يبدو في حكم المؤكد أن يعلن الحزب الديمقراطي الأميركي في أغسطس/آب المقبل ترشح الرئيس جو بايدن رسميا للانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في مدينة شيكاغو.
ومن المفارقات أن مدينة شيكاغو شهدت عام 1968، انعقاد مؤتمر ديمقراطي سادته الفوضى على خلفية المظاهرات ضد حرب فيتنام، بعد فترة وجيزة من تخلي الرئيس المنتهية ولايته ليندون جونسون عن الترشح.
حينذاك، نأى طالب القانون جو بايدن بنفسه عن الاحتجاجات. وفي كتاب نشره عام 2007، يستذكر رؤيته طلابا يحتلون مبنى في جامعته في سيراكيوز شمال شرق البلاد، وتعليقه “انظر إلى هؤلاء الحمقى”، مضيفا “إلى تلك الدرجة كنت بعيدا عن الحراك المناهض للحرب”.
واليوم، وبعد 56 عاما يلتزم بايدن الصمت بشكل شبه كامل إزاء التعبئة الطلابية في العديد من الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، متجنبا حتى الآن الحديث عن هذا الموضوع الذي من شأنه أن يقوض حملته الانتخابية.
ولم يتحدث بايدن الديمقراطي البالغ (81 عاما) والذي يتوقع أن يواجه الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، علنا إلا مرة واحدة وباقتضاب عن هذه المظاهرات.
وفي 22 أبريل/نيسان الماضي قال بايدن ردا على سؤال طرحه أحد الصحفيين “أدين مظاهر معاداة السامية وأدين أيضا أولئك الذين لا يفهمون ما يحدث للفلسطينيين”. ومنذ ذلك الحين، التزم بايدن الصمت وسط صدامات بين الطلاب والشرطة التي أوقفت المئات في الجامعات في أنحاء البلاد، وهو ما لاحظه سلفه ومنافسه دونالد ترامب (77 عاما).
هو لا يقول شيئا
وخلال تجمع أمس الأربعاء قال ترامب “هناك بلبلة كبيرة في بلادنا، وهو لا يقول شيئا”. في إشارة إلى صمت جو بايدن، ودعا ترامب رؤساء الجامعات إلى “استرداد الحرم الجامعي” ووصف المتظاهرين في جامعة كولومبيا في نيويورك بأنهم “مجانين مسعورون ومتعاطفون مع حماس”.
من جهتها، أدانت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير أمس ما وصفته بـ”النسبة الصغيرة من الطلاب الذين يسببون الفوضى” بعد ليلة من الاشتباكات والاعتقالات في بعض الجامعات.
وأضافت “للطلاب الحق في الذهاب إلى الفصل والشعور بالأمان”، مضيفة “يجب علينا إدانة معاداة السامية”. لكنها أقرّت أن الحرب في غزة “لحظة مؤلمة”، مؤكدة أن جو بايدن يدعم الحق في الاحتجاج السلمي.
موقف حساس
ويرى أليكس كينا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة فرجينيا كومنولث، أن “الاحتجاجات وضعت بايدن في موقف حساس؛ لأنه اعتمد كثيرا للفوز في عام 2020 على الشباب، وعلى المسلمين والأميركيين من أصل عربي”.
لكن جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأميركي- منظمة تمثل الأميركيين من أصول عربية- يرى أن البيت الأبيض “يبدو مقتنعا بأنه سيصمد أمام هذه العاصفة وسينتصر، رغم كل شيء على دونالد ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وهذا سوء تقدير خطير”.
ومنذ بداية الحرب الأخيرة على غزة إثر الهجوم غير المسبوق الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان جو بايدن هدفا لانتقادات شديدة، بسبب دعمه غير المشروط لإسرائيل.
وأظهر استطلاع للرأي نشرته جامعة هارفارد في منتصف أبريل/نيسان الماضي، أنه يحظى بأفضلية بين الأميركيين تحت سن الثلاثين، و45% من نوايا التصويت مقابل 37% لدونالد ترامب، بفارق 8% لكن هذه النسبة أدنى بكثير مما كانت عليه قبل 4 سنوات. ففي ربيع عام 2020 كان بايدن متقدما بـ23 نقطة على خصمه ترامب.
ويرى مراقبون أنه من الممكن أن يستعيد بايدن رضا بعض الناخبين الشباب بحلول شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل إذا تم التوصل إلى اتفاق بين حماس والحكومة الإسرائيلية بشأن وقف إطلاق النار وتبادل رهائن محتجزين في غزة بأسرى فلسطينيين.
ويرى أليكس كينا أن ذلك “سيكون أمرا جللا” و”يسهم ربما في وضع حد لبعض الاحتجاجات واستعادة الاستقرار” في الجامعات.
وتضغط الإدارة الأميركية منذ أسابيع من أجل التوصل إلى اتفاق. ورأى وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن في إسرائيل الأربعاء أن حماس “يجب أن تقول نعم” لمقترح الهدنة الأخير المقدم لها.
وإذا فشل الاتفاق، واستمرت الاحتجاجات في الجامعات، فسوف يعقد الديمقراطيون مؤتمرهم في ظل توتر شديد للغاية هذا الصيف في أجواء تشبه تخلي جونسون عن الترشح للرئاسة عام 1968.