في عصر التكنولوجيا الحديثة، أصبحت التقنية شريكًا يوميًا لا غنى عنه في حياتنا. فهي لم تعدّ مجرد رفاهية، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حيث تقدم لنا حلولًا لمشاكلنا وتجعل حياتنا أسهلَ بشكل لا مثيل له.
من خلال تطبيقات الهاتف المحمول التي تساعدنا على إدارة المهام اليومية بكل يسر وسهولة، إلى التكنولوجيا المتقدمة التي تُسهم في تحسين بيئة العمل وزيادة الإنتاجية، وصولًا إلى التطبيقات التي تساعد الأسر على التواصل والتنسيق بشكل فعال. ومن بين هذه التطورات التكنولوجية، تبرز وسائل النقل الذكي كحل مهم وآمن لمشكلة المواصلات والتاكسي في المدن الكبرى.
فبفضل التطبيقات مثل أوبر وكريم وسويفل، أصبح بإمكان المستخدمين طلب وسائل النقل بسهولة عبر هواتفهم الذكية، مما يقلل من تحديات التنقل، ويوفر وسيلة آمنة وموثوقة للوصول إلى وجهتهم.
كما توفر هذه التطبيقات للعملاء العديد من الخيارات، بدءًا من اختيار نوع السيارة التي يحتاجونها والتكلفة التي تناسبهم، مثل السيارات الاقتصادية أو الفاخرة أو الشاحنات الكبيرة. بجانب خيارات الدفع المرنة عبر العديد من الطرق المختلفة مثل الدفع النقدي، أو بطاقات الائتمان، وهو أمر يزيل عبء التفاوض على الأجرة، كما هو الحال مع سيَّارات التاكسي.
بالإضافة إلى ذلك الأمان كواحد من أولويات الأهالي، عندما يتعلق الأمر بتنقل أبنائهم؛ إذ يقومون بتتبع مسار الرحلة حتى نهايتها بأنفسهم، مما يمنحهم نوعًا من الطمأنينة. وعلى الرغم من المزايا التي تقدمها هذه الشركات، فإنها لا تخلو من العيوب، مثل عدم تحقق الشركة من خلفية السائقين بشكل جيد، وهو ما لا يضمن سلامة الركاب بشكل كامل.
أيضًا المشاكل التقنية في أثناء الرحلة، مثل انقطاع الاتصال بالإنترنت أو تعطل التطبيق، مما قد يؤدي إلى تأخير الرحلة أو إلغائها. والتقييمات غير الدقيقة التي يتلقاها السائقون في بعض الأحيان. والسلامة الشخصية على الرغم من الإجراءات التي تتبعها هذه الشركات لضمان سلامة الركاب، فإنها لا تضمن لك الحماية بشكل كامل من كافة المخاطر والتحديات التي قد تواجهك أثناء رحلتك.
مخاطر يومية
في الأيام الماضية انتشر في مصر خبر وفاة، الفتاة،”حبيبة الشماع”، التي قفزت من إحدى سيارات النقل الذكي والمرتبطة بتطبيق إلكتروني شهير، التي استقلتها من موقع سكنها في “مدينتي”، بعدما شكَّت في محاولة السائق خطفها، كما قالت لأحد شهود العيان، بعد أن ألقت نفسها من السيارة على طريق السويس بالقاهرة.
وقد أكد بيان وزارة الداخلية الرسمي أنه “جرى تحديد وضبط السائق، وهو مقيم بمحافظة الجيزة”. وبمواجهته أقر بقيامه بغلق نوافذ السيارة ورش معطر؛ وعندما فوجئ بقيام الشابة بالقفز من السيارة، قام باستكمال سيره، ولم يتوقف خشية تعرّضه للإيذاء، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضده.
فهل يمكن أن تتحول الرحلات اليومية الآمنة بالنسبة للآباء إلى مخاطرة تسبب لهم القلق المستمر؟
توفيت حبيبة بعد غيبوبة استمرّت 21 يومًا، بعد تدهور حالتها الصحية.
فهل من الطبيعي أن تقفز فتاة من سيارة مسرعة لمجرد أن السائق قرر رشّ بعض المعطر ورفع صوت الأغاني؟ هل تعمد السائق تخويفها حتى وإن لم يكن سيخطفها؟
هل كانت لتغامر بحياتها إذا لم تكن تشعر أنها في خطر حقيقي؟ وهل حبيبة الشماع هي الضحية الأولى لشركات النقل الذكي؟
ضحايا متعددون
حادث حبيبة الشماع ليس الحادث الأول لشركات النقل الذكي، بل سبقته حوادث متعددة أدّت إلى منع إحدى الشركات الكبرى من العمل في العديد من المدن حول العالم لأسباب مختلفة، بعد أن تأكد أن سلامة الركاب لم تكن المعيار الأول بالنسبة لهذه الشركات، بل الانتشار والربح الاقتصادي.
ومن أشهر هذه الحوادث، حادثتا فيلادلفيا ودلهي. ففي عام 2019، أدين سائق مصري الجنسية في أميركا، باغتصاب امرأة وهي في حالة سكر بعدما ركبت معه من كازينو قرب مدينة فيلادلفيا. حيث قام السائق بتمديد الرحلة من 15 دقيقة إلى 53 دقيقة للاعتداء عليها في المقعد الخلفي. وأدين السائق بتهمة اغتصاب امرأة فاقدة للوعي والاعتداء الجنسي عليها.
وفي عام 2015، حكمت محكمة هندية على سائق سيارة أجرة بالسجن مدى الحياة بتهمة اغتصاب راكبة وترهيبها وتعريض حياتها للخطر، أثناء عودتها إلى المنزل وهي أطول عقوبة سجن بتهمة الاغتصاب. وقد تبين بعد إدانته إنه متهم بالاعتداء على نساء أخريات، رغم أنه لم يكن لديه أية إدانات سابقة.
وقد حظيت هذه الواقعة باهتمام دولي دفع المسؤولين في دلهي إلى حظر العديد من شركات سيارات الأجرة الأخرى لعدة أشهر، متهمة إياها بالفشل في إجراء فحوصات كافية للسائقين.
لقد ظننا دائمًا أنه مع التقدم العلمي والتكنولوجي، سيحظى الإنسان بقدر أكبر من الأمان والراحة.
لكننا لا نزال نسمع ونرى كل يوم أحداثًا مخيفة، حتى البحث عن وسائل المواصلات المريحة لا تحدّ منها، فهل سنستطيع يومًا ضمان الأمان المجتمعي؟ هل سيستطيع الإنسان التخلص من الشر المتجذر بداخله، رغباته المؤذية التي تدفعه بإيذاء الأضعف منه أو حتى محاولة إخافتهم على سبيل إرضاء نفوسهم المريضة؟
في الحقيقة.. أشك في ذلك.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.