شهدت صناعة الأغذية الحلال نموًا متسارعًا في السنوات الأخيرة، مما جعلها واحدة من أسرع القطاعات الغذائية توسعًا عالميًا. ويشير مصطلح “حلال” إلى الأطعمة التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية، حيث يشمل السوق منتجات متنوعة أبرزها اللحوم والدواجن والمأكولات التي تدخل فيها زيوت ومنكهات، التي تعدّ أساسية بالنسبة للمستهلكين المسلمين، لا سيما خلال شهر رمضان.

وفقًا لتقارير صادرة عن مجموعتي آي إم إيه آر سي وريسيرتش آند ماركتس، قُدّر حجم سوق الأغذية الحلال بنحو 2.71 تريليون دولار أميركي في عام 2024، ومن المتوقع أن ينمو ليصل إلى 5.91 تريليونات دولار بحلول 2033، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 8.92% من عام 2025 إلى 2033. وهذا يجعل سوق الحلال منافسا قويا لقطاعات أخرى ناشئة، مثل الأغذية العضوية والمستدامة، التي تشهد طلبا متزايدًا أيضًا.

وتقود منطقة آسيا والمحيط الهادي هذا النمو، حيث استحوذت على 48.5% من السوق في عام 2024، بفضل الكثافة السكانية العالية للمسلمين والطلب المتزايد على المنتجات الغذائية المعتمدة. في المقابل، تشهد الأسواق الأوروبية والأميركية تزايدًا ملحوظًا في الطلب، مدفوعًا باهتمام غير المسلمين بمعايير الصحة والجودة التي توفرها المنتجات الحلال.

عوامل نمو سوق الحلال العالمي

تسهم عدة عوامل في توسع سوق الأغذية الحلال عالميًا، وفقًا لتقارير آي إم إيه آر سي وريسيرتش آند ماركتس، ومن أبرزها:

  • النمو السريع لعدد السكان المسلمين

يُعد تزايد أعداد المسلمين عالميًا محركًا رئيسيًا لنمو السوق، إذ يُتوقع أن يصل عددهم إلى 2.76 مليار نسمة بحلول عام 2050، وفقًا لمنصة ستاتيستا. ويؤدي هذا التحول الديمغرافي إلى ارتفاع الطلب على المنتجات الحلال في الدول ذات الأغلبية المسلمة وتلك التي تضم أقليات مسلمة كبيرة.

تزايد أعداد المسلمين عالميًا يعد محركًا رئيسيًا لنمو سوق الحلال إذ يُتوقع أن يصل عددهم إلى 2.76 مليار عام 2050 (رويترز)

استجابةً لذلك، بدأت سلاسل التجزئة الكبرى بتخصيص أقسام للأغذية الحلال، كما باتت المطاعم العالمية توفر خيارات حلال، مما يعزز انتشارها حتى خارج الأسواق الإسلامية التقليدية.

  • ارتفاع الوعي الأخلاقي لدى المستهلكين

زاد وعي المستهلكين، مسلمين وغير مسلمين، بمعايير إنتاج الأغذية، مما دفعهم نحو خيارات صحية وأخلاقية أكثر. وتُفضَّل المنتجات الحلال لارتباطها بضوابط صارمة تتعلق بالجودة والمصدر الأخلاقي، مما عزز انتشارها عالميًا.

  • العولمة والتعددية الثقافية

أسهم الانفتاح الثقافي والعولمة في تسهيل توفر المنتجات الحلال، حيث تكيفت الأسواق العالمية لاستيعاب تفضيلات المستهلكين المتنوعة. وباتت كبرى المتاجر والمطاعم تقدم خيارات حلال، مما جعلها متاحة للجميع بغض النظر عن الخلفية الدينية.

  • التنظيم الصارم لصناعة الحلال

أدى وضع معايير موحدة لشهادات الحلال إلى تعزيز ثقة المستهلكين وتسهيل التجارة عبر الحدود. وتضمن هذه الشهادات خلو المنتجات من المكونات المحظورة مثل لحم الخنزير والكحول، مما جعلها جاذبة ليس فقط للمسلمين، بل أيضًا لمن يهتمون بجودة الغذاء وأصوله الأخلاقية.

  • تزايد المخاوف الصحية والسلامة الغذائية

أصبح المستهلكون أكثر اهتمامًا بالغذاء الصحي والنظيف، مما عزز مكانة الأطعمة الحلال، إذ تُعرف بمعاييرها العالية في النظافة والجودة. وقد دفع هذا الاتجاه العديد من غير المسلمين إلى اختيار المنتجات الحلال كخيار أكثر أمانًا وصحة.

لماذا يقبل غير المسلمين على الطعام الحلال؟

لا يقتصر استهلاك الأطعمة الحلال على المسلمين فقط، بل يزداد اهتمام غير المسلمين بها، خاصة في أوروبا وأميركا الشمالية، حيث تجذبهم معايير النظافة والجودة. وفقًا لهيئة مراقبة الحلال الكندية، أصبحت المطاعم الحلال وجهة مفضلة لدى الباحثين عن أطعمة آمنة وعالية الجودة.

علاوة على ذلك، تبنت العديد من الوجهات السياحية غير الإسلامية ثقافة الطعام الحلال كجزء من عروضها السياحية، مما جعلها نقطة جذب للمسلمين وغير المسلمين على حد سواء.

نظرًا للمعايير الصارمة المطلوبة للحصول على شهادة الحلال تطور المطبخ الحلال ليحصل على ضمان للنظافة والجودة (غيتي)

إلى جانب المسلمين، يتزايد اهتمام غير المسلمين بالأطعمة الحلال، مدفوعًا بعدة عوامل وفقًا لمنظمة كيري العالمية المتخصصة في علوم التغذية:

  • انتشار القيم الإسلامية خارج العالم الإسلامي

أصبحت العديد من القيم الإسلامية المتعلقة بالغذاء، مثل الذبح الحلال ومعايير النظافة، موضع اهتمام عالمي. ووفقًا لتقرير حالة الاقتصاد الإسلامي العالمي، يتجه العديد من المستهلكين غير المسلمين نحو المنتجات الحلال نظرًا لارتباطها بجودة الإنتاج والتصنيع الأخلاقي.

  • صعود “المستهلك الأخلاقي”

بات المستهلكون أكثر وعيًا بأخلاقيات إنتاج الطعام، مما دفعهم إلى تفضيل المنتجات التي تراعي الرفق بالحيوان والسلامة الغذائية. ونتيجة لذلك، تزايد الطلب على الأغذية الحلال التي تلتزم بمعايير الذبح الرحيم وخلوها من الإضافات الصناعية الضارة.

  • الطلب المتزايد على الطعام الصحي والآمن

نظرًا للمعايير الصارمة المطلوبة للحصول على شهادة الحلال، تطور المطبخ الحلال من كونه خيارًا دينيًا إلى ضمان غذائي للنظافة والجودة. وتشير دراسات مختلفة إلى أن المستهلكين غير المسلمين ينظرون إلى الأغذية الحلال باعتبارها أكثر أمانًا وثقة.

التحديات التي تواجه صناعة الحلال

رغم النمو السريع لصناعة الحلال، فإنها تواجه تحديات تؤثر على كفاءتها وانتشارها، وفقًا لتقارير منتدى مكة للحلال ومجلس الأغذية الحلال في الولايات المتحدة، ومن أبرزها:

  • تعدد جهات منح شهادات الحلال

تختلف معايير اعتماد المنتجات الحلال بين الدول، مما يؤدي إلى عدم توحيد المعايير ويعقد عمليات التجارة الدولية، حيث تضطر الشركات للحصول على شهادات متعددة لضمان نفاذ منتجاتها إلى الأسواق المختلفة.

  • غياب إطار تنظيمي موحد

عدم وجود لوائح موحدة بين الدول المنتجة والمستهلكة يعوق التجارة الدولية، ويخلق تحديات للشركات الساعية للامتثال للمتطلبات المتباينة في الأسواق العالمية.

  • ضعف الأنظمة الرقمية لتتبع المنتجات

تفتقر بعض الأسواق إلى تقنيات رقمية متقدمة تتيح تتبع المنتجات الحلال عبر سلاسل التوريد، مما يجعل من الصعب التحقق من مطابقة المنتجات للمعايير الشرعية.

  • قضايا الاحتيال في السوق

تعاني الصناعة من ممارسات احتيالية تشمل تزوير شهادات الحلال أو تقديم منتجات غير مطابقة للمعايير على أنها حلال، مما يهدد ثقة المستهلكين ويضر بسمعة المنتجين الشرعيين.

صناعة الحلال تعاني من ممارسات احتيالية تشمل تزوير شهادات الحلال أو تقديم منتجات غير مطابقة للمعايير (شترستوك)
  • المنافسة المتزايدة

أدى الإقبال المتزايد على الأطعمة الحلال إلى اشتداد المنافسة بين الشركات، مما يدفع المنتجين للبحث عن أساليب جديدة للتميز، سواء من خلال الابتكار أو تعزيز الجودة للحفاظ على حصتهم في السوق.

أكبر 10 شركات عالمية في صناعة الأغذية الحلال

وفقًا لمنصة حلال تايمز، تتصدر هذه الشركات سوق الأغذية الحلال عالميًا:

  • كيو إل فودز (QL Foods) – ماليزيا

متخصصة في الأطعمة الجاهزة والمنتجات البحرية، وتتمتع بقاعدة عملاء واسعة في جنوب شرق آسيا.

  • الإسلامي للأغذية – الإمارات العربية المتحدة

تشتهر بضوابط الجودة الصارمة، وتوفر مجموعة متنوعة من اللحوم المجمدة والوجبات الجاهزة.

  • بي آر إف إس إيه (BRF SA) – البرازيل

إحدى أكبر شركات الأغذية عالميًا، وعززت وجودها في سوق الحلال عبر علامتها التجارية “ساديا”.

  • نستله – سويسرا

نجحت في التوسع في الأسواق الإسلامية بفضل قسمها المتخصص في المنتجات الحلال.

  • ميدامار – الولايات المتحدة

أول شركة أميركية تصدر لحومًا حلالًا معتمدة، وتوفر مجموعة متنوعة من اللحوم والدواجن.

  • المراعي – المملكة العربية السعودية

رائدة في منتجات الألبان الحلال، وتقدم أصنافًا متنوعة في دول الخليج.

  • طاهرة للأغذية – المملكة المتحدة

أحد أبرز موردي اللحوم والدواجن الحلال في أوروبا، مع تركيز على الجودة.

  • بريما للمنتجات الزراعية – ماليزيا

تشتهر بالاستدامة والابتكار، وتوفر خيارات تشمل اللحوم والمنتجات النباتية.

  • راملي لتجهيز الأغذية – ماليزيا

معروفة بـ”البيرغر الحلال” والوجبات المجمدة، وهي علامة تجارية بارزة في جنوب شرق آسيا.

  • كريسنت فودز (Crescent Foods) – الولايات المتحدة

متخصصة في الدجاج العضوي الحلال، وتلتزم بمعايير غذائية وصحية صارمة.

شاركها.
Exit mobile version