يمرّ عام على طوفان الأقصى؛ يوم من أيام الأمة التي تؤكد أن العدو الصهيوني مهما تجبّر وتكبر؛ فإن مقاومة الأمة قادرة – بحول الله – أن تنال منه؛ وهو أمر يشير إلى إمكانية الانتصار عليه؛ والفرصة كما عبر عنها الإمام الماوردي في تعديد صلاح الدنيا؛ فالدنيا لا تصلح إلا بست اختتمها بالأمل الفسيح، وهو غير التمني والأماني لأن أفق الأمل لا ينفتح إلا بجهد وعمل؛ وهو لا ينفسح إلا باستثمار الفرصة وتعظيم الثمرة؛ وكم من فرصةٍ لاحت وأشرقت؛ وأهواؤنا في ضدها تتسكع في كسل حضاري يفتقد الهمة لرفع الغمة ومواجهة الأزمة تلو الأزمة؛ واستقالة حضارية من فعل واجب ومطلوب فيتغافل ناسها وتسوء أحوالها؛ لا عمل تتدبر ولا فعل منها يؤثر.

كان ولا يزال طوفان الأقصى بحق فرصة حضارية كبرى؛ أن يتحول نهج الطوفان من غزة إلى طوفان الأمة؛ وها هو قد مرّ العام على الطوفان ولم تدرك الأمة بعد ولم تتدارك معنى الفرصة فيه بتحويله من طوفان الأقصى إلى طوفان الأمة.

أولًا: الفرصة الحضارية والمقاومة الحضارية الشاملة

  • الفرصة العقدية وبناء رؤية عقدية متماسكة لصراع الأمة مع الكيان الصهيوني: قدم طوفان الأقصى نموذجًا يحتذى لبناء رؤية عقدية متكاملة تتمسك بالمقاومة، وتذود عن المقدسات وتحميها، وترابط عن حياضها، وتراكم فعل الإحياء والتجديد، متمثلًا عقيدة العمل الإيماني الفاعل والمثمر دون انتظار نتائج مباشرة، فهي تتمسك بسلوك النفس الطويل، وقيم الصبر الجميل، وأصول الاستعداد المكين، وأسس معركة الهوية والتأصيل. فرصة التفسير البياني “العياني” الميداني للقرآن الكريم ـ مصحف غزة:

رصدت في عدة مقالات ما أسميته بالتفسير الميداني للقرآن الكريم، مبينًا أن الآيات القرآنية الواردة في بيانات المتحدث الإعلامي للمقاومة الفلسطينية تكشف عن معانٍ جديدة متجسدة على الأرض، وهو ما أسماه الدكتور جمال عبد الستار “مصحف غزة”، مما يؤكد على رسوخ هذه الفرصة لدى الكثير من المراقبين والمهتمين، وكيف أن سلوك المقاومة وتمسكها بالقرآن الكريم يقدمان قراءة ميدانية للقرآن الكريم.

  • الفرصة القيمية والدعوة لقيم الإسلام مقارنة بتآكل قيم الحضارة الغربية على الأرض وفي الميدان:

مثل سلوك المقاومين منارة على ما تحمله الحضارة الإسلامية من قيم سامية، وأصول حضارية رفيعة قيمة، في مقابل ما يرتكبه جنود الكيان الصهيوني من موبقات سواء في التعذيب أو القتل أو انتهاك حرمات البيوت والمساجد، دون رادع من أخلاق أو قيم أو قانون أو أي معيار إنساني، إن ما تقدمه المقاومة يمثل دلالة على سمو الحضارة الإسلامية ورفعتها، ويمثل فرصة عن كيف يكون الفارق بين حضارة أساسها القيم وحضارة أو منظومة تقوم على الإبادة والقتل والانتقام.

  • فرصة النموذج الحضاري الإسلامي: مثل طوفان الأقصى فرصة للنموذج الحضاري المتكامل للرؤية الإسلامية، وكيف أن المسلم فاعل وقادر على أن يواجه الحضارة الغربية بكل تقدمها وأن يهزمها، وأن يصمد في وجهها لشهور عديدة رغم الحصار والإمعان في القتل والتدمير، لا يمكن أن يكون هناك مثال أوضح من ذلك عن قيمة وأهمية الحضارة الإسلامية، وما يمكن أن تمثله في مسار الحضارات الإنساني.

كما قدم السابع من أكتوبر فصلًا جديدًا ملحميًا من مسيرة تصفية الاستعمار الطويلة والعنيدة، وإحدى معاركها الكبرى والاستثنائية. ويمكن لما شهدناه في غزة والضفة الغربية ، ولا نزال نشهده من نجاح فئة قليلة من مقاتلي الفصائل من زحزحة اللوائح التكتونية الساكنة، وتغيير موازين القوى، أن يعيد تشكيل الشرق الأوسط الجيوسياسي ويشكل فصلًا جديدًا من مسيرة تصفية الاستعمار الطويلة.

لقد أثبت طوفان الأقصى أن خيار المقاومة خيار حضاري وبَدَهي، وأنه ما كان الاحتلال كانت المقاومة، ومن ثم فإن سلوك المقاومة في التفاوض والقتال يستحق الدراسة والتعلم والاستفادة منه، فهي ينطبق عليها ما قاله أستاذ العلوم السياسية الدكتور حامد ربيع: ” خُض الحرب من أجل سلام حقيقي، وخُض التفاوض وكأنك في حالة حرب”، وهي قاعدة أصيلة من قواعد التفاوض المقاوم.

ثانيًا: الفرصة السياسية والإستراتيجية

1 – الفرصة الجغرافية ومعركة القدس والأقصى: أثبت طوفان الأقصى نظرية المستشار طارق البشري: “الوعاء الجغرافي”، فقد أكد في مقالته الضافية “عن القدس وفلسطين (وعاؤها الجغرافي)” أن فلسطين هي وعاء القدس وحاملتها. بل إن القدس هي هوية فلسطين، وهي من أعطاها الغالب الأعم من صبغتها وأهميتها، ليست القدس مدينة في وطن هو فلسطين، ولكن فلسطين وطن في مدينة هي القدس.

إن فلسطين بغير القدس لا تكون أكثر من سيناء مصر أو جولان سوريا أو شريط حدود لبنان الجنوبي، قضية تحرير سياسي بحت، معتبرًا أن فلسطين ليست مسؤولية الفلسطينيين وحدهم، إننا جميعًا نحمل تبعتها، مسلمين ومسيحيين وعربًا، وبموجب كل من هذه الانتماءات السياسية والثقافية التاريخية والدينية.

2 – الفرصة السياسية، رغم الحصار والدمار فقد امتلك الطوفان فرصة سياسية ذات قيمة عالية تجلت في مستويات عدة سواء محلية وداخلية، أو إقليمية ودولية أو حضارية أممية، فقد كانت هذه الإنجازات التي حققها الطوفان سواء يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أو ما لحقها من صمود تاريخي نبراسًا على ما امتلكه الطوفان من قيادة ومقاومة وشعب يؤمن بذاته ووطنه وهُويته، باذلًا كل غالٍ ونفيس في سبيل حمايته والدفاع عنه.

فقد منح الطوفان القضية الفلسطينية الفرصة السياسية التاريخية ولأول مرة من خلال قرار إسبانيا والنرويج وأيرلندا الاعتراف رسميًا بالدولة الفلسطينية، وقد أثبت الطوفان أن الحرب الدائرة هي الحل الوحيد؛ لإقامة الدولة الفلسطينية وتطبيق القانون الدولي تجاه القضية الفلسطينية، وهذا يؤكد أن هناك تغييرًا في المواقف الدولية تجاه القضية الفلسطينية؛ وهذا لا يرضي إسرائيل وأميركا التي تعترض على كل ما يمنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة – ويكشف أن كل المفاوضات السابقة كانت مضيعة للوقت.

3 – الفرصة الدولية والعالمية والقضية الفلسطينية: إن طوفان الأقصى رفع القضية الفلسطينية لمستوى غير مسبوق عالميًا، وفتح الباب لتجسيد الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في دولته على أرضه وترابه، وهو ما فشلت فيه كل الجهود الدبلوماسية والسياسية التي كانت منزوعة من عوامل القوة، وإن الطوفان وجّه ضربة لقيمة الكيان الإستراتيجية كشرطي للمنطقة، وأفقده ميزة الردع التي كان يتباهى بها، وها هو الآن يفقد الرأي العام العالمي، حيث فشل الإرهاب الفكري الذي يمارسه عبر ما يسمى قوانين معاداة السامية في محاصرة المد الجماهيري على مستوى العالم في دعم حقوق الشعب الفلسطينيّ.

4 – الفرصة الثقافية وجرائم التطبيع: كشف طوفان الأقصى جريمة التطبيع، ومحاولة استرضاء إسرائيل التي تقوم بها العديد من النظم العربية والإسلامية، كما كان أيضًا فرصة لإدانة ظاهرة “التصهين” وتحديد طبيعة الظاهرة وكشفها للرأي العام، حتى إن رواد التواصل الاجتماعي احتفوا بمقطع فيديو للدكتور عبدالوهاب المسيري خلال ندوة له كنتُ فيها معه في تسعينيات القرن الماضي، كان يتحدث فيها عن هذه الظاهرة، كما فضح الطوفان أدوات التطبيع وكشف عن التوظيف السياسي لما يسمى بالديانة الإبراهيمية، معززًا نشر ثقافة المقاومة، في صورها المتنوعة من مقاطعة وممانعة ومدافعة.

ثالثًا: الفرصة التاريخية والخطاب الكوني

  • الفرصة التاريخية وأصل القضية (إعادة تشكيل الذاكرة): فضح الطوفان كل الدعاية السوداء التي كانت تنال من الفلسطينيين سواء باتهامهم بأنهم فرطوا في أرضهم، أو أنهم سعوا إلى هجرها، بل إن التضحيات العميقة التي يقدمها الشعب الفلسطيني تثبت عكس ذلك تمامًا، وأن هذا الشعب يتمسك بأرضه ووطنه حتى على حساب حياته وكل ما يملك.
  • الفرصة الإعلامية وتأسيس خطاب كوني جديد بكل درجاته: يتوازى مع المجهود العسكري والحربي الذي تقدمه المقاومة، مجهودٌ إعلاميٌّ مقدر استطاع أن يرسم ويبلور هذه الجهود، ويقدمها للعالم لتمثل إذلالًا للكيان الصهيوني، ويسجل بطولات المقاومة وإنجازاتها الخارقة. إن ما حققته المقاومة من نجاح في هذا الجانب أتاح لها أن تجوب العالم، وأن تحظى بتعاطف كبير، حرك قطاعات واسعة من أحرار العالم لتأييد القضية الفلسطينية التي استعادت مكانتها على قمة القضايا الدولية.
  • الفرصة الشبكية لبناء رأي عام عالمي وإنساني وكوني: هناك حالة واسعة من التضامن مع الشعب الفلسطيني؛ جراء ما يقع عليه من إجرام، وقد لعب العديد من النشطاء والمشهورين على مستوى العالم دورًا بارزًا في الترويج للقضية الفلسطينية، ورفضوا الكثير من الإغراءات لتبني الموقف الإسرائيلي، ولكن كان هناك حالة من الرمزية وإعلاء القيم التي تبناها الطوفان جذبت الكثير من المؤيدين ممن صنعوا رأيًا عالميًا وإنسانيًا وفطريًا.

رابعًا: بعد أن تضع الحرب أوزارها؛ فرصة عمران غزة ورفع الحصار عنها؛ والمصالحة الفلسطينية:

  • فرصة إعمار غزة ورفع حصارها: أمام الشعوب المسلمة فرصة لأن تسهم بكل ما يمكنها في معركة المقاومة، وعلى أصحاب الأموال والأعمال ممن يتبنون القضية الفلسطينية في دواخلهم، وبشكل غير معلن، أن يبادروا بالإسهام في مشروعات داعمة لغزة، والوعي بتمكين مسالك الأمة المختلفة في المقاومة الحضارية، بحيث لا يثيرون حفيظة النظم الرسمية، وأن تنتظم أعمالهم في دعم دائم ومستمر، حتى لو كان قليلًا، فالقليل مع القليل كثير في ظل المسيرة الحضارية لفعل المقاومة وتأسيسه وعيًا وسعيًا، تدبيرًا وحركة.

كما أن تخير المسالك في حالة دول الخليج مسألة مهمة ضمن معارك النفس الطويل في الأمة والبحث في مناطق ومساحات فاعليتها، العاجلة والآجلة، الآنية والمستقبلية، الخططية والإستراتيجية، ويمكن تقديم الدعم في المجال الصحي، والتعليمي، وتوفير الغذاء لأهل غزة الذين يعانون من أزمات متنوعة في الوقت الراهن.

هناك فرصة متميزة في رفع الحصار عن قطاع غزة، بأن تبادر قوى الأمة الفاعلة إلى دفع الدول والنظم السياسية على القيام بواجباتها تجاه أبناء غزة وفلسطين، وأن تقوم بما يمكنها القيام به؛ لإجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار، وفتح الباب أمام إيصال المساعدات إلى القطاع، ويكفي الصمود الأسطوري للمقاومة لتؤكد على أن أهل فلسطين باقون صامدون في وجه مخططات الإبادة والجرائم ضد الإنسانية، وأن يتم حث هذه الدول على أن تقوم بهذا الدور حتى لا تكون مشاركة لإسرائيل في عملية الحصار.

  • فرصة المصالحة الفلسطينية:

قدم الطوفان فرصة في إعادة البناء والتفعيل لـ “الممثل الشرعي الوحيد” السلطة الفلسطينية، ووفر لها فرصة استعادة ولايتها في شطرَي فلسطين: المحتل والمحاصَر، في مواجهة “إسرائيل”، وليس برضاها، بعيدًا عن جدل “المقاصة” وانتظارها، ووفر لها الفرصة لقطع الطريق على ما يحاك لغزة، وما وراءها، وأبعد منها: القضية الفلسطينية برمتها، ورغم التراخي الشديد من السلطة فإن الفرصة لا تزال قائمة.

اللحظة الفلسطينية تاريخية بامتياز، وهي تتطلب قيادات تاريخية ترقى إلى مستواها، قيادات متجردة من الحسابات والمصالح الفردانية والفصائلية، وتضع نصب أعينها حقيقة، مفادها أن شعب فلسطين يخوض معركة وجودية؛ معركة أن يكون أو لا يكون، وقد آن أوان خوضها بالجرأة والبسالة نفسيهما، اللتين طرق بهما المقاومون جدران الخزان، فجر السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.

خامسًا: فرص الأمة في النهوض والبناء والمراجعة

  • فرصة إدارة المعارك الكلية في الأمة بمناسبة طوفان الأقصى:

كانت إدارة الطوفان لمعاركه المتنوعة بانضباط مشهود علامة فارقة على قدرته على امتلاك أدواته دون أن يفقد التوازن بين المعارك المتنوعة، سواء معركة الذاكرة، أو معركة المعنى، أو معركة المغزى، أو معركة أصول القدوة، مقدمًا نموذجًا متميزًا، فقد نجح في معاركه الرئيسية والفرعية بصورة أبهرت أعداءه قبل أصدقائه.

  • الفرصة الشبابية وبناء الوعي الشبابي بالقضية الفلسطينية: اكتسب طوفان الأقصى زخمًا كبيرًا بين الشباب، وتدل مظاهرات الجامعات الأميركية على ارتفاع الوعي بالقضية الفلسطينية، وحقوق الشعب الفلسطيني، في مواجهة الاحتلال الاستيطاني “الكولونيالي” الإسرائيلي المدعوم من الغرب.
  • الفرصة في مقاومة الاستبداد: هناك رابطة وثيقة بين الاستبداد والاحتلال، وأن الخلاص من الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي سيكون مقدمة للخلاص من الاستبداد المهيمن على معظم دول المنطقة، ومن ثم فإن ما قدمه الطوفان بمثابة حالة نجاح في التغيير والانتصار على الظلم، ومن ثم فإن النظم السياسية أمامها فرصة تاريخية للتخلي عن الاستبداد والظلم والطغيان؛ لأن التغيير قادم، وأن الطوفان يقدم نموذجًا للشعوب يمكنها من التغيير والانتصار على الظلم والطغيان.
  • فرصة الحركة الإسلامية المركبة في طوفان الأقصى: يعد الطوفان فرصة مهمة للحركة الإسلامية أبرز القوى التي استفادت من الطوفان، وقد مثل الطوفان ما يمكن أن يكون إحياء لهذه القوى ودورها في الحياة السياسية في المنطقة بعد ما تعرضت له منذ الربيع العربي، فبغض النظر عن وجود قوى مقاومة غير إسلامية في غزة، فإن قيادة هذه الحركات وأبرز المساهمين فيها هي القوى الإسلامية، ومن ثم فإن الطوفان يعيد تقديم قوى الإسلام السياسي للمواطن العربي، ويؤكد على الدور المهم الذي تمثله هذه الحركات.

بيد أنه في الوقت نفسه فإن هذه الفرصة هي تحدٍّ في ذاتها خاصة في ظل المحاولات المكثفة من بعض الدول لإفشال الطوفان، إلا أنه من الأهمية بمكان البناء على هذه الجهود وتكريسها بما يعظم من مكاسب الحركة من الطوفان، وبلا شك تكون الحركات الإسلامية أخذت الدرس، وتعلمت التجربة من إخفاقاتها ومن نجاحات طوفان الأقصى، الذي سيجدد للوعي الداخلي لدى الحركات الإسلامية بأن لا خيار لنجاح المشروع الإسلامي إلا بالمقاومة السياسية مع مداراة مرحلية تستند إلى قوة تحمي المشروع السياسي، حتى لا يكون المشروع وظيفيًا بل مستقلًا سيدًا تابعًا للفكرة الإسلامية التي أسس عليها.

  • الفرصة المؤسسية ومؤسسات الأمة بين الوقف والعلماء:

1- الفرصة الوقفية لغزة وأهلها: من الأهمية بمكان أن يسهم أبناء الأمة الإسلامية في إنشاء أوقاف لعمران غزة تكون قاعدة لعمرانها تنشغل بالإنسان، وأن تكون هذه الأوقاف من أدوات المقاومة والتحرير، وألا تقتصر الأوقاف على بيت المقدس والأقصى فقط، ولكن كذلك المقاومة تستأهل إنشاء الأوقاف وحبسها على هؤلاء المجاهدين، وأعمالهم البطولية التي تحرّر الأمة قبل أن تحرر مقدساتها في القدس وفلسطين.

2 – فرصة طوفان الأقصى والمؤسسة العلمائية: قدم الطوفان فرصة كبيرة جدًا للمؤسسة العلمائية لتراكم على النتائج التي حققها الطوفان، في تقديم رؤى نهضوية قادرة على أن تترك بصمتها على المشروع الإسلامي، ويمكن القول إننا أمام “فرصة لتجديد الإنتاج الفكري والإسهام الثقافي والخطاب السياسي، وإعداد خطط تعالج الواقع المختل بعيدًا عن فخَّي الانحباس والانفلات، ويؤذن هذا التجديد بإحياء الحياة السياسية، وإثراء الثقافة السياسية وتطوير مناهج التثقيف في قضايا الشأن العام”.

وإذا كان “المشروع الفكري يطيل أمد الفعل الاستعماري وإن كان باطلًا”، فإن المشروع الفكري الذي ندعو له هنا يطيل عمر المقاومة ويمدها بأسباب الحياة والبقاء حتى يتعذر اجتثاثها من وعي الأمة، ويمتنع تعويق البناء على مخرجاتها في إيقاظ الإنسان العربي والمسلم في سياق النهوض الحضاري.

3 – فرصة المراجعة والنقد الذاتي للأمة وفيها: كشفت أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول (طوفان الأقصى) عن فرصة مهمة لنقد الأمة في أحوالها وضعف فاعليتها، وعدم تأسيس مشروع نهضوي جامع لها، كما أن الطوفان يشكل أهم حلقة في تأسيس معنى “طريق النهوض”، وأهمية كيان المقاومة في مكنون الأمة وفاعليتها.

لقد بيّن الطوفان أن أمام الأمة خيارَين؛ أولهما خيار (أمة المقاومة والعزة) والثاني خيار (الأمة الغثائية وعقلية الوهن)، وعليها أن تختار في ضوء تلك الحركة الإنسانية العالمية والمطالبة الكونية بالحرية والتحرير في مواجهة الاحتلال، والعدوان، والاستيطان والطغيان.

يقدم طوفان الأقصى فرصة عظيمة لإجراء المراجعات والتقييمات للمسارات التي تسير في الأمة على كافة المستويات الداخلية والخارجية، ونمط العلاقات والسياقات التي تجمعها مع غيرها من الأمم والحضارات الأخرى بل وفيما بين وحداتها ومكوناتها. إن الطوفان مثّل – ولا يزال – اختبارًا حقيقيًا في سياقاته المختلفة، الأمر الذي يتطلب الوقوف على الدروس المستفادة والوصول إلى الرؤى والأطروحات التي تعظم من مكاسب الطوفان، وتقلل من أزماته وخسائره.

خاتمة فاتحة

إن عملية الطوفان “طوفان الأقصى – السابع من أكتوبر/ تشرين الأول”، وما تبعها من صمود أسطوري من المقاومة الفلسطينية بأطيافها المتنوعة، ومن الشعب الفلسطيني بتنوّعاته المتعددة على مدى عام لهو أمر يستدعي من الباحثين والمتخصصين والمنشغلين بالعمل العام كل في مجاله أن يفكر ويتدبر في هذه المعركة، ويجعل من بين اهتماماته اليومية كيف يمكن أن يعظم من مكاسب وفرص الطوفان، فهذه العملية أعادت بعث حالة النهوض في الأمة، وأشعلت جذوة نهوضها ليس بين أبنائها فحسب، بل أدرك العالم أجمع أن هذه الأمة لديها من الإمكانات والممكنات ما يجعلها قادرة على أن تؤثر في مسار الإنسانية ككل.

ولعل الاستجابات المتنوعة من أركان العالم المختلفة ليس فقط على مستوى الدول والمؤسسات، وإنما حتى على مستوى الأفراد سواء بالمظاهرات، أو الاهتمام بالدين الإسلامي، يجعلنا نفكر في قيمة ومكانة الطوفان وما تسبب فيه من إحياء للقيم الإسلامية الحضارية، وأن نؤمن بأن العمل في الطوفان وللطوفان هو عمل أمة، وبناء في مسار الحضارة، وتأسيس لنهوض وانبعاث حضاري طال انتظاره.

ومن هنا فمن الممكن القول إن طوفان الأقصى هو نقطة البداية لمشروع نهوض هذه الأمة من جديد، إلا أن هذه البداية تحتاج لبناء وعي وتأسيس سعي حضاري متكامل، يلتمس الوقوف على التحديات ومسار الاستجابات، وإدراك السياقات، وصناعة الفرص والقدرات، وبناء الإستراتيجيات، واستشراف المستقبل والمآلات.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

شاركها.
Exit mobile version