مراسلو الجزيرة نت
باريس- في صدمة شبه متوقعة، اكتسح حزب التجمع الوطني اليميني انتخابات البرلمان الأوروبي في فرنسا، محرزا 31.4% من الأصوات، ومتفوقا على حزب النهضة الرئاسي الذي حل ثانيا بنسبة 14.60% من الأصوات، في حين احتلت قوائم اليسار المركزين الثالث والرابع.
مباشرة بعد هذا الفوز الكاسح، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب موجه للشعب الفرنسي حل الجمعية الوطنية، وإقامة انتخابات تشريعية خلال 3 أسابيع.
ورغم الصعود القوي لليمين المتطرف في السنوات التي تلت وصول ماكرون، فإن الاكتساح الكبير لحزب مارين لوبان للانتخابات الأوروبية شكل صدمة في الأوساط السياسية والإعلامية في فرنسا، وما زاد من الصدمة هو إقدام ماكرون على حل البرلمان الفرنسي رغم التوقعات التي كانت تشير إلى عكس ذلك، حتى في حالة تلقي حزبه هزيمة في هذا الاستحقاق الانتخابي.
وعقب صدور النتائج الأولى، خرج ماكرون في خطاب متلفز تأسف فيه للنتائج، معتبرا أن صعود القوميين و”الديماغوجيين” في أوروبا هو مؤشر لخطر وشيك يحيط بمستقبل القارة العجوز.
ووصف ماكرون قرار حل البرلمان بـ “الثقيل والخطير”، مستدركا بأن هذه الخطوة هي خطوة ثقة يخطوها الرئيس نحو الشعب الفرنسي الذي يعول على أصواته لمنع مارين لوبان من تشكيل أغلبية برلمانية ومن ثم حكومة فرنسية يمينية متطرفة للمرة الأولى في تاريخ الحزب.
لوبان جاهزة للحكم
من جهتها، وجهت مارين لوبان، ربانة اليمين المتطرف الفرنسي، تهانيها لجوردان بارديلا، الرئيس الحالي لحزب التجمع الوطني بعد النتائج التاريخية التي حققها في الانتخابات الأوروبية.
وأشادت لوبان بقرار ماكرون بحل البرلمان حسب ما تخوله له صلاحياته الدستورية، مؤكدة في الوقت نفسه أنها وحزبها مستعدان لتعديل أوضاع البلاد والدفاع عن مصالح فرنسا ووضع حد للهجرة الكثيفة ودعم القدرة الشرائية للفرنسيين.
وأكدت زعيمة اليمين المتطرف أنها وحزبها على استعداد كامل لممارسة السلطة في حالة منحهم الفرنسيون ثقتهم في انتخابات 30 يونيو/حزيران المقبل.
ويأتي قرار إيمانويل ماكرون بحل البرلمان استنادا للمادة 12 من الدستور الفرنسي، إذ يخول للرئيس حل البرلمان في حالة عدم وجود إخلال في الأغلبيات، وهو الوضع الحالي، حيث يحوز حزب ماكرون على الأغلبية البرلمانية في مجلس الشيوخ الفرنسي، في حين أتت نتائج الانتخابات الأوروبية بأغلبية مختلفة لا تتسق مع توجهات البرلمان الداخلي.
إستراتيجية مستهلكة
وفي تعقيبه على نتائج هذه الانتخابات، قال موقع “ميديا بارت” إن ماكرون يحاول أن يجعل من نفسه لمرة جديدة الحل الوحيد في مواجهة اليمين المتطرف، معتبرا أن هذه الإستراتيجية قُتلت استعمالا، وهو ما يعني خطر صعود القوميين هذه المرة لسدة الحكم عبر البرلمان.
في السياق ذاته، عنونت صحيفة لوموند “3 أسابيع لتجنب الكارثة”، معتبرة أن ما كان الفرنسيون يخشونه خلال 3 سنوات (قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة) أصبحوا مضطرين للتعامل معه خلال 3 أسابيع فقط، ألا وهو صعود اليمين المتطرف إلى سدة الحكم.
وسيكون على الفرنسيين التوجه يومي 30 يونيو/حزيران المقبل ثم السابع من يوليو/تموز لانتخاب أغلبية جديدة تشكل البرلمان ثم الحكومة الفرنسية، وتشير التوقعات إلى إمكانية اكتساح اليمين المتطرف مرة أخرى لهذه الانتخابات، أما على الجهة المقابلة، فيحاول اليسار إيجاد صيغة توافقية لمواجهة هذا الخطر المشترك.
وتُجرى انتخابات البرلمان الأوروبي التي بدأت عام 1979 كل 5 سنوات بالاقتراع العام، لاختيار 720 نائبا ضمن حصص مخصصة لكل دولة من دول الاتحاد الأوروبي بحسب عدد سكانها، وهو المؤسسة الوحيدة -بين مؤسسات الاتحاد- التي يتم اختيار أعضائها بالانتخاب.
وبينما ظلت مجموعة حزب الشعب الأوروبي التي تضم أحزاب يمين الوسط هي الكتلة الكبرى في البرلمان الأوروبي بـ 185 مقعدا بحسب التقديرات الأولية، فقد أحرزت كتلة اليمين المتطرف مكاسب هامة بزيادة ملحوظة في عدد مقاعده.
ووفق التقديرات التي ينشرها البرلمان الأوروبي ويحدثها باستمرار حتى انتهاء العد والفرز، فإن حزب الشعب الأوروبي سيحصل على 185 مقعدا، والديمقراطيون الاشتراكيون على 137 مقعدا، وكتلة تجديد أوروبا على 79 مقعدا، والمحافظون والإصلاحيون على 73، ومجموعة الديمقراطية والهوية على 58، في حين من المتوقع أن ينخفض عدد مقاعد الخضر إلى 52 مقعدا (مقارنة بأكثر من 70 حاليا).