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي حفيظة عديد من المخرجين المغاربة، وأبرزهم المخرج ياسين أحجام الذي شارك في مسابقته الرسمية بمسرحية “جدار، الضوء نفسه أغمق”، فإنه برأي هذا المخرج وفاعلين آخرين في القطاع المسرحي بالمغرب يحتاج إلى إعادة النظر في توقيت تنظيمه ومعاييره الفنية وفي لجان تحكيمه مع ضمان نزاهتها العلمية التقييمية وتشبيبها بعناصر من الجيل الجديد التي تساير التحولات التي يعرفها المسرح، حيث تمت الدعوة أكثر من مرة إلى أن يعود إلى تاريخه الأصلي في يوليو/تموز من كل سنة، وهو التاريخ الذي عرف به لما كان ينظم في مدينة مكناس، حتى يكون تتويجا للسنة المسرحية وليس بداية لها، أو على الأقل أن ينظم بمناسبة اليوم الوطني للمسرح بالمغرب بتاريخ 14 مايو/أيار من كل سنة، وتغيير مكان تنظيمه من مدينة تطوان إلى مدينة أخرى أكبر، لها قدرة استيعابية لهذا العرس المسرحي السنوي.

الكاتب المسرحي أحمد السبياع: “كل الإجراءات لم تتمكن من تجاوز الإشكالية العويصة والمركبة للمسرح المغربي، وأظن أنها تحتاج إلى نية حقيقية خلال تعديلات مقبلة على سياسة الدعم” (مواقع التواصل)

الجمهور الحلقة المفقودة

أما الكاتب المسرحي المغربي أحمد السبياع، فيرى أن الخلل الرئيس في سياسة الدعم هو المكون الأساس في الفعل المسرحي، وهو الجمهور. فأين الجمهور المغربي من سياسة الدعم؟

عن هذا السؤال يقول السبياع -الذي توج بجائزة النص المسرحي في الدورة الأخيرة من المهرجان الوطني للمسرح عن مسرحية “آح وبردات” لفرقة “نحن نلعب للفنون”- إن وزارة الثقافة حاولت تدارك هذا الأمر، بعدما تبين لها أنه وبعد سنوات على سن قانون الدعم المسرحي، أن المسرح المغربي لم يتمكن من أن يخلق جمهورا منتظما متفاعلا ومتأثرا ومؤثرا في الحدث المسرحي، حيث أصدرت قانون دعم جديدا عام 2014 أضافت فيه مجالات جديدة للدعم، تهدف في مجملها إلى أن يصل المنتوج المسرحي إلى الجمهور بأوسع فئاته، أولها تنظيم المهرجانات والتظاهرات المسرحية، ثانيا الاهتمام بمسرح الشارع لتقريب المنتوج المسرحي من الجمهور، وثالثا توطين الفرق المسرحية بالفضاءات المسرحية بشكل يضمن للفرق الاستمرار في الاشتغال وتنشيط هذا الفضاء لمدة 3 سنوات.

ويوضح السبياع للجزيرة نت أن “كل هذه الإجراءات لم تتمكن من تجاوز هذه الإشكالية العويصة والمركبة للمسرح المغربي، والتي أظن أنها تحتاج إلى نية حقيقية خلال تعديلات مقبلة على سياسة الدعم. فالأمر يحتاج إلى تضافر كثير من الجهود في كثير من القطاعات، كالتعليم مثلا. جهود صادقة تهدف إلى تمكين المسرح، وتعزيز مكانته داخل المجتمع”.

الأكاديمي المسرحي عبد المجيد أهرى: “جل الفاعلين في المجال المسرحي من نقابات وفدراليات ومؤسسات، تدرك جيدا ما يجب القيام به للنهوض بالمسرح” (مواقع التواصل)

المأزق القانوني لوضعية الفنان

ومن جهته، يؤكد الباحث الأكاديمي المتخصص في المسرح عبد المجيد أهرى للجزيرة نت أن سياسة الدعم بشكلها الحالي لا يمكن لها أن تخلق مقاولات مسرحية، كما أن المأزق القانوني لوضعية الفنان، منذ إحداث قانون الفنان رقم 71.99 عام 2003، وصولا إلى القانون المتجدد رقم 68.16 لعام 2016، المتعلق بالفنان والمهن الفنية، والذي لم يتم تنزيل جل نصوصه التنظيمية، يؤثر بشكل سلبي على الممارسة المسرحية الاحترافية، ولا يساهم في تفعيل الممارسة المسرحية بما يضمن أولا حقوق الفنان وصون وضعيته في الحماية الاجتماعية والعقد النموذجي، وغير ذلك من البنود التي تشكل أساس المقاولة المسرحية.

ويشير أهرى إلى أن جل الفاعلين في المجال المسرحي، من نقابات وفدراليات ومؤسسات، تدرك جيدا ما يجب القيام به للنهوض بالمسرح، إذ “فتحت عديدا من الورش والندوات واللقاءات، التي قدمت كثيرا من الحلول ورفعت عديدا من التوصيات التي للأسف لم تعرف طريقها للتنزيل والتطبيق”، كان آخرها اليوم الوطني للمسرح الذي نظم بإشراف من وزارة الثقافة عام 2023 وبحضور المسرحيين المغاربة والنقاد والأكاديميين، وخرج بعديد من التوصيات، ولكنها لم تر النور إلى الآن”.

ما يؤثر على المسرح المغربي أيضا هو تغير الحكومات والوزراء المشرفون على قطاع المسرح، إذ إن لكل وزير ميولاته واهتماماته الخاصة، وهو ما ينعكس إما بالإيجاب والسلب على القطاع الثقافي، وخير دليل على ذلك هو وزير الثقافة المغربي الحالي المهدي بنسعيد، الذي يولي اهتماما كبيرا للسينما على حساب المسرح، حيث عمد أخيرا إلى إطلاق 50 قاعة سينمائية في مختلف المناطق المغربية، ما هي في الأصل إلا قاعات مسرحية بالمراكز الثقافية تم تجهيزها بشاشات وببعض التقنيات التي تسمح بالعرض السينمائي، وتم الإعلان عن تخصيص 5 أيام من الأسبوع فيها للعروض السينمائية ويومين فقط لبقية العروض بما فيها المسرح، وهو ما رأى فيه المسرحيون المغاربة “إساءة لأبي الفنون واحتقارا وتهميشا للفرق المسرحية، وتضييقا لهم ولعملهم المسرحي”، لأنه عوض أن يتم إنشاء قاعات سينمائية حقيقية، كما تم الإعلان عنه، يتم الإجهاز على هذه القاعات عبر “روسيكلاج (إعادة تدوير) مفضوح” حيث أصبحت هجينة لا تصلح لا للسينما ولا للمسرح.

إساءة وتهميش للمسرح

أما الدعم، هذا المال العمومي، الذي يجب إعادة النظر في طريقة تدبيره وفي تسميته حتى لا ينظر إليه مثل “المساعدات” التي تقدم للمحتاجين، لأن المستهدف الأول منه هو الجمهور الذي ينتظر فرجة مسرحية أو سينمائية تليق به. ففي الوقت الذي تخصص فيه ميزانيات كبيرة لدعم الإنتاج السينمائي، ويتم الترويج للأعمال السينمائية في القنوات التلفزيونية المغربية والإعلان عن عرضها في القاعات السينمائية، نجد أن الدعم المخصص للمسرح قد بلغ بالكاد 200 ألف درهم للعمل في أحسن الأحوال، وهو مبلغ غير كاف لتقديم عمل مسرحي متكامل، كما يقول المخرج محمد فركاني، تستطيع بفضله الفرقة المسرحية العمل بأريحية والتنافس داخل وخارج البلد. كما أنه لا يتم الإعلان عن العروض المسرحية الجديدة في القنوات المغربية، ولا تخصص هذه الأخيرة ميزانية لاقتناء العروض المسرحية الجادة من أجل تقديمها للمشاهد المغربي، اللهم إلا بعض العروض التي ترغب فيها تلك القنوات والتي تكرس النظرة الدونية للمسرح المغربي، ولا تشجع على الإقبال عليه، وهذا ما اكتشفه عديد من المخرجين الشباب المغاربة ومنهم فركاني، الذي سئل أكثر من مرة: “لم لا تقدم مثل العروض التجريبية المهمة التي ينتجها هو وبعض زملائه في التلفزيون المغربي؟”، لأن ما يقدم لهم لا يحترم ذوقهم ولا يرضيهم.

ويخلص فركاني إلى أن هذا الوضع يؤلمه ولا يستبعد أن يطلب منهم مستقبلا تقديم عرض مسرحي في يومين حتى لا ينقطع الدعم عنهم، وتظل دار لقمان على حالها من دون تغيير ولا حتى مقرات يمكن تحويلها إلى مختبرات للاشتغال المسرحي، باستثناء بعض التجارب التي استطاعت رفع التحدي واشتغلت بإمكانياتها الخاصة، وانتصرت على الذات والوضع، وحققت نتائج مشرفة وحصدت جوائز مسرحية في الخارج.

من مسرحية “دوخة” للمخرج “الغالي اكريميش”، التي عرضت خلال المهرجان الوطني للمسرح (مواقع التواصل)

حوار وطني مسؤول

لا يحتاج المسرح المغربي إلى خلطة سحرية أو عصا موسى، نشق بها للمسرح طريقا في البحر، بل هو بحاجة، كما يقول المخرج المسرحي حسن هموش، إلى أن “تجتمع الإرادة السياسية وإرادة التنظيمات المهنية التي عليها أن تتحمل كامل مسؤولياتها التاريخية، وأن يكون هناك حوار وطني حقيقي، وإشراك خبراء مهنيين لوضع إستراتيجية قادرة على الانتقال بالممارسة المسرحية من مجرد إنتاج عروض مسرحية عابرة، مجملها لا يحقق معدل 10 عروض في السنة، إلى مؤسسات إنتاجية تساهم في بنية الصناعة الثقافية والاقتصاد الثقافي، ومتفاعلة مع التحولات المجتمعية، وقادرة على استقطاب الجمهور. عروض مسرحية تحقق الموازنة بين الفرجة والمتعة والمعالجة للقضايا التي تخاطب وجدان المواطن المغربي وثقافته المتعددة. عروض لها القدرة على الانتقال من المحلي إلى تجاوز جغرافية الإقليم والدولي”.

ولهذا، فقد أصبح من الضروري فتح حوار وطني مسؤول لتقييم الدعم المسرحي بمختلف مراحله بشكل موضوعي وعقلاني، والعودة إلى دراسة مقترحات مختلف التنظيمات المهنية التي قدمت سابقا فيما يخص الدعم ودفتر التحملات، التي تحتاج إلى مراجعة بنيوية وإلى الإسراع بوضع أجندة واضحة للموسم المسرحي تكون، كما يقول هموش، بمثابة تعاقد أخلاقي وقانوني بين جميع الفرقاء.

إن مشاكل الدعم والنتائج المترتبة عليه أصبحت من صلب الحركة المسرحية التي يعتمد الفاعلون فيها على الدعم الكلي للدولة، وهو في الأساس وضع مربك في غياب الجمهور، الذي يجب أن يكون مشاركا ومدعما ماديا للمسرح، لأنه من دون هذه المشاركة، كما يقول الكاتب المسرحي أحمد السبياع، يظل الوضع شائكا؛ فاقتناء المتفرج لتذكرة المسرح هو اعتراف ضمني بدور هذا الفن وبأهميته في حياته، وهو ترسيخ للمسرح بوصفه مجالا حيويا وفاعلا في المجتمع. ويبدو أن الجمهور لحد الآن لا يزال خارج اللعبة المسرحية، وهذا خطير جدا، لأنه لن يضمن للمسرح حضورا كبيرا في المجتمع كما هو الشأن مع كرة القدم، ولو أن المقارنة بينهما لا تستقيم أبدا، فالمسرح يكاد يكون غائبا.

ولهذا فإن أي تعديل في الدعم يجب أن يأخذ مستقبلا بعين الاعتبار الجمهور ومكانة المسرح في المجتمع، والموسم الأخير، كما يقول السبياع، ليس سوى “تجل ومثال؛ فتأخر إعلان الدعم ثم إعلان النتائج ثم صرف الدفعات، يختزل الموسم المسرحي في فترة وجيزة، فتضطر الفرق إلى تقديم أعمالها دون إشهار كاف ودون اشتغال دقيق على مسألة الجمهور هاته، فلا يشاهد المسرحيات إلا قلة من الناس ووفق شروط غير صحية، وهذا يزيد من تأخير رتبة المسرح في اهتمامات المغاربة”.

شاركها.
Exit mobile version