مراسلو الجزيرة نت
موسكو– بعد أن كان استعمال كلمة “حرب” محظورًا في روسيا لتوصيف الأعمال القتالية مع أوكرانيا، جاء تصريح الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بأن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا تحولت إلى حرب بسبب التدخل الغربي، ليطرح تساؤلات حول الإشارات التي يحملها هذا التغير المفاجئ والتداعيات التي يمكن أن تأتي نتيجة له.
وكان بيسكوف قال في تصريحات لافتة إن “روسيا باتت في حالة حرب. في البداية سميت بالعملية العسكرية الخاصة” وتابع بأن الوضع القانوني للعملية الخاصة في أوكرانيا لم يتغير، لكنها في الواقع تحولت إلى حرب بعد أن زاد الغرب بشكل مباشر من مستوى مشاركته بصورة جماعية.
وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدء ما سميت العملية الخاصة في أوكرانيا يوم 24 فبراير/شباط 2022. ووصف هدفها بحماية الأشخاص الذين “يتعرضون للتنمر والإبادة الجماعية من قبل نظام كييف”.
وخلال عمليات القتال، سيطرت القوات الروسية بشكل كامل على جمهورية لوغانسك، بالإضافة إلى معظم مناطق جمهورية دونيتسك ومقاطعتي خيرسون وزاباروجيا، والتي بناء على نتائج استفتاءات أجريت في وقت لاحق أعلنت السلطات القائمة فيها الانضمام إلى موسكو، واعتبارًا من 19 أكتوبر/تشرين الأول 2022، تم تطبيق الأحكام العرفية في مناطق فيها.
بداية جديدة
وطوال الفترة الماضية وحتى تصريح بيسكوف الأخير، كانت التشريعات الروسية تحظر استخدام عبارة حرب في وسائل الإعلام وتحمل المسؤول عن ذلك تبعات قانونية وفقًا لقانون “المعلومات وتكنولوجيا المعلومات وحماية المعلومات”.
وجاء التغير في الموقف الروسي من الناحية الزمنية بعد نحو أسبوع من انتهاء الانتخابات الرئاسية والتي قال عدد من المراقبين إنها ستشكل بداية جديدة لمقاربة الحرب مع أوكرانيا وأشكال النزاع مع حلفائها الغربيين.
ويرى مدير مركز التنبؤات السياسية، دينيس كركودينوف، أن السكرتير الصحفي للرئاسة الروسية ليس هو الشخص الذي يمكن أن يعبر عن آراء تختلف عن الموقف الرسمي. ولهذا السبب، فإن تصريحه حول التحول -بحكم الأمر الواقع- إلى حرب، قد جذب اهتمامًا كبيرًا.
ويوضح كركودينوف، للجزيرة نت، أن تركيز بيسكوف بشكل خاص على أن تحالف الناتو بأكمله يقف ضد بلاده الآن يحمل إشارة خاصة مفادها أن روسيا ستبدأ في الرد على الدول الغربية.
فدول الناتو، كما يقول الباحث الروسي، لا تمنع فقط التوصل إلى أي اتفاق يمكن أن ينهي “المرحلة الساخنة” من المواجهة، ولكنها تقف أيضًا في طريق المفاوضات البناءة. علاوة على ذلك، وعلى خلفية تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “العدوانية” فإن كل التأكيدات بأن حلف شمال الأطلسي ليس طرفا في الصراع تبدو وكأنها “عذر” ساذج.
وحسب المتحدث ذاته فإن السلطات في كييف هي من ساهمت في تحويل المنطقة العسكرية الشمالية إلى منطقة حرب. ففي الوقت الذي كانت فيه أهداف روسيا تقتصر على تجريد أوكرانيا من السلاح والقضاء على النازية، رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تقديم أي تنازلات مع موسكو وأطلق عملية المواجهة الشاملة.
أكثر خطورة
ويوضح مدير مركز التنبؤات بأن روسيا باتت الآن أمام نطاق جديد مختلف من العمل العسكري، قد يكون البدء بالاستعدادات المعلوماتية والدبلوماسية لضرب أهداف الناتو.
وأضاف متسائلا “على سبيل المثال، ماذا يجب أن نفعل إذا بدأت طائرات إف 16 الأميركية في التحليق باتجاهنا من مطارات الناتو في بولندا ورومانيا؟ هل نرد بقصفها؟” محذرا من أن ذلك قد يعني في الأساس بداية حرب عالمية ثالثة.
من جهته، لا يستبعد الأكاديمي ألكسي أرباتوف أن يتصاعد الصراع العسكري إلى مرحلة أكثر خطورة بعد تصريحات بيسكوف.
ويوضح أنه إذا لم يتم في القريب العاجل التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، فإن كل شيء سيؤدي إلى حرب واسعة النطاق، كأن تبدأ الصواريخ الروسية بعيدة المدى بضرب البنية التحتية لأوكرانيا. وفي المقابل يمكن لأوكرانيا أن تشن نفس النوع من الضربات ضد روسيا، الشيء الذي إن لم يسبقه اتفاق سلام فإنه يهدد بعواقب خطيرة على جميع الأطراف.
ووفقا لأرباتوف، في حال تصاعد الأعمال العدائية إلى قتال واسع النطاق يتعين أن “نشد أحزمتنا” لأن الاقتصاد سيصبح على حافة الحرب. وبما أن الطائرات بدون طيار لا تطير إلى المناطق الحدودية فحسب، بل إلى كلتا العاصمتين أيضًا، فإنه لا يستبعد فرض الأحكام العرفية، أولا، في المناطق المتاخمة للنزاع (الحدودية).
ويختم الأكاديمي الروسي بأن الغرب بالفعل قام بتحويل الاقتصاد إلى صيغة عسكرية، والآن حان دور روسيا، مشيرًا إلى أنه خلال الحرب العالمية الأولى تم إنشاء لجان صناعية عسكرية خاصة، وخلال الحرب العالمية الثانية عملت ما سميت في ذلك الحين “لجان الدفاع”.
ويرجح أن تتولى الدولة السيطرة الكاملة على الاقتصاد، بما في ذلك احتمال التأميم المؤقت لأهم المؤسسات في الصناعات الرئيسية، حيث ستبرز تكاليف الأغراض العسكرية في المقدمة، وكل شيء آخر سيتعين نسيانه لبعض الوقت.