مراسلو الجزيرة نت
لندن- وُلد يوسف قنديل بعد سنوات قليلة من وقوع مجزرة قرية الدوايمة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية إبان النكبة الفلسطينية عام 1948 والتي هُجرت بسببها عائلته، حيث بقيت ذكرى المذبحة محفورة في ذاكرتهم لسنوات، ليرث يوسف منذ صغره أمانة نشر قضية مجزرة الدوايمة المنسية.
ويعتبر قنديل أن من بين أسباب نسيان المجزرة خطأ إملائيا حدث وقت الإبلاغ عنها، حيث أوضح للجزيرة نت أن الإخطار الذي أُرسل إلى الأمم المتحدة بالمجزرة ذكر أن المذبحة جرت في قرية الدوايمة بالجليل بدلا من الخليل، مما دفع المندوب الصهيوني وقتها إلى إنكار حدوثها بالمرة.
وينقل قنديل عن والديه أن القرية كانت معروفة بنشاطها التجاري، وأن المجزرة حدثت يوم الجمعة بعد انتهاء المصلين في مسجد القرية من أداء صلاة الجمعة وفي ذروة اكتظاظ السوق بالناس، والذي كان يرتاده العديد من الفلسطينيين من القرى المجاورة، وهو الأمر الذي أدى إلى ارتفاع عدد الضحايا وصولا للمئات.
المجزرة المنسية
وثّق المؤرخ الدكتور سلمان أبو ستة -الذي ساهم في كتابة “الموسوعة الفلسطينية”- مجزرة قرية الدوايمة باعتبارها إحدى أبشع وأكبر المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 1948، حيث ذكرت الموسوعة أن كتيبة “البالماخ” 89 بقيادة مؤسسها يتسحاق ساديه كانت مسؤولة عن تنفيذ الهجوم.
وبحسب قنديل -الذي يتفق كلامه مع الموسوعة- فإن العصابات الصهيونية لم تترك أيا من المصلين الذين كانوا في المسجد أو الأشخاص الذين كانوا في السوق على قيد الحياة، وإن إطلاق النار وصل إلى مغارات اختبأ فيها السكان.
وذكر قنديل من قصص النجاة أن سيدتين استطاعتا الاختباء خلف أمتعة في مغارة قتل كل من فيها، حيث نجا عدد قليل من المجزرة، واستطاعوا أن ينقلوا إلى ذويهم ما شاهدوه بأعينهم، وكان من بين الناجين عائلة قنديل.
وتختلف التقديرات بشأن عدد ضحايا المجزرة، فوفقا لتقارير وردت وقتها إلى مركز شرطة الخليل فقد قتل نحو 200 من سكان الدوايمة الذين لجؤوا إلى مسجد القرية، وكان معظمهم من كبار السن الذين لم يستطيعوا الفرار، كما أفادت معلومات وصلت إلى الحامية المصرية في بيت لحم بمصرع 500 شخص.
كما أشار تقرير القنصل الأميركي في القدس استنادا إلى مصادره إلى مقتل ما بين 500 وألف شخص في المجزرة من سكان القرية، فيما نفى الجانب الإسرائيلي حدوث قتال في القرية استنادا إلى شهادة جندي إسرائيلي واحد.
وقد شهد مختار القرية حسن محمود هديب مقتل 455 شخصا، وقدّم وقتها قائمة بأسمائهم إلى الحاكم العسكري الأردني، وأشار إلى وجود عدد آخر من الضحايا كانوا في القرية ولم يتم تسجيلهم.
وقد رُصد عن الناجين وقتها أنهم قالوا إن مذبحة دير ياسين تكررت في الدوايمة، وهو ما اعتمد عليه أمين سر مؤتمر اللاجئين العرب في رام الله في تفسيره أن القوات المرابطة في منطقة الخليل كان لديها تخوف من انتشار خبر مذبحة الدوايمة، لما قد يخلّفه من موجة هجرة كبيرة كما جرى حينها بعد مجزرة دير ياسين.
ترميز المجزرة
بعد سنوات من وقوع المجزرة انتقلت عائلة قنديل إلى الأردن، لينتقل بعدها يوسف إلى بريطانيا لدراسة الهندسة المدنية، حيث تخصص في تخطيط المدن، وشارك في بناء أهم المراكز التجارية بلندن، لكن ذلك لم يمنعه من تخصيص جزء كبير من وقته للحديث عن المذبحة التي جرت في قريته الدوايمة.
تعرفت على قنديل ناشطة أسكتلندية كانت قد دشنت مجموعة من النُصب التذكارية للتوعية بمجزرة الدوايمة المنسية، وأشار قنديل إلى وجود العديد منها في المملكة المتحدة مثل نُصب مفتاح العودة الفلسطيني أمام كنيسة “سانت ماري”، ونُصب على هيئة شاهد قبر في أسكتلندا كتبت عليه بعض تفاصيل المجزرة.
كما أشرف قنديل بنفسه على وضع نُصب في أحد الميادين الرئيسية بأسكتلندا قرب القنصلية الأميركية، لكنه مُنع من تدوين من ارتكب مجزرة الدوايمة بشكل واضح عليه.
وقال إن شجرة بلوط زرعت في حديقة عامة بالعاصمة لندن بمناسبة يوم الأرض كتب قربها بعض المعلومات عن المجزرة، ورغم أن القائمين على الفعالية في حينها تقدموا بطلب زراعة شجرة زيتون فإن السلطات المحلية رفضت زراعة شجر مغاير لذلك الموجود في الحديقة.
وعن إمكانية تدشين مثل هذه النُصب التذكارية أكد قنديل أن السلطات المحلية تسمح بالتقدم بمثل هذه الطلبات، والتي أحيانا تكون بمقابل مادي وقد تصل إلى ألف جنيه إسترليني، وأحيانا تكون بتوفير أماكن خاصة لتدشين النُصب من خلال عرض بعض الأماكن المناسبة.
وساهم قنديل مع الباحث شوري مولوي المتخصص في الهندسة المعمارية الجنائية بجامعة “غولد سميث” بتجميع شهادات من أبناء الناجين، لبناء نموذج معماري مصغر لما كانت عليه قرية الدوايمة قبل ارتكاب المجزرة حتى يتم تخليد ذكراها وتوثيقها كرسالة بحثية.
ويناشد قنديل أبناء الجالية الفلسطينية السعي إلى تدشين مثل هذه النُصب، حيث أكد اهتمام النشطاء والنقابات بمثل هذه الفعاليات ورعايتها، مشيرا إلى أن مثل هذه الفعاليات تساهم في التوعية بالمجزرة التي لم تأخذ حقها من النشر والحديث، كمجزرة الطنطورة التي سيتم عرض فيلم وثائقي عنها خلال الشهر المقبل قرب أحد النُصب.