غانا- تشتهر أفريقيا -ومنها غانا– بخيزرانها الذي يعد من أجود الأنواع في العالم، واعتمد الأفارقة بشكل عام على الخيزران والقش والقصب في صناعة المفروشات التقليدية من أسرّة وطاولات وكراسي، لكن هذه المهنة تتراجع تدريجيا لأسباب عديدة.
يعمل “أليكس” في هذه المهنة منذ زمن طويل، وقد ورثها عن أجداده وحاول أن يطورها لتواكب العصر، على حد تعبيره، من خلال تنفيذ تصاميم حديثة.
لكنه لا يزال يرتطم بحائط من الخيبة يحول بينه وبين تطويرها، ويقول “مهنة مفروشات الخيزران عريقة وقديمة ورثناها عن أجدادنا ونحاول التمسك بها، بعد أن تخلى عنها كثير من الصناع المهرة ومن الزبائن أيضا”.
منافسة شديدة
ويضيف أليكس “بعض الناس من طبقات معينة من المجتمع لم تعد تلائمهم مفروشات الخيزران التقليدية، واتجهوا نحو ما هو أحدث باقتناء المفروشات المستوردة ولا سيما الصينية منها لأنها أرخص ثمنا”.
ويتابع “أصبحت المنافسة شديدة بسبب اهتمام الصين بهذه الصناعة وإغراق السوق العالمية بها، بينما نحن ما زلنا نعمل بأدوات بدائية وعلى الأرصفة”.
تواجه مهنة صناعة مفروشات الخيزران تحديات أخرى تجعل منها مهنة تلفظ أنفاسها، وفق تعبير “آيزك” أحد العاملين فيها. ويرى أن استغلال الحرف الفنية -لمجرد أنها يدوية الصنع في أفريقيا- ما زال يعترض طريق التراث الأفريقي الغني نحو الأسواق العالمية.
ويقول آيزك “يأتي أحيانا بعض التجار ويشترون منتجاتنا بأبخس الأثمان، لكن الحال لم يعد كما كان في السابق، فاليوم حتى المواد الخام التي نعتمد عليها ونقطع مسافات طويلة للحصول عليها، أصبحت غالية الثمن بسبب استغلال التجار بحجة قلة المحاصيل وانتشار العمران”.
ويضيف “كما أن الحكومات لا تعتني بالحرف اليدوية ولا تحافظ عليها ولا نتلقى أي دعم منها. نعمل لنؤمن قوت يومنا، وفي موسم المطر نعاني لأنه يعيق عملنا، وأحيانا قد يكون السبب في فقدان قطع ومواد عديدة، فمياه الأمطار تجعل بعض الأخشاب رطبة وغير صالحة للاستخدام”.
حس فني
ساعدت البيئة الطبيعية في خلق ذاك الحس الفني الفطري عند بعض الحرفيين، ففي غانا يشتهرون بنحت الخشب وصناعة تماثيل تجسد تراثهم وثقافتهم وبيئتهم، كالأقنعة الخشبية التي كان يستخدمها زعماء القبائل الأفريقية.
يعمل “ماوكو” منذ أن كان صغيرا في نحت التماثيل وصناعة الأبواب وصناديق الحلي، وقد ورث هذه المهارات عن والده لتأمين لقمة عيشه، لكنه -كغيره من النحاتين- يملك حسا فنيا وموهبة حقيقية في تجسيد ثقافته، خاصة عندما نرى الأدوات التي تنتج هذه التحف الفنية المميزة، وهي مجرد إزميل ومدق خشبي.
وقد يستغرب البعض أن نعومة ملمس التمثال ناتجة عن شغل يدوي لا دخل لأي آلة فيه.
يقول ماوكو “بات السياح يهتمون أكثر باقتناء هذه المنحوتات كتراث أفريقي، بينما لم يعد ذلك يثير اهتمام الناس هنا، خاصة بعد فتح باب استيراد الأبواب المصنعة والمنحوتات والتحف الصينية، فأصبحت هذه الحرفة لا تكاد توفر شيئا للعاملين فيها، لكنني لا أستطيع التخلي عنها ولا أعرف مهنة غيرها”.
لا نستطيع إنكار تأثير الصناعات الحديثة خاصة في البلدان النامية التي تُعتبر بيئة تجارة حية، بسبب فقر مواردها وضعف صناعاتها.
صراع البقاء
لكن أفريقيا ما زالت تصارع للإبقاء على صناعاتها وحرفها التقليدية حية، رغم بساطتها ومحدوديتها، ولا سيما بوجود قرى لا تزال بسيطة لم تطرق الحداثة بابها يوما، بسبب بعدها عن مراكز الثقل الاقتصادي.
ومن هذه القرى شمال غانا الذي تقطنه الأغلبية المسلمة، حيث ما زال الناس يعتمدون على ملابس مصبوغة ومنقوشة بطرقهم التقليدية وكذلك الأحذية والحقائب النسائية والحلي وسلال القش والقبعات.
تقول “أسانتوا”، وهي سيدة شمالية انتقلت إلى العاصمة أكرا للبحث عن عمل ولا تزال تتكلم لغة القبيلة المحلية، إنها تعلمت مهنة صناعة قبعات القش من والدتها، وصناعة السلال التي يعتمد عليها أهل القرى كثيرا في وضع حاجياتهم للتسوق أو تخزين الطعام.
وتوضح أنها تصنع منها أحجاما وأشكالا مختلفة، وتعتمد على القش كمادة أساسية، خصوصا الملون الذي يساعدها على إضافة لمسة فنية إلى منتجاتها.
وتقول أسانتوا “البيع في الشمال أكثر منه في العاصمة، لكنه أرخص، وفي الحالتين المواد متوفرة فقط في منطقة كوماسي وسط البلاد، ويجب أن أسافر للحصول عليها، وبذلك تكون تجارتي وصناعتي غير رابحة بشكل جيد، لكنني أحاول الحفاظ عليها قدر المستطاع”.
وتتابع “هناك العديد من الناس الذين باتوا يفضلون القبعات المستوردة وخاصة المستعملة التي تباع بسعر زهيد، والحقائب أيضا، عوضا عن السلال التي أصنعها”.
وإذا كانت موجة التحديث والتكنولوجيا الصناعية قد أسهمت إلى حد كبير في انقراض مهن عديدة حول العالم، فهل ستواجه هذه المهن والحرف الفنية في غانا وأفريقيا فيضان البضائع المستوردة؟ أم إنها ستنقرض وتندثر معالمها التي صمدت مئات السنين؟