مراسلو الجزيرة نت
بيروت- كشف الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في خطابه اليوم الأحد عن تفاصيل الهجوم العسكري الذي نفذه الحزب في الجانب الإسرائيلي، ردا على اغتيال القيادي فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية ببيروت في يوليو/تموز الماضي، موضحا طبيعة الهدف العسكري، لتفنيد الرواية الإسرائيلية التي ادعت أنها أحبطت هجومًا كبيرًا كان الحزب يعتزم تنفيذه.
وأشار نصرالله إلى أن الهدف كان قاعدة “غليلوت” التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”، التي تقع على بعد 1.5 كيلو متر من تل أبيب، مما يعكس دقة اختيار الهدف، وأضاف أن حزب الله أطلق 340 صاروخ كاتيوشا بهدف تشويش منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية، مما أتاح المجال للطائرات المسيرة للعبور نحو أهدافها.
وقال نصر الله إن المسيرات انطلقت عند الساعة 5:15 فجرًا من منطقة البقاع في لبنان، وتمكن بعضها من إصابة أهدافها بنجاح، وانتقد بشدة الرواية الإسرائيلية ووصفها بالمزيفة، ونفى مزاعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بشأن تدمير آلاف الصواريخ ومنصاتها، مؤكدًا أن الغارات الإسرائيلية أصابت فقط منصتين للصواريخ.
كما كشف نصرالله أن العدو الإسرائيلي بدأ غاراته قبل نصف ساعة من بدء عملية حزب الله، مما يثبت أن إسرائيل لم تكن تمتلك معلومات استخبارية مسبقة، وأن الغارات لم تكن استباقية ولم تؤثر على سير العملية، وأكد أن العدو شعر بتحركات المقاومة وبادر إلى شن غاراته، في محاولة يائسة للتأثير على مجريات الأحداث، مما يعني أنه يعاني من “فشل استخباري واضح”.
وأكد أن التأخر في الرد على اغتيال شكر كان بداعي الحاجة للتشاور حول ما إذا كان ينبغي أن يكون الرد عبر محور المقاومة أو بشكل منفرد، لكن القرار كان الرد من قبل حزب الله منفردا، مؤكدًا أن لكل طرف في محور المقاومة حريته في اتخاذ قرار الرد.
إستراتيجية مختلفة
أوضح المحلل السياسي توفيق شومان للجزيرة نت، أن خطاب الأمين العام لحزب الله اليوم تناول محورين رئيسيين:
- استهداف ضاحية تل أبيب ومقر المخابرات الإسرائيلية “أمان”.
- الضغط على الإسرائيليين للاعتراف بحجم الدمار الذي أصاب المنشآت الاستخباراتية والأمنية الإسرائيلية.
واعتبر شومان أن نصر الله اتبع إستراتيجية خاصة، ترك فيها المجال لتفسيرات متعددة بشكل غير مباشر، فإذا اعترف الإسرائيليون بحجم الضربة، فذلك يعني أن الرد على اغتيال القائد فؤاد شكر والعدوان على الضاحية الجنوبية قد تحقق، أما إذا لم يعترفوا، فقد يكون ذلك إشارة إلى تحضير ضربة ثانية، مما يعني أن الحساب لا يزال مفتوحا.
وعند الحديث عن استهداف مقر شبكة “أمان”، أشار شومان إلى أن هذه الخطوة تعكس قدرة على توجيه الضربات إلى عمق الجانب الإسرائيلي، إذ إن هذا المقر يقع على بعد أكثر من 100 كيلومتر من الحدود اللبنانية، مما يدل على أن الصواريخ أو الطائرات المسيّرة المستخدمة قد اخترقت مدى بعيدا.
وعن الأهمية الإستراتيجية لهذه الضربة، أكد المحلل السياسي شومان، أن استهداف منطقة “غوش دان” التي تشمل تل أبيب له دلالات كبيرة، فهي تعد المركز السياسي والاقتصادي والسياحي والصناعي والتقني لإسرائيل، وأوضح أن أي رد إسرائيلي واسع النطاق على لبنان قد يؤدي إلى ضربات مماثلة في عمق لا يقل عن 100 كيلومتر في هذه المنطقة الحيوية.
وأشار شومان إلى ما يتعلق بتداعيات العملية العسكرية، حيث قال إن إعلان الإسرائيليين انتهاء العملية لا يعني بالضرورة انتهاء قواعد الاشتباك أو المواجهة على الجبهة اللبنانية، ورغم أن الرد على استهداف عمق الجانب الإسرائيلي قد انتهى، لكن الكشف عن حجم الخسائر يبقى موضوعا ينتظره الجميع.
وتحدث شومان عن استمرار قواعد الاشتباك وحرب الاستنزاف على الجبهة اللبنانية، في ظل المفاوضات التي يقودها وسطاء من قطر ومصر والولايات المتحدة، حيث يرى أن الوضع عاد إلى ما كان عليه قبل العدوان على الضاحية الجنوبية، فإذا توقف العدوان على غزة، فإن حرب الاستنزاف على الجبهة اللبنانية ستتوقف، وإلا ستظل هذه الجبهة مشتعلة وفقا للقواعد المعروفة.
عودة الوضع السابق
ويرى رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات العميد الركن دكتور هشام جابر، أن الغارات الاستباقية التي شنتها إسرائيل لم تحقق أهدافها، مشيرا إلى وجود “فشل في الاستخبارات الإسرائيلية”، تجلى من خلال قصف مواقع خالية بقنابل قوية فجر اليوم، دون وجود أي أهداف بشرية.
وأوضح العميد الركن للجزيرة نت أن النقطة الرئيسية التي أكدها نصر الله، والتي لم تعترف بها إسرائيل، هي استهداف قاعدة “غيليلوت” شمال تل أبيب، ورغم أن الهدف لم يكن تل أبيب مباشرة، فإن المسافة بينها وبين القاعدة ليست بعيدة جدا، بينما تبعد عن الحدود اللبنانية بأكثر من 120 كيلو مترا.
وتحدث جابر عن ميزة جديدة، تتمثل بأن هذه هي المرة الأولى التي يُطلق فيها حزب الله مسيرات من منطقة البقاع، وقد نجحت المسيرات في الوصول إلى أهدافها، معتقدا أن الرد من حزب الله قد أنهى الأزمة، حيث أرسلت إسرائيل رسائل دبلوماسية تعبر عن رضاها عن الرد وأكدت عدم رغبتها في التصعيد.
ويعتبر هذا “خبرا جيدا” حسب ما يرى المتحدث، لأنه يعني أن التصعيد الإضافي غير محتمل بناء على تصريحات الإسرائيليين، ويبدو أن حزب الله يراعي هذا الأمر، مما قد يعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل الرد.
ما بعد الرد
من جهته، وصف الخبير العسكري علي حمية في حديثه للجزيرة نت رد حزب الله على اغتيال القائد فؤاد شكر بأنه “كان ردا عسكريا” وأوضح أن الحزب يرى هذا الرد كافيا إذا اعترفت إسرائيل بالخسائر، لكن إذا لم تعترف، فقد يتخذ الحزب إجراءات إضافية، مؤكدا أن “المواجهة ستستمر حتى يرفع الظلم عن فلسطين، وتحقق الهدنة في غزة”.
وأشار حمية إلى أن خطاب نصرالله يبرز حرص الحزب على تجنب استهداف المدنيين، والتركيز فقط على الأهداف العسكرية، مع تجنب ضرب البنية التحتية، وبناءً على ذلك، وصف السيد نصرالله الحرب بأنها “نبيلة” وتلتزم بقوانين الحرب ومتطلبات الميدان.
وفيما يتعلق بضرب وحدة 8200 في قاعدة “غليلوت”، اعتبر الخبير أنها تحمل دلالة رمزية لتل أبيب مقابل بيروت، حيث استهدفت المقاومة المركز العسكري لجهاز الأمن، المكلف بتوفير المعلومات للعدو الإسرائيلي، والتي تُستخدم في عمليات الاغتيال.
وأضاف حمية أنه في حال ردت إسرائيل على الهجوم فإن ذلك قد يتضمن محاولة استهداف قادة حزب الله، ونحن الآن في انتظار رد الفعل الإسرائيلي أو إعلانهم عن خسائرهم، مع احتمال استخدام إسرائيل لأسلحة أخرى لاستهداف المواقع في الشمال.